الاثنين، 25 أغسطس 2014

السر وراء استبعاد المقاولون العرب من حفر قناة السويس الجديدة



أعد التقرير:وفقي فكري

شركة المقاولون العرب من كبريات الشركات العالمية وتحتل المرتبة رقم 83 دولياً طبقاً لتقرير مجلة ENR الأمريكية لعام 2013 من بين 250 شركة على مستوى العالم ، وتملك قوة بشرية تتعدى الـ70 ألف عامل وتنتشر في أكثر من 19 دولة إفريقية والعديد من الدول الأسيوية وبها أكثر من 11 ألف معدة متنوعة داخل مصر وخارجها بقيمة تبلغ حوالي 5 مليارات جنيه ولديها قطاعات متخصصة ومتنوعة في كل المجالات وتمتلك معهد متخصص للتدريب والتأهيل في كافة المجالات .

كل ذلك يطرح علامة تعجب حول أسباب إستبعاد شركة المقاولون العرب من حفر قناة السويس الجديدة ودفعت الجميع لطرح هذا السؤال على المسئولين لمعرفة السر وراء ذلك ومن خلال السطور التالية سنكشف النقاب عن الأسباب الحقيقية التي تفسر الموضوع .

لحظة الإنطلاقة

في يوم 5 أغسطس 2014 كان موعد الإنطلاقة لهذا المشروع حين أعطي الرئيس السيسي إشارة بدء حفر قناة السويس الجديدة من الإسماعيلية وقام بالتوقيع على وثيقة حفر 72 كيلومتر لإنشاء قناة جديدة موازية للقناة الجديدة لتسمح بالمرور المزدوج للسفن العملاقة في الإتجاهين مما يسهم في زيادة إيرادات قناة السويس إلى 259% من الدخل الحالي وقبل توجه الرئيس لشرق القناة لإعطاء شارة البدء عقد مؤتمر صحفي هام تحدث فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي عن المشروع الجديد وكان من أهم ما قيل في هذا الحديث أن مصر ستعتمد على سواعد مصرية خالصة في إنشاء 6 أنفاق تمر من أسفل قناة السويس بفرعيها القديم والجديد لربط شرق القناة بغربها ودعم التنمية المتوقعة بسيناء خاصة بعد إنشاء محافظة جديدة هى وسط سيناء ، 3 أنفاق بالإسماعيلية و3 أخرى ببورسعيد وأكد الرئيس على أن مصر تملك الخبرة في أن تنفذ تلك الأنفاق العملاقة بسواعد مصرية خالصة وذكر بالإسم شركتي المقاولون العرب وأوراسكوم وأشاد بخبرتهم في هذا المجال .

مفاجأة الإستبعاد من حفر القناة

حديث الرئيس السيسي في إحتفالية بدء الحفر وذكره لشركتي المقاولون العرب وأوراسكوم أعطى إنطباع على أنهما سيمثلان العامل الأساسي في عملية الحفر وأن الشركة ستحشد الآلاف من المعدات التابعة لها شرق القناة لبدء العمل خاصة وأن الرئيس أصر على أن تنتهي عملية الحفر خلال عام واحد فقط وهذا وقت قياسي يحتاج إلى شركات عملاقة ، وسيطرت حالة من الخوف في قطاع التشييد من استحواذ شركة المقاولون العرب على أعمال الحفر مما دفع شركات المقاولات الأخرى لمناشدة الرئيس بترك فرصة للشركات المتوسطة والصغيرة للمشاركة في المشروع ومنها ما قاله المهندس علاء البسيوني الأمين العام لشعبة الإستثمار العقاري  " أنه لا يجب إسناد الجزء الأكبر من المشروع لشركة المقاولون العرب وإعطاء فرصة للشركات الأخرى" .

 ولكن كانت المفاجأة ، في 11 أغسطس أعلن اللواء كمال الوزيري رئيس أركان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أنه تم إستبعاد الشركات العملاقة مثل المقاولون العرب وحسن علام ، وشملت القائمة أسماء 8 شركات أخرى تم اسبتعادها من أعمال الحفر ، وأشار رئيس الهيئة الهندسية إلى أن أغلب الشركات العاملة بالمشروع تم اختيارها من الشركات المتوسطة لضمان تفرغها للمشروع واشترط على هذه الشركات قبول تشغيل أصحاب اللوادر وسيارات النقل غير القادرين على التعاقد المباشر مع الهيئة.

لماذا اُستبعدت المقاولون العرب من الحفر

من خلال كلمة الرئيس السيسي وتصريحات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المشرفة على المشروع بدأت الصورة تكتمل والهدف من المشروع يظهر جلياً لنا ، فالهدف لم يكن حفر قناة جديدة وفقط ولكن كانت هناك أهداف أخرى أهمها تنشيط وإنعاش سوق المقاولات من خلال إفساح المجال وإعطاء الفرصة للشركات المتوسطة والصغيرة والأفراد للمشاركة في عملية الحفر وهو العامل الأساسي من وراء القرار مما ينشط سوق العمل وتشغيل الشباب والعمالة ومساعدتهم على إيجاد فرصة عمل جيدة في مشروع قومي عملاق مثل هذا.

في الحقيقة إن مشروع محور قناة السويس يشمل عدة مراحل ومشروعات كبرى تبدأ بالحفر مروراً بإنشاء 6 أنفاق عملاقة أسفل القناة وشبكة طرق وعدد من المواني اللوجيسية التي تخدم مجال الملاحة البحرية ثم إنشاء مشروعات إستثمارية وفندقية أخرى تتعلق بذات النشاط وتحول قناة السويس إلى أهم محور ملاحي ناقل للتجارة العالمية على مستوى العالمي ، وبذلك فإن إطلاق لفظ إستبعاد غير دقيق ، فالدولة تقدر دور المقاولون العرب وتعلم أن وجودها هام ولكنها أفسحت مجال للشركات الصغيرة وأفردت لها أعمالاً أخرى هامة .

الإعلان عن تنفيذ 6 أنفاق بأيدي مصرية

كما قلنا فإن مشروع محور قناة السويس شمل عدة محاور ومراحل هامة بدأت بالمرحلة الأولى وهى حفر قناة السويس الجديدة وهذه المرحلة تحتوى على مستويان ؛ الأول وهو عملية الحفر على الناشف وهذا الذي يتم الآن ولا يحتاج إلى شركات كبرى أو معدات عملاقة وإنما يحتاج إلى التكثيف من حيث العمالة والمعدات التقليدية والمركبات سواء كانت مملوكة لشركات متوسطة أو صغرى أو حتى أفراد ، والمستوى الثاني سيحتاج إلى عمليات للحفر المائي والتعميق المائي وغيرها من الأعمال البحرية وهذا سيحتاج إلى شركات متخصصة على رأسها المقاولون العرب حيث تمتلك ترسانتين بحريتين واحدة في حي المعصرة بالقاهرة والأخرى بالإسماعيلية وتملك الكراكات المائية والخبرات في هذا المجال ، وهذا بالفعل ما صرح به المهندس محسن صلاح رئيس مجلس إدارة الشركة من أن الشركة تدرس الدخول في المرحلة الثانية من عملية الحفر.

وتمر مراحل تنفيذ محور قناة السويس بمراحل متزامنة أخرى أهمها عملية إنشاء 6 أنفاق جديدة –كما ذكرنا فيما سبق – تمر أسفل قناة السويس يتم إنشائها بالتوازي مع عمليات الحفر الجديدة ، وقد أعلنت قيادة شركة المقاولون العرب بدء إعداد الدراسات التخطيطية المشتركة بينها وبين حلفيها المتمثل في شركة أوراسكوم وأن كافة الدراسات المطلوبة ستنتهي مطلع شهر أكتوبر القادم على أن يبدأ التنفيذ فوراً .

لماذا المقاولون العرب وأوراسكوم لإنشاء الأنفاق

في مطلع الأسبوع الثالث من شهر أغسطس الجاري أعلنت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المشرفة على المشروع أنه تم تشكيل لجنة فنية للإشراف على حفر الأنفاق تضم في عضويتها ممثل القوات المسلحة وممثل الهيئة القومية للأنفاق والمهندس هاني عازر مستشار مجلس الوزراء للأنفاق وشركة المقاولون العرب باتحادها مع شركة أوراسكوم لتنفيذ أعمال حفر أنفاق القناة الجديدة  وأعلن رئيس أركان الهيئة عن أنه يتم التفاوض مع شركتي المقاولون العرب وأوراسكوم مفاده قيام القوات المسلحة باستيراد ماكينات الحفر لهما من أكبر الشركات المصنعة في العالم لإتمام عملية حفر النفق بشركات مصرية 100%. ، وبالتأكيد فإن ذلك يأتي لسابق خبرة هذا التحالف في استيراد مثل تلك المعدات العملاقة وعلاقاتها الخارجية المتشعبة مع الشركات المصنعة لها.

ولكن لماذا إختيار شركتي المقاولون العرب وأوراسكوم لإنشاء تلك الأنفاق ؟.

بالتأكيد هناك أسباب كثيرة منها :

-         خبرة التحالف السابقة في أعمال الأنفاق ، فالمقاولون العرب وأوراسكوم هما الحليف المصري المشارك مع شركة فينسي الفرنسية في إنشاء الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة بمرحلتيه الأولى والثانية وينافس على المرحلة الرابع بواقع 50% للشركة الفرنسية و30% للمقاولون العرب و20% لأوراسكوم وقبلها مشاركتها في الخط الثاني والأول .

-         الخبرات الفنية الكبيرة في مجال الأنفاق ، واطلاعها على أحدث الأساليب في التنفيذ من خلال نقل الخبرات العالمية عبر الشريك الأوروبي ومنها على سبيل المثال ماذكره لنا أحد المهندسين بمشروع إنشاء المرحلة الثانية من الخط الثالث لمترو الأنفاق حين سرد استخدام أحدث التكنولوجيات المتقدمة في التغلب على المعوقات المفاجأه أثناء التنفيذ ، حيث حكى أنه أثناء مباشرة أعمال الحفر بميدان باب الشعرية بالقاهرة تصادف وجود أنفاق ومرافق قديمة لم تكن في الحسبان مما أحدث معه إنهيار لجوانب الحفر على ماكينة الحفر واستحالة إخراجها أو استكمال الحفر وهذا ما استوجب إدخال تكنولوجيا تستخدم لأول مرة في الشرق الأوسط وتمثلت في زرع مواسير خاصة من خلال التربة المحيطة بالحفار وتمرير غاز معين خلال تلك المواسير يؤدي إلى تجميد التربة تماماً وسحب ماكينة الحفر واستكمال الحفر .

-         سابقة أعمال المقاولون العرب في تنفيذ أنفاق سابقة منها نفق الشهيد عبدالمنعم رياض وأنفاق الأزهر والعروبة والثورة والجلاء .

 ضخامة مشروع الأنفاق

يقول المهندس محسن صلاح رئيس مجلس إدارة المقاولون العرب أن المشروع يعد ضخماً للغاية، فحفر نفق واحد يعد مشروعاً مستقلاً ومتكاملاً للشركة بما يعنى أن الشركة ستساهم بـ 6 مشروعات متوازية في وقت واحد حيث يصل عمق النفق الواحد 48 متر من سطح الأرض وطوله 3187متر ومداخل ومخارج بطول364 متر وقطره الداخلي 10.80 متر ويضم حارتين مرورتين بعرض 3.75 للحارة الواحدة بينما يصل عمق نفق القطارات إلي 80 متر من سطح الأرض وطوله 6705 متر ومداخل ومخارج بطول 960 متر بالإضافة إلي5 بيارات خاصة بالتهوية مؤكداً أن الشركة ستقوم بأعمال الجسات لحين وصول ماكينات الحفرالعملاقة ليبدأ العمل علي مدار الساعة وفقاً للمواصفات العالمية في بناء الأنفاق ، وهذا الشرح يمثل أسباب إختيار تحالف المقاولون العرب وأوراسكوم لتنفيذ الأنفاق وأبعادها عن مرحلة حفر القناة الجديدة ويضيف عنصر أخر للعوامل التي تدعم موقف المقاولون العرب ودوره في محور قناة السويس الجديد .

مشاركة المقاولون العرب في المشروع القومي للطرق

لقد أطلق الرئيس السيسي مشروعاً متكاملاً للعودة بمصر إلى قلب العالم الحديث منها ما ذكرنا في السطور السابقة وأحد محاورها الهامة المشروع القومي للطرق ، ففي منتصف شهر أغسطس الجاري أعلن مجلس الوزراء برئاسة المهندس إبراهيم محلب عن التعاقد مع 9 معها بالأمر المباشر لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع القومى للطرق الخاص ببرنامج الرئيس عبد الفتاح السيسى التى تشمل 15 طريقا بأطوال 1300 كم وتكلفة إجمالية تصل إلى 17 مليار جنيه.
وتشمل هذه الشركات:" المقاولون العرب، وحسن علام، والنيل للطرق والكبارى، والنيل لإنشاء الطرق، وشركة الطرق الصحراوى، وهذه شركات قطاع عام، بعضها تابع لوزارة الإسكان والآخر تابع لوزارة النقل، بالإضافة إلى شركة أوراسكوم، وشركة الأمل للإنشاء والتعمير، وشركة الفاروق، وشركة مراسم للمقاولات المتحالفة مع مجموعة بن لادن". وأعلن بعدها رئيس شركة المقاولون العرب عن تفاوض الشركة على حصتها في المشروع القومي للطرق وأنها حصلت بالفعل على 600 كيلومتر طرق وأن الشركة ربما تزيد حصتها عن ذلك وأهم ما يمكن ذكره في ريادة المقاولون العرب في إنشاء الطرق هو ما أعلنت عنه وزارة البيئة في بداية شهر يوليو من العام الجاري بتوقيعها إتفاقية تعاون بينها وبين الشركة لإستخدام تراب الباي باص الناتج عن صناعة الأسمنت في رصف الطرق مما يعد مساهمة إيجابية لها في مجال إعادة التدوير والحفاظ على البيئة من التلوث الناتج عن هذا التراب المضر بالبيئة . .

إن مشاركة المقاولون العرب في محور قناة السويس أساسي وهام وما ذكر من استبعادها من المشاركة في المشروع غير صحيح فالشركة تخلت ومعها الشركات الكبرى الأخرى عن المشاركة في المرحلة الأولى من الحفر بناءً على رؤية ثاقبة من رئاسة الجمهورية والحكومة لإنعاش سوق المقاولات للشركات المتوسطة والصغيرة وتشغيل الشباب والقضاء على البطالة وأسندت لها المشروعات العملاقة المتوازية والتي لا يمكن أن يقوم بتنفيذها إلا شركات كبرى تمتلك خبرات كبيرة ومعدات عملاقة لتنفيذ مشروعات الأنفاق والحفر المائي والآلاف من الكيلومترات من الطرق وبالتأكيد سيكون لها دور أساسي في إنشاء المواني اللوجيسية والنوعية التي ستخدم المحور لما لها من سابقة خبرة كبيرة في أعمال المواني والأرصفة البحرية وصيانة السفن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق