الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

الواد المسهوك والشبشب أبوصباع

وقف العامل المسهوك في ظلام الصحراء يغرق سماعة التليفون المحمول جملاً من الحب والهيام لحبيبته،كان الليل قد تعدى منتصفه بحوالي الساعة أو أكثر والواد الحبيب لا يشعر ببرد الشتاء القارص ولا بتجمد صوابع قدمه التي كانت مكشوفة تلعب خارج شبشب بلاستك بصباع.
كل كرفانات العاملين مثل المقابر وسط ظلام الصحراء وصوت الشخير لا يعلو عليه صوت والواد الحبيب هائم على وجهه والسهوكة قد بلغت من ملامحه مبلغها حتى قطعها صوت صريخه المفاجئ،شيئاً ما يبدو أنه غاظه لعب صوابعه خارج الشبشب أبو صباع أو ربما ضايقه صوته الذي يحمل كل المحن في أواخر الليل فأراد أن ينبهه بطريقته الخاصة.
كانت طريشة مميته قد أمسكت في إصبع رجله الكبير الأيمن وقد أقسمت في غيظ ألا تتركه إلا وهو ميت وكأن بينها وبينه تار والواد الحبيب فجأه تحول لبركان هائج يصرخ بلا توقف حتى أوقف شخير الكرفانات وأضيئت اللمبات وتسارعت الخطى نحوه وفي لحظات كان الجمع إلتف حوله إلا الممرض المسئول الأول في مثل تلك الحالات كان صوت شخيره مازال يعلو ويعلو حتى غطى على أصوات الزعيق والإستنجاد به من كل صوب وحدب.
الخبط على باب الممرض كان مثل أصوات قرع طبول الحرب،محاولات فتح الباب عنوة لم تفلح فقد وضع الممرض شومة كبيرة دقرها خلف الباب وكانت شومة عنيدة أمينة على شخيره ولم تسمح لكل تلك الأجسام بالنجاح في اقتحام الباب حتى أيقظه الله من عنده وأخد يتثاب في برود شديد وكأنه عريس في صبحيته وبالعافية رد وقال في صوت أخنف رخيم " أيه فيه ايه ياجدع إنت وهو"
-         افتح يا أستاذ فتحي الواد مدبولي قرصته طريشه وهيموت تعالى إلحقه
-         وأنا هعمله أيه بروح أمه طالما قرصته الطريشة يبقى هيموت روحوا ناموا
-         ننام أيه يا أستاذ فتحي افتح الباب وتعالى شوف الواد انقذه بأي حاجه
فتح الممرض الباب في برود شديد وبطء حركة وقال لهم بمجرد أن رأي وجوههم يحملون العامل بين أذرعهم والفزع يسيطر عليهم" أنا بقولكم طالما قرصته طريشة يبقى هيموت" ثم نظر للواد الذي كان منذ لحظات مسهوكاً وأصبح الآن يصارع الموت وقال له كعادة بروده في الحديث" يابني انت هتموت بكتيره كمان ربع أو نص ساعة،إنت ودورتك الدموية بقى" ثم أغلق الباب في وجه الجميع وعاد لينام.
بعد ربع ساعة كانت السيارة الدوبل كابينه تجري في مدق صحراوي طويل في وسط الظلام متجهه لأقرب مستشفى تقع على بعد 150 كيلومتر وفي الكرسي الأمامي يجلس الممرض الثمين ذو اللحية الكثيفة والوجه المكتظ والشعر الهائش يدخن سيجارته باستمتاع وبجواره السائق يصارع حصوات المدق بالتشبث في المقود بكل ما فيه من عضلات،أما في الخلف فكان الواد الحبيب ملقى بالعرض على الكنبة الخلفية يصارع الموت والتأوهات تملأ الكابينة بكل صخب،حتى جعلت سخط الممرض يصل ذروته فالتفت له وقال ودخان سيجارته يغرق وجه الواد المقروص"يابني اسكت بقى خوت دماغنا،كل لحظة أه أه،ما احنا بنجري أهوه هنعمل ايه اكتر من كده نطير يعني؟!!"
صراخ العامل ملأ الصحراء بعويله واستنجاده حتى بلغ الغيط عند الممرض مبلغه فطلب من السائق في غضب أن يوقف السيارة ونهر مدبولي وهو يهدده "والله العظيم أرميك هنا في الصحرا لو مبطلتش خوته أنا مش ناقص،ما أدينا لفينك ببطانية وكوبيرته أهو وقافلين ليك الإزاز كله علشان متبردش وبرضوا قاعد تتأهوه طب اعملك أيه تاني"،فرد السائق باستغراب وهو يتعجب من كلام الممرض الذي هربت منه دماغه كالمسطول وقال له في رجاء "يا استاذ فتحي الواد مدبولي قرصاه طريشة وبيموت مش واخد دش ميه باردة وعايز يدفا" ثم التفت لمدبولي مطيباً "معلش يابني خلاص هانت كلها 20 كيلو ونطلع للأسفلت واجري أوصلك بسرعه وخير إن شاء الله" فأجابه الممرض في تهكم وقد أعاد السائق تشغيل المحرك وانطلق "توصله أيه وخير أيه ده المفروض يكون ميت من ربع ساعة،أنا مستعجب لسه عايش لحد دلوقتي إزاي وواجع دماغنا أي أي لحد ما جبلنا صداع" .
طوال الطريق الذي استمر حوالي ساعة ونصف كان الواد العامل الحبيب المقروص مازال يتأوه ولا يتوقف بين الحين والأخر عن الصريخ بأعلى صوته وهو يقول "أه ه ه ه " حتى أنه قالها عشرات المرات بأعلى صوته كأنه قرصته حيه لكن الجميل في الموضوع والغريب والمدهش في نفس الوقت أنه ظل على قيد الحياه ولم يمت رغم مرور ما يقارب الساعتين وقد استقبله طبيب الطوارئ بمجرد أن وصلوا أخيراً للمستشفى وهو يسأل الممرض وفتحي يجيبه في قرف وزهق :
-         هو فيه أيه الراجل ده؟
-         قرصته طريشه ياسيدي
-         بقاله أد أيه كده؟
-         بقاله يجي ساعتين
-         ولسه مماتش غريبة
-         والله وأنا كمان مستغرب ياريته كان مات وارتحنا من صوت أمه الفقر
قبل أن يكمل فتحي جملته كان الطبيب بمساعدة الممرضة قد  كشفوا عن مدبولي البطانية والكوبيرته الملتف بهم وما أن خلعوها حتى تساقطت منها 10 عقارب سامة تتلوى في الأرض فصرخت الممرضة وجرت مزعورة واختفت في غرفة التمريض وفتحي يضحك كأنه يشاهد فيلم كارتون وهو يقول للواد المقروص "أه علشان كده بروح أمك كنت قاعد تقول أه طول الطريق وأتاريها العقارب هرياك ياعين أمك قرص،والله انت شكلك واد فقر من كله".
طبيب الطوارئ استمر في دهشته وهو يفرد اصبعي كفه الأيمن أسفل ذقنه متجاهلاً رخامة فتحي الممرض وقد عرى الواد الحبيب بلبوص كما خلقته أمه إلا من بوكسر قديم معفن ورأى لسعات العقارب في كل مكان في جسده وهو يقول واصابعه تعد عدد اللسعات "كيف مع قرصة الطريشة المميتة وحوالي 10 لأ 11 لسعه عقرب وبرضه الواد ده لسه عايش أنا مستغرب" فرد عليه فتحي باستهزاء "متستعجبش يا دكتور العمال عندنا بسبع أروح مبيموتوش".
بعد الفحص الكامل للمريض كان النهار قد أضاء الدنيا ومازال مدبولي المسهوك حي يرزق والدهشة الكاملة مستمرة على وجه الطيب ولم تفارقه خاصة بعد أن تأكد بكل شكل طبي أن العامل سليم ولا أثر في جسده لأي سم  ولا حتى سم عقرب ولولا أنه رأى بعينه لدغات العقارب الإحدى عشر لكان اتهم الممرض ومدبولي وحتى السائق بالكذب وادعاء الإصابة والإزعاج لكن كل الفحوصات أثبتت خلوه من هذا رغم اللسعات الملتهبة الواضحة أمامه الآن.
تخلى الطبيب عن كل ضوابط الإحترام وفط فجأه من كرسيه وكأن عقرب من العشر عقارب قد لدغته وهو يهلل ويصرخ "الله أكبر..الله أكبر..وجدتها..وجدتها" فارتعد الممرض فتحي لأول مرة في حياته وبان على وجهه الهلع وتخلى هو الأخر عن بروده ورخامته المعتادة وجرى هو والسائق معتقداً أن الطبيب يرتدي حزام ناسف لكنه أدركهم وهو يقول "ده اكتشاف علمي جديد" ونزل على الواد مدبولي المسهوك بوس وأحضان فنظر فتحي لزميله السائق وهو يقول له وقد عاد لبروده وبطء كلماته مرة أخرى "أنا مش عارف الدكتور ده ارهابي ولا شمال" ثم عادا له وفتحي يسأله "خير يادكتور طمنا الواد مدبولي هيعيش؟" فأجابه بكل حماسه وقد أقلع عن تقبيل الواد المقروص وقال "طبعاً هيعيش وبسببه اكتشفنا إن قرص العقارب بيوقف وبيشفي من سم الطريشة وده إعجاز علمي" فذهب فتحي مسرعاً لمدبولي المسهوك وأمسكه من ياقة القميص يخنقه ويقول في غيظ "بقى انت يا بن المحظوظة تكون سبب في اكتشاف علمي..انت يامعفن؟!!!!".
انقضى الموقف وعاش الواد مدبولي الحبيب المسهوك متفاخراً وملأ الدنيا ضجيج بأنه كان سبباً في الإكتشاف العلمي الفظيع ولم يتوقف عن الحب في أخر الليل في الصحراء بل استمر يتجول في اصرار في نفس الأماكن حول كرفانات إعاشة العاملين ولكنه كان يتجول وقد استبدل الشبشب أبو صباع بكوزلك ذا رقبة طويلة حتى الركبة ولبس أسفله 10 شربات سميكة حتى لا تستطيع طريشة جديدة أن تلتهم صباع قدمه الكبير مرة ثانية وكان دائم الإحتفاظ بعشر عقارب سامة في برطمانات زجاجية بغرفته كنوع من الإحتياط تحسباً لأي موقف مشابه وبذلك استغنى العاملين عن خدمات الممرض فتحي الرخم ونقل لمكان أخر وقام مدبولي هو بدور الممرض الجديد تخصص قرص طريشة يتفزلك بهم على باقي العمال والمؤسف أن مدبولي في النهاية لم يتزوج البنت المزة التي كان يغرقها بكلماته المسهوكة المعسولة وحين سأل عن سبب ذلك قال "كان وش أمها شوم عليا وبسببها كنت هموت"هكذا الرجالة يا ستات لا أمان لهم مثل الطريشة تمام.
وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق