الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

الفجور امرأة


شعر بوجع رهيب،خزي أصعب مليون مرة من أي فضيحة،صدمة لم يستوعبها عقله بشكل كامل وهو يسمع أخيها الذي لا يعلم بزواجهما وهو يخبره رداً على سؤاله بأن أخته الآن في الساحل الشمالي تصيف مع زوجها وابنيها.
لم تكن تلك الصدمة الأولى أو الأخيرة بل توالت الصدمات تباعاً حتى أن الصدمة الأقوى كانت حين ضبطها صدفة في أحد الشوارع الجانبية تستقل سيارة زميل لها بالعمل وهما في حالة غرام وهيام كامل: من تلك زوجتي؟!!..لالا ليست هى،يقترب يحرك عينيه يمينا ويساراً،يرفع كفه فيفركها حتى يستوضح المنظر ويستوعبه: نعم إنها زوجتي..ماذا تفعل!!..إنها تخونني جهاراً نهاراً مع آخر،دق على زجاج السيارة المغلق بعصبية فشعروا بوجوده واضطربوا وفي لحظة واحدة طارت السيارة من أمام عينيه واختفت ولكنه رآها وتسمرت قدماه في الأرض من شدة الذهول.
المرة الأولى عرف أنها مع زوجها في الساحل الشمالي والمرة الثانية ضبطها مع عشيق تخونه معه في سيارة ملاكي،دارت الدنيا حوله بشكل كامل وكأن قضبي الكرة الأرضية قد تلامسا ثم افترقا فجأة فوقع على الأرض يبكي رجولته،يسأل نفسه كيف وقع في براثنها وكيف شدته بجمالها وأنوثتها وأصبح الآن ضحية فاجرة تطير فوق الحدائق وتلتقط من كل بستان أقوى الرجال ذكورة وعنفواناً فتمتص منه شهوتها ثم تطير حين يكتشف أنها نصبت عليه في الحب وأنه لم يكن الأول ولن يكون الأخير عندها.
بدأت القصة حين كان هو يعمل سائق على سيارة بشركة معروفة ويبلغ من العمر 39 عاماً وهى أيضاً بنفس الشركة تعمل أخصائية مالية واكبر منه بعامين وكانت مهمته توصيلها منفردة لبيتها والعكس كل يوم ومن هنا تعرف عليها ودار بينهما حديث عادي عرف منه أنها مطلقة ولديها من زوجها ولدين ثم تطور الحوار إلى تقارب فعلاقة محرمة ثم اتفاق على الزواج في النهاية.
جاء يوم الزواج والإشهار في أحد المساجد وحضر المأذون وتأنق هو بأجمل الثياب ليوم عقد قرانه وحضرالمأذون وجاء الشهود وبعض الأهل والأحباب ولكن العروسة تأخرت في الحضور ساعتين ثم جاءت وقد أعلنت أنها لم تستطيع أن تحضر قسيمة طلاقها من زوجها الأول لأن أخيها استولى عليها ومنعها من النزول واستشارا المأذون فقال: إذاً نشهر الزواج فقط مؤقتاً حلاً للأزمة لحين إحضار القسيمة لاحقاً والحضور للمكتب وتوثيق عقد الزواج ولأن العريس كان قد حجز مسبقا لبعد يوم الإشهار لحفل الزواج في دار الأسلحة والزخيرة فلم يجد بداً من إتمام حفل الزواج والدخول بها على وعد منها بإحضار قسيمة الطلاق فيما بعد والذهاب للمأذون لتوثيق الزواج.
مرت الشهور والزوج يلح على زوجته لإحضار القسيمة أو مستخرج رسمي من أي جهة لتوثيق الزواج ولكنها كانت دائماً تتهرب منه بألف حجة،حملت منه ومازالت تماطل في إحضار القسيمة،شعر الزوج بالشك فتملكته العصبية وتعدى عليها بالضرب حين احتدا في النقاش حول الأمر فطلقها طلقة وذهبت هى لبيت أمها التي كانت الوحيدة التي علمت بقصة زواجهما،ثم ردها وعادت لبضع أسابيع وهى مازالت تماطل في الأمر فلم يتماسك نفسه وللمرة الثانية تعدى عليها بالضرب وطلقها الطلقة الثانية ولكن المرة الثانية تلك لم يكن هو السبب الأساسي في الخناقة بل هى التي اخترعت قصة تعرفه على أنثى أخرى على الفيس بوك واتهمته بخيانتها وكان لهذا هدف رئيسي وهو أن تجهض حملها بعيداُ عنه وغادرت لبيت أمها للمرة الثانية ولكن تلك المرة لم ترجع لشهور .
بعد شهور فرح الزوج كثيراُ حين رآها تنشر على صفحتها الوهمية على الفيس بوك أنها وضعت طفلين توأم فطار من السعادة وذهب ليرى طفليه ويرجعها للبيت ولأن أخيها لم يكن يعرف أنها متزوجه منه ذهب بحجة سؤاله عن زميلته التي غابت عن العمل منذ فترة للإطمئنان عنها وكانت المفاجأة التي قالها أخيها،قال أنها في الساحل الشمالي تصيف مع زوجها وولديها.
درات به الدنيا حين علم أنها لم تطلق من الأساس من والد ابنيها أو أنه طلقها ثم راجعها وأن زواجهما محرم بالإضافة إلى أنه غير موثق وأنه كان فقط مجرد هدف للمتعة بالشكل الذي يريح قلبه بعد علاقة محرمة دامت بينهما سنين.
حدثها هاتفيا وهو في غاية الغضب فنفت كل شئ وعادت إليه مسرعة متحججة بأنها كانت بمأمورية لعدة اسابيع من قبل العمل وذهبت معه لمشيخة الأزهر قبل انقضاء العدة الشرعية وردها هناك من طلقته الثانية وعادت معه لعش الزوجية وصارت تلاعبه وتلاطفه فأنسته بسحر أنوثتها الطاغية كل شئ أو يقين داخل قلبه فقد كانت في غاية الحرفية والمهارة في لعب دور الزوجة المحبة الرومانسية وأتمت خدعتها بمعاشرته بأفضل ما يحب ويرغب من متعة كاملة فنام في حضنها كطفل برئ قد فقد ذاكرته أو ذهب عقله إلا من حبها المتيم به ولكنها بعد ذلك غادرت بيته ورفضت أن تقيم معه إلا بعد أن يخصص لها شقة أخرى بمدينة نصر بعيداً عن حيه الشعبي المتواضع فوافق وصارت تأتي إليه كل يومين تقضي معه المتعة ثم تغادر كالغرباء كوضع مؤقت لحين تدبير أموره في أمر الشقة الجديدة.
وهو سائر في أحد الأيام بأحد الشوارع الجانبية بالقرب من مقر عملها شاهدها تجلس بجوار أحد زملائها بالعمل في سيارته الملاكي تداعبه في موقف رومانسي كامل فطار عقله وجرى يدق على الزجاج المغلق وما أن رآه حتى اختفت السيارة في لمحة عين من أمامه وبعد أيام اتصل بها بعد أن فتحت هاتفها المغلق فقالت له: ماذا تريدني أن أفعل وأنا متأكده أنك لا ترغب في إكمال زواجنا فاجهضت حملي حتى لا يكون بيني وبينك أطفال يعذبون وكان زميلي هذا عاملاً مساعداً لأنسى حبك به.
أي فجور وأي وقاحة تلك يا امرأة؟!!!!!..كيف لا أستطيع أن أواجهك أو أكذب حججك الواهية وأنا رأيت بأم عيني كل شئ يحدث أمامي،زوجتي لم تطلق من والد ابنيها من الأساس واستطاعت ببراعة أن تمنع توثيق زواجنا بل ولم تجد أي حرج أو تأنيب ضمير وهى ترتدي فستان الفرح الأبيض وتقضي معي ليلة عرس رائع أمام كل الناس بل وايضاً تواجهني بخيانتي مع زميل عملها جهاراً نهاراً وأنا عاجز عن اتخاذ أي إجراء ضدها..من أنا وماذا أفعل وقد أيقنت أنها أمرأة لعوب فاجرة تلعب بالرجال مثلما يلهو أحدهم في صالات القمار وهو مخمور بلا أدنى خوف أو مسئولية.
ماذا أفعل مع تلك المرأة حتى أرحم المجتمع من شرها وبجاحتها اللامتناهية في الفجور والسفور،هل اقتلها وافقد مستقبلي بسببها أم أكشف كل الأمر لأخيها وبقية أهلها وأفضحها في كل مكان،أم أتقدم ببلاغ للشرطة ليتم القبض عليها واخلص البشرية من شرها؟؟؟.
افتوني بالله عليكم فأنا في حيرة من أمري.
توقيع: زوج مصدوم حائر. 

وفقي فكري

الأحد، 26 فبراير 2017

الإضراب..إذاً الملعقة في الشراب


كان حال  شباب جامعة القاهرة في ساعة متأخرة من ليل المدينة الجامعية خلال عام دراسي روتيني حال بائس وقد أطل الزمن على جميع الطلبة بكامل عددهم داخل غرفهم يذاكرون الساعات الحاسمة قبل آداء امتحانات نهاية العام الدراسي وكان هذا أيضاً حال الشاب الفلاح الذي جلس بغرفته مثل قرناءه بالفانلة الحمالات البيضاء "المقيحة" بجوار شباك غرفته يلتمس هفوة ريح بارد في ليلة صيفية ذات حرارة ورطوبة عاصفة وهو يقلب أوراق أحد الكتب يحدث بها صوتاً يكسر به أجواء مباني المدينة الجامعية الصامتة التي في العادة لا تهدأ أبداً من الضجيج والهرج والمرج ولكن حال ليالي الإمتحانات هكذا يقلب الصايع مصلي والمتحزلق الفزلوك متواضع هادئ رزين.
الملل هو أكثر شئ يسيطر على كل الطلبة داخل الغرف وعلى بطلنا الذي يتمرد في تلك اللحظة على ملله السحيق بالإسئناس بصوت قادم من بعيد من أحد الغرف المغلقة التي يجتمع بها طلبة فاشلون "صيع" لا يلقون لليالي الإمتحان بالاً وينشغلون كعادتهم بما لذ وطاب من لهو وقفشات ضاحكة ومشروبات لا أسمعكم الله بها من إسماً ولا وصفاً ودخان سجائرهم المحشوة يعبأ محيط الغرفة التي ينحشر فيها أعضاء الشلة في مساحة لا تتعدي 6 متر مسطح يجتمعون فيها كل ليلة كمقر لهم مثل علبة سردين رخيصة الثمن فوق بعضهم البعض يتبادلون قصص تعليق ومصاحبة بنات الجامعة المزز وأساطير سحر كل منهم عن رفيقه ويتنافسون في إفيهات النكات الجديدة "لانج" التي يتلاقفونها مثلما يتلاقفون رغيف ساخن بين رهط جائع وهم يُخمسّون في أنصاف خوابير البانجو "أبو بزر" والحشيش المخلوط بالحناء  .
الشاب الفلاح يسمع الصوت من بعيد كوميض لإغراء أنثى جميلة تتلاعب أمامه في دلع لكن هاجس الخوف من الإمتحان وخوفه كذلك من تريقة تلك الشلة "الجاحدة" عليه يمنعه حتى من مجرد التفكير في المرور من أمام غرفتهم ولو حتى بحجة الذهاب للحمام لغسل كوب الشاي وعمل دور جديد من مشروب ساخن آخر يلهي به نفسه ويضيع في إعداده بضع دقائق تقتل سنين الجلوس على مكتب المذاكرة العقيم.
فجأة سمع الفلاح ضجيج يتصاعد بالطرقات الخارجية للغرف السكنية ولا أحد يعلم ماذا يحدث فوجدها فرصة للخروج واستطلاع الأمر فأسرع بإمساك بكوب الينسون الملتهب وطل من باب غرفته ينظر فرأى شباباً يصيحون : لن نسكت كيف يحدث هذا..كيف يضربون دولة عربية هكذا ونحن صامتون، اتجه الطالب الفلاح نحو التجمع وقبل أن يسأل لاحظ أن غرفة شلة الأنس المسطولة على وضعها لم يخرج منها أحداً لمعرفة الأمر وكأنهم سكارى لا يشعرون بما يحدث حولهم،فتردد أن يطرق عليهم الباب أو يمضي للجمع ويشاركهم ما يحدث وآثر في النهاية أن يذهب ويسأل عما يحدث وسمع:
-         كيف تضرب أمريكا العراق..أين الدول العربية؟!!.
-         ياعم دول عربية أيه..إنت مش من هنا ولاّ عايش في كوكب تاني؟!!!
-         لن نسكت إن كان الحكام خانعون فنحن الشباب سنتحرك..هيا ياشباب نتجمع أسفل المباني وننطلق لتنظيم مظاهرة كبيرة حتى يسمع العالم رفضنا لما يحدث من تدمير للعراق.
كان الغضب يظهر عارماً بين الشباب والطالب الفلاح يتابع هذا الحديث العشوائي بينهم البعض والحماسة انتقلت لقلب بطلنا كذلك فعاد لغرفته مسرعاً وألقى بكوب الينسون ونصه كان لايزال ممتلئاً وارتدى قميصه وبنطاله وهبط بسرعه للأسفل فوجد تجمع رهيب من طلبة المدينة الجامعية قد يقارب ستة آلاف أو أكثر قد نزل من كل المباني السكنية يملأ الحدائق والفراغات وها قد بدء الهتاف: "بالروح والدم نفديك ياعراق..بالروح بالدم نفديك ياعراق" في تلك اللحظة فقط شعر أعضاء شلة الأنس بالدراما الوطنية التي تحدث على أرض المدينة الجامعية بجامعة القاهرة ففتح أحدهم شباك علبة السردين وبفمه خابوراً ملفوفاً وما أن فتحه حتى هبت سحب ممطرة من دخان أزرق على أرض المعركة بالأسفل ولولا أن المسافة بين الشباك وأرض النضال كبيرة لسطلت كل المقاتلين وتحول الهتاف : "الحرية الحرية لإخوانا المحششتية..الحرية الحرية لأنصار البانجو والكيميا والإستيلا الجهنمية".
في لحظات قليلة نزلت الشلة المسطولة للتجمهر المهيب واندمجوا بسجائرهم المحشية بما لذ وطاب من مغيبات وعي وسط الجمع وتحرك الركب نحو البوابة الرئيسية للمدينة الجامعية المطلة على شارع ثروت ولم يستطع الأمن بقلته أن يمنع آلاف الطلبة المتحمسين الغاضبين فتركوهم يخرجون في اتجاه السفارة الإسرائيلية بميدان النهضة المقابل لكوبري الجامعة واكتفى الحرس بالإبلاغ لاسلكياً لفيالق الأمن الأخرى المتمركزة أمام كوبري الجامعة للإستعداد وكان أبرز ثلاثة من أعضاء شلة الأنس سائرين بين الثورجية لكل منهم مصلحة لا علاقة لها بحقيقة الوضع المحتقن فعلياً بين الشباب الثائر: أحدهم اندمج بشدة في تمثيل دور الشاب السياسي رمز الكفاح فحملوه على الأعناق،بيمناه يسحب نفساً عميقاً من سيجارته المتكلفة وباليسرى يشير بحركات مؤازرة لهتافه يهتف ضد أمريكا والباقون يرددون أما الإثنين الأخرين فقد لفحهم الهواء العليل بنسماته ومع دخانهم الأزرق طلبت الحالة الضحك المزمن فاستجابوا لها وهم يهتفون بين الجمع.
بعد ثلاثة ساعات من الإنتفاضة الشماء استطاع الأمن عبر الحوار أن يعيد الطلبة داخل أسوار المدينة الجامعية مرة ثانية واختفى الثلاثة وقيل أن من كان يهتف تقمص دور عادل إمام في فيلم السفارة في العمارة وأعجب بمزة فاتنة كانت تهتف بحماسة خلفة مباشرة ونزل من على الأكتاف ولم يشاهد إلا ثاني يوم نائماً في غرفته أما الإثنان الآخران فقد قال شهود عيان نسجوا حولهم أسطورة مفادها أنهم نزلوا من جوار كوبري الجامعة متسللين من بين قوات الأمن واتجهوا لنهر النيل وهم يضحكون بهستيرية ويهتفون "مشربتش من نيلها..طب جربت تغنيلها؟" رغم أن الأغنية لم تكن ظهرت بعد ولكن يبدو أن هاتف روحاني أوحى لهم بتلك الكلمات الوطنية الرقيقة ويقال أن فرق الإنقاذ النهري أخرجتهم في أخر لحظة قبل غرقهم وهم يشربون من نيلها بالمنطقة المجاورة لمحطة الأتوبيس النهري.
الأساطير التي حيكت حول بطولات الثلاثة المساطيل لم تهم الطالب الفلاح على قدر ما ألهبه حماس الميثاق والعهد الذي أخذه آلاف الطلبة بعدما حبسوا داخل سور المدينة في ساعة متأخرة من تلك الليلة بالإضراب عن الطعام حتى تخرج أمريكا من العراق وكأن العالم سيفرق معه إضراب طلبة المدينة الجامعية وتفرق معهم على هذا العهد للنوم وصبح الصباح وعلمت القنوات الفضائية والجرائد القومية والمعارضة بالإضراب وحضر جميع مندوبي كل تلك الجهات للمطعم الضخم بالمدينة حتى يصوروا الإضراب ويكتبوا مقالات في سخونة الطعام الذي ينتظر من يأكله،وبالفعل مرت فترة الصباح المخصصة للإفطار بدون دخول طالب واحد لتناول الوجبة الإصطباحية فزادت حماسة الصحفيين والإعلاميين وطلبوا المزيد من الكاميرات ومندوبي الصحف لتغطية الحدث الوطني الهائل حتى جاء وقت الغداء واحتم الحدث الرئيسي أمام الجميع،وفي أول الدقائق ثبت الجمع على موقفه وتبقى من الوقت المسموح فيه بتناول الوجبة أكثر من ثلاث ساعات والصمت الرهيب يخيم على أجواء المطعم الكبير إلا من الإعلامين الذي انشغلوا بتصوير فضاء المطعم بلا مريدين.
الشاب الفلاح اجتمع في الغرفة المخصصة لشلة الفلاحين أمثاله يشدون من أزر بعضهم البعض أمام الجوع الذي بدء يضرب أمعاء الجميع ولكن الكل يأبى إلا أن يكمل في إلتزامه بميثاق وعهد كافة الطلبة بالمدينة الجامعية،ثم كيف يأتي للشاب منا شهية لتناول طعام ساخن لذيذ وإخواننا في العراق منذ أمس يدكون دكاً بمدافع وطائرات العدو الأمريكي؟!!!،أخيراً قرقعة البطون أصبح لها دوي يماثل دوي مدافع أمريكا ومع التركيز في المذاكرة استهلك العقل كل جزء من طاقة داخل الجسم ولم يعد يتبقى للشاب الفلاح سبيلاً إلا تلبية نداء الجوع وإغاثته ولكن كيف والجميع يترقب الجميع؟؟!!.
أخيراً جاءت الفكرة وتحجج الخروج لشارع المكتبات وتصوير ملزمة مهمة في الإمتحان القادم وفي لحظة غفلة بعد أن ارتدى ملابسه استعداداً للخروج تحرك الفلاح لدرج المكتب الذي به ملعقة الطعام الإستانلس وأخرجها وفي برهة دسها أسفل قميصه مابين الفانلة المقيحة والقميص واختلق حاجته الذهاب للحمام وفي الخلاء أخرج الملعقة ووضعها في شرابه كفدائي من منطقة القنال يأجج ساقه بالقنابل المحمولة مستعداً لتنفيذ العمليات الإنتحارية ضد العدو ثم نزل وفي قرارة نفسه أن يختلس الخطوات ناحية المطعم فيتناول وجبة الغداء دون أن يشعر أحد ثم يعود لغرفة الشلة مدعياً تضامنه مع الموقف الطلابي ولم يكن يعلم بما يعج به المطعم من كاميرات وصحفيين.
دخل الطالب الفلاح من باب خلفي للمطعم بعد أن عقد مناورة ميدانية في المحيط الخارجي الهادئ جداً على غير عادته وفوجئ بالمصيبة بمجرد دخوله،مئات الطلبة يزدحمون على طاولات تناول الطعام وكلهم تقريبا متسللون من الباب الخلفي وقد انحنى كل منهم للأسفل يخرج الملعقة الإستانلس من دكة شرابه فدهش الفلاح أيمُا دهشة ليس من تسلل كل هؤلاء الطلبة للمطعم وإسقاطهم الإضراب الجماعي ولكن من فكرة دس الملعقة الإستانلس في الشراب التي تخاطرت لهم جميعاً دون اتفاق في نفس اللحظة وبنفس الأسلوب وكأن جنياً سُفلياً قد همس لهم بذلك،فجلس ساخراً وهو يرى الإعلاميين يلملمون أجهزتهم وكاميراتهم في دهشة ويغادرون ويرى أصدقاءه الواحد تلو الأخر بما فيهم أعضاء شلة الأنس يدخلون لتناول وجبة الغداء وقد اختفى هتاف الحرية للعراق واستبدل بهتاف البطون تقول: الحي أبقى من الميت.
يقال أنه منذ ذلك اليوم أصبح وضع طلبة المدينة الجامعية بجامعة القاهرة للملاعق الإستانلس في دكة الشراب رمزاً لمقاومة الفكر الإستبدادي من قبل القوى العظمى لدول العالم الثالث كما يقال أن تلك الفكرة القومية الرائعة انتقلت فيما بعد ذلك اليوم لمدن جامعية أخرى بالأقاليم في الدلتا والصعيد تضامناً مع روعة الحركة خاصة مع تلك المدن الجامعية التي يبعد مطعمها عن الغرف السكنية بمسافة حوالي نص كيلو متر ويقترب أكثر من قاعات المحاضرات الجامعية.
 .
.
إلى لقاء في يوم جديد من يوميات فلاح تحت القبة...
وفقي فكري

الثلاثاء، 17 يناير 2017

قرد محمود ياسين



"يلا ياهاني هنتأخر على الناس" بتلك الجملة استقر الأمر وأصبح القدر محتوماً بأن هاني صديق العريس المنتظر هو من سيذهب بمرافقته لأولى الزيارات لبيت العروسة للتعرف عليهم والتمهيد لطلب يدها فيما بعد بشكل رسمي.
تلك الزيارة الأولى هى في العرف اللقاء التمهيدي أو التحضيري لما سيسبق الزيارة الرسمية لأهل العوسة،مثله مثل اجتماع ممثلي الجهات الدبلوماسية المعنيين بحضور الإجتماع التنسيقي لتجهيز الأجندة النهائية للمؤتمرات التي يحضرها الملوك والأمراء،وفي تلك الزيارة تسليط الأضواء كلها من قبل أهل العروسة تكون على نافوخ عريس المستقبل المنتظر وكأنه قميص نوم حريمي مثير وضع في فاترينه عرض في ميدان عام لذا كان العريس متوتراً أيما توتر وهو يرافق صديقة هاني لبيت العروسة للتشاور وتحديد موعد حضور الأهل.
هاني هذا هو أحد أصدقاء العريس وأشجعهم فهو الوحيد الذي وافق على مرافقته من بين حوالي خمس أو ست أصدقاء كلهم وضعوا الببرونات في أفواهم وقالوا بكل بساطة نحن عيال ورغم أن هاني أقصرهم قامة وذو وجه طفولي ورغم أن مثل تلك المواقف تحتاج دائماً لوجود رجل ذو شنب أو كرش أو أصلع أو ذو قامة طويلة ممتلئة تبعث على الهيبة بين وفد الزيارة إلا أن العريس اكتفى به ممثلاً للحديث عنه أمام أهل العروسة على اعتبار أن العريس لابد أن يظهر الكسوف والهدوء ويترك المجال لمرافقه للصولان والجولان والتغني بمميزات العريس وصفاته الحميدة.
حين دخل الصديقان لبيت العروسة في نهاية رحلة انتقال قصيرة داخل شوارع القاهرة وجدوا البيت ممتلئ عن آخره بالبني آدمين في شوق لظهور المهدي المنتظر وكانت النساء تمثلن ثلاثة أرباع الموجودين أما الرجال فكانوا قلة كعادة هذا الزمن وكانت العروسة التي كان يربطها بالعريس علاقة حب أفلاطوني قد أوحت للجميع قبلاً وخاصة لأمها وخالتها الجالستين في مواجهة الصديقان بأن العريس يشبه الفنان محمود ياسين ولكن حين تفحصت أم العروسة الشابين لم ترى بينهم محمود ياسين فمالت على ابنتها وسألتها في حيرة "فين محمود ياسين يا بت" فردت العروسة وهى تسبل للعريس " ده يا ماما" وقالت الخالة التي دخلت في الحوار بعد أن مصمصت شفتيها "ده يابت شبه قرد محمود ياسين..خليكي ناصحة وخدي الواد الأمور اللي جاي معاه أهو يشبه هاني شاكر" وأعقبت جملتها بجملة أخرى في سرها "القرد في عين أمه غزال..يا أختي مراية الحب عامية".
تنحنح خال العروسة مثل مقرئ يسلك حنجرته لبدء تلاوة آيات الذكر الحكيم في مأتم بمنطقة شعبية ولأنه لعب دور ولي أمر العروسة لوفاة والدها منذ طفولتها فقد قطعت نحنحته أصوات رغي الحريم الجانبي وانتبهوا لما هو قادم ونظر للعريس وصديقه وقال فاتحا المجال للحديث "منورين يا ولاد" فرد هاني في ابتسامة مصطنعة "بنورك ياعمي" والعريس عاقد ذراعيه أمام صدره وهائم في عد بلاطات أرضية الغرفة ويبدو أنه لن ينتهي منها قبل يوم القيامة فأراد الخال أن يسترعي انتباهه ونظر للعريس وسأله" وانت دارس أيه يا ابني" فرد الصديق كأنه محاميه وقال والإبتسامة المصطنعة والخضة تكسو وجهه شحوباً "إحنا مخلصين ليسانس آثار ياعمي" فأتبع الخال سؤاله بسؤال ثاني "وبتشتغلوا؟" فرد هاني "ايوه ياعمي إحنا بنشتغل في شركة بعقد وإن شاء الله نثبت قريباً"،الآن فاض الكيل بخال العروسة وقرر أن يلقي القنبلة وقال في لهجة توبيخ" هو العريس أخرس؟" فاستمر هاني في الرد وهو ينظر للعريس فرآه مصراً على موقفه في النظر للأرض فأجاب الخال وهو يائس "الظاهر كده ياعمي..ماترد يابني اتكلم".
أخيراً أشاح العريس وجهه عن بلاطات الأرض ونظر لهما وحاول أن يتكلم فلم يخرج غير حشرجة صلبة وكأن أحباله الصوتية صارت كتلاً من الصخر القاسي من هول الموقف وكأنه يوم الحشر العظيم فاكتفي بالإشارة بالموافقة على ما قاله هاني صديقه وتنحنح وعاد للنظر في الأرض فاغتاظ الخال وقال لصديقه "هو صاحبك مكسوف أوي كده ليه..يابني قوله الجواز مفيهوش كسوف أمال هيجيب عيال ازاي" عند كلمة عيال تلك العرق نزل يشر من وجهه ولملم شتاته وألقى العريس أخيراً الصخرة التي تغلق مجرى حنجرته وقال "لا ياعمي ما احنا متفقين نأجل حكاية الخلفة دي شوية لحد ما نكون مستقبلنا".
لولا أنا رأس خال العروسة كان خالياً من الشعر بفضل عوامل تعرية الزمن لشده حتى إقتلعه من جذوره ولم يبقي منه شعرة واحدة بسبب بلاهة العريس وفجأة فز من المجلس وأشار للعروسة أن ادخلي للغرفة أريد أن أحدثك وما أن إنفرد بها حتى قال لها " انتي جيبالي عيلين يقعدوا معايا..لو كنت أعرف مكونتش جيت أصلا" فأسرعت العروسة تفهم خالها تحاول السيطرة على انفعاله وإعادة المياه التي يبدو أنها بدأت تسيل في كل مكان لمجاريها وقالت " لا ياخالي ده شاب كويس والله هو بس مكسوف من الحريم اللي قاعدين مبحلقة فيه..خده انت بس للشقة اللي فوق وهو هيفك ويبقى تمام".
جلس الثلاثة لا رابع لهم في انترية الشقة العلوية وبمجرد أن اختلوا بصومعتهم انفجر الشاب في الكلام معبراً عن طلبه يد ابنة أخته وصارت الأمور طبيعية خاصة بعد أن حكى له الخال قصته أيام شبابه مع حبيبته وكيف ارتبط بها فشجعهم على الحديث وتقاربت وجهات النظر ولم تستمر الجلسة الإنفرادية إلا دقائق تم خلالها الإتفاق على جدولة تواريخ الزيارات الرسمية لطرفي الزيجة والإتفاق على الخطوط العريضة للتجهيزات ولم يبدي الطرفين أي اعتراض على ما جاء بنص الجدولة وبدت العقول متفتحة ومتفاهمة لأقصى حد.
المشكلة العويصة كانت حين أراد العريس وصديقه هاني النزول من الدور العلوي للمغادرة فقد كان المرور أصعب من اجتياز شارع الموسكي في ذروة إنتعاشه التجاري حيث أعاقت أجساد النساء اللاتي شكلن حواجز خرسانية تملأ بسطة السلم للدور الأول وعدة درجات من سلم الصعود للطابق الثاني أي فرصة للمرور،لابد أن يمر العريس مرة ثانية وصديقه أمام أعين كل هؤلاء فقررا أن يضعا نظرهما في الأرض ويعدا درجات السلم وهما ينزلان خلف خالها الذي جعل من ذراعيه سيارة كاسحة للألغام يوسع بهما طريق للمرور وكاد المشهد أن يمر بسلام لولا خالة العروسة التي نادت على العريس وصديقه وهى تقول في تهكم " بقولك أيه يا هاني يا شاكر ابقى قول لصاحبك محمود ياسين ياخد باله من السلمه المكسورة" وفجأة سُمع صوت وقوع وخبط شديد فنظر الجميع من بسطة السلم فوجدوا العريس محمود ياسين وصديقه هاني شاكر مكومان فوق بعضهما في أسفل السلم بجوار السلمة المكسورة.
في النهاية تمت الزيجة على سلام ولكن بعدها بشهور طويلة لإعطاء فرصة للعريس للخروج من الجبس وإصلاح الخمس كسور التي لحقت به والحمد لله قد إلتئمت جميعها إلا من كسر واحد ظل معه بقية حياته.


وفقي فكري


الجمعة، 13 يناير 2017

معلمون يدمرون أمة



كنت في غاية الاحباط حين علمت أن لجنة الإمتحانات التي تمتحن بها ابنتي بالصف السادس الإبتدائي كانت بالكامل تغش في امتحانات منتصف العام الدراسي.
أنا لا اتعجب من مراقبين من المفترض أن يكونوا قائمين على حفظ المجهود للطالب المجتهد حتى يجيب على الإمتحان ببراعة ويحصد الدرجات النهائية بمجهوده ويمنعوا الطالب المهمل من الإستيلاء على مجهود غيره ويضعونه في قدره الطبيعي لكني اتعجب من ضمير رئيس لجنة إن كان ترك اللجنة بكاملها تغش بعلمه فهو عضو فاسد وإن تمت عملية الغش من وراء ظهره فهو اختيار خاطئ لمسئول لا يستطيع أن يكون على قدر المسئولية التي كلف بها وإن كنت أرجح الإحتمال الأول.
إن من يروجون لتسهيل الغش في الإمتحانات إنما يقوضون مستقبل أمة ويدمرونها من خلال أساسها المتمثل في براعمها ولو حتى كانت عملية التعليم في بلدنا سيئة وضعيفة لا يصح أن نقضي على بعض الأمل من الأطفال الذين ننتظر عبقريتهم وتحديهم لهذا النظام العقيم ونجاحهم في القفز للنور،فقد أخرج التعليم المصري رغم تهالكه وضياعة على مدار تاريخه العديد من النماذج الجيدة التي تجعلنا نتمسك بالحق في أننا يوما ما سينعدل حالنا بمثل تلك النماذج الشاذة عن القاعدة العامة للتخلف والنمطية التي تزرع في النشئ الجهل والأمية.
حين كنت صغيرا في قريتنا بالدقهلية وتعلمت في مدرستها مررت بمواقف كثيرة من الغش في اللجان التي كنت امتحن بها ولكني أحمد الله أني لم اتأثر في حياتي لكنها حطمت أجيالا من أمثال جيلي وقبله وبعده وحتى اليوم تستمر عملية التدمير بنهج منتظم ثابت قد يرعاه العادة على الغش أو اعتقاد من يمارسونه أن ذلك يعبر بالتلميذ لبر الأمان أو ربما يعتقد البعض أنه حق مكتسب للطالب الضعيف حتى يجد فرصة للمنافسة أمام الطلبة المحظوظين في الحصول على دروس خصوصية أو ذوي القدرات العقلية الأكثر ذكاءً.
الحقيقة أني حين كبرت وفهمت علمت أن فطرتي في عدم الغش ربما خوفاً من المراقب وقتها أو ثقة في قدراتي المعقولة أو توفيقاً من الله في العموم لكنها في النهاية تجربة أثبتت لي أن الغشاش يستحيل أن ينجح ليس في الإمتحان ولكن في الدنيا بمفهومها الواسع الشامل.
لن أذكر لكم الأحاديث النبوية التي تذم الغش وتقبح الغشاشين فكل المعلمين بالتأكيد ذكروها لطلبتهم بشكل أو بآخر ولن تجدي تلك الأحاديث نفعاً مع من يرعون الغش ومن يغش ولكني حزين كل الحزن على معلمين وإداريين من المفترض أنهم ذو خلق وعلم وخبرة تمنعهم من تدمير أساس أمة وتقضي على مجهود معلمين آخرين محترمين وطلبة اجتهدوا وسهروا حتى يتفوقوا ويخرج أصحاب الرسالة السامية جيل يستطيع الطموح منهم أن ينافس على بناء وتطوير تلك الأمة.
أعلم أن مقالي هذا سيصفه البعض بأن من كتبه مغيب عن الواقع وهؤلاء هم من خلقوا ليسيروا في درب العادة وصدق فيهم قول الآية الكريمة "هذا ما وجدنا عليه آبائنا" وأعلم أنه سيكون هناك من سيقرأه وهو يبكي على هذا الوضع المخزي وهؤلاء هم من ما زالوا يملكون ضميراً يغذيه قلبا ينبض بين ضلوعهم وعلى هؤلاء الأمل.
للأسف يا سادة كل من ترك تلميذاً أو طالباً يغش في الإمتحانات هو عضو فاسد لا يحب هذا الوطن بل يكرهه ويدمره من أساسه سواء كان يعلم أو لا يعلم فهو مجرم ويندرج نموذجه تحت أخطر أنواع الفساد الإداري الذي ينخر في كل مؤسسات وطننا وتخرب مصيره وتمنع وتقضي على أي فرصة لنجاته مما هو فيه.
المعلم والمراقب التعليمي الفاسد خطره مثل خطر القاضي الفاسد لأنه يعطي الحقوق لغير مستحقيه ويظلم من اجتهد والتزم بالحق فوضعه سواء بسواء في نفس سلة الخائن والمهمل والظالم .
كاتب هذا المقال ولي أمر تلميذة بالصف السادس الإبتدائي ويتألم بسبب ما يحدث وما سيحدث دوما داخل لجان الإمتحانات من أعمال غش وتسيب تحطم آمال الطالب المجتهد وتضيع الحقوق وترعى الطالب المهمل حتى يأخذ مكانا ليس كفؤا به فيدمر مصالح المواطنين ويكمل دائرة الفساد في مجتمعنا الممتلئ بما لايحتمل من ويلات.
وفقي فكري

الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

الواد المسهوك والشبشب أبوصباع

وقف العامل المسهوك في ظلام الصحراء يغرق سماعة التليفون المحمول جملاً من الحب والهيام لحبيبته،كان الليل قد تعدى منتصفه بحوالي الساعة أو أكثر والواد الحبيب لا يشعر ببرد الشتاء القارص ولا بتجمد صوابع قدمه التي كانت مكشوفة تلعب خارج شبشب بلاستك بصباع.
كل كرفانات العاملين مثل المقابر وسط ظلام الصحراء وصوت الشخير لا يعلو عليه صوت والواد الحبيب هائم على وجهه والسهوكة قد بلغت من ملامحه مبلغها حتى قطعها صوت صريخه المفاجئ،شيئاً ما يبدو أنه غاظه لعب صوابعه خارج الشبشب أبو صباع أو ربما ضايقه صوته الذي يحمل كل المحن في أواخر الليل فأراد أن ينبهه بطريقته الخاصة.
كانت طريشة مميته قد أمسكت في إصبع رجله الكبير الأيمن وقد أقسمت في غيظ ألا تتركه إلا وهو ميت وكأن بينها وبينه تار والواد الحبيب فجأه تحول لبركان هائج يصرخ بلا توقف حتى أوقف شخير الكرفانات وأضيئت اللمبات وتسارعت الخطى نحوه وفي لحظات كان الجمع إلتف حوله إلا الممرض المسئول الأول في مثل تلك الحالات كان صوت شخيره مازال يعلو ويعلو حتى غطى على أصوات الزعيق والإستنجاد به من كل صوب وحدب.
الخبط على باب الممرض كان مثل أصوات قرع طبول الحرب،محاولات فتح الباب عنوة لم تفلح فقد وضع الممرض شومة كبيرة دقرها خلف الباب وكانت شومة عنيدة أمينة على شخيره ولم تسمح لكل تلك الأجسام بالنجاح في اقتحام الباب حتى أيقظه الله من عنده وأخد يتثاب في برود شديد وكأنه عريس في صبحيته وبالعافية رد وقال في صوت أخنف رخيم " أيه فيه ايه ياجدع إنت وهو"
-         افتح يا أستاذ فتحي الواد مدبولي قرصته طريشه وهيموت تعالى إلحقه
-         وأنا هعمله أيه بروح أمه طالما قرصته الطريشة يبقى هيموت روحوا ناموا
-         ننام أيه يا أستاذ فتحي افتح الباب وتعالى شوف الواد انقذه بأي حاجه
فتح الممرض الباب في برود شديد وبطء حركة وقال لهم بمجرد أن رأي وجوههم يحملون العامل بين أذرعهم والفزع يسيطر عليهم" أنا بقولكم طالما قرصته طريشة يبقى هيموت" ثم نظر للواد الذي كان منذ لحظات مسهوكاً وأصبح الآن يصارع الموت وقال له كعادة بروده في الحديث" يابني انت هتموت بكتيره كمان ربع أو نص ساعة،إنت ودورتك الدموية بقى" ثم أغلق الباب في وجه الجميع وعاد لينام.
بعد ربع ساعة كانت السيارة الدوبل كابينه تجري في مدق صحراوي طويل في وسط الظلام متجهه لأقرب مستشفى تقع على بعد 150 كيلومتر وفي الكرسي الأمامي يجلس الممرض الثمين ذو اللحية الكثيفة والوجه المكتظ والشعر الهائش يدخن سيجارته باستمتاع وبجواره السائق يصارع حصوات المدق بالتشبث في المقود بكل ما فيه من عضلات،أما في الخلف فكان الواد الحبيب ملقى بالعرض على الكنبة الخلفية يصارع الموت والتأوهات تملأ الكابينة بكل صخب،حتى جعلت سخط الممرض يصل ذروته فالتفت له وقال ودخان سيجارته يغرق وجه الواد المقروص"يابني اسكت بقى خوت دماغنا،كل لحظة أه أه،ما احنا بنجري أهوه هنعمل ايه اكتر من كده نطير يعني؟!!"
صراخ العامل ملأ الصحراء بعويله واستنجاده حتى بلغ الغيط عند الممرض مبلغه فطلب من السائق في غضب أن يوقف السيارة ونهر مدبولي وهو يهدده "والله العظيم أرميك هنا في الصحرا لو مبطلتش خوته أنا مش ناقص،ما أدينا لفينك ببطانية وكوبيرته أهو وقافلين ليك الإزاز كله علشان متبردش وبرضوا قاعد تتأهوه طب اعملك أيه تاني"،فرد السائق باستغراب وهو يتعجب من كلام الممرض الذي هربت منه دماغه كالمسطول وقال له في رجاء "يا استاذ فتحي الواد مدبولي قرصاه طريشة وبيموت مش واخد دش ميه باردة وعايز يدفا" ثم التفت لمدبولي مطيباً "معلش يابني خلاص هانت كلها 20 كيلو ونطلع للأسفلت واجري أوصلك بسرعه وخير إن شاء الله" فأجابه الممرض في تهكم وقد أعاد السائق تشغيل المحرك وانطلق "توصله أيه وخير أيه ده المفروض يكون ميت من ربع ساعة،أنا مستعجب لسه عايش لحد دلوقتي إزاي وواجع دماغنا أي أي لحد ما جبلنا صداع" .
طوال الطريق الذي استمر حوالي ساعة ونصف كان الواد العامل الحبيب المقروص مازال يتأوه ولا يتوقف بين الحين والأخر عن الصريخ بأعلى صوته وهو يقول "أه ه ه ه " حتى أنه قالها عشرات المرات بأعلى صوته كأنه قرصته حيه لكن الجميل في الموضوع والغريب والمدهش في نفس الوقت أنه ظل على قيد الحياه ولم يمت رغم مرور ما يقارب الساعتين وقد استقبله طبيب الطوارئ بمجرد أن وصلوا أخيراً للمستشفى وهو يسأل الممرض وفتحي يجيبه في قرف وزهق :
-         هو فيه أيه الراجل ده؟
-         قرصته طريشه ياسيدي
-         بقاله أد أيه كده؟
-         بقاله يجي ساعتين
-         ولسه مماتش غريبة
-         والله وأنا كمان مستغرب ياريته كان مات وارتحنا من صوت أمه الفقر
قبل أن يكمل فتحي جملته كان الطبيب بمساعدة الممرضة قد  كشفوا عن مدبولي البطانية والكوبيرته الملتف بهم وما أن خلعوها حتى تساقطت منها 10 عقارب سامة تتلوى في الأرض فصرخت الممرضة وجرت مزعورة واختفت في غرفة التمريض وفتحي يضحك كأنه يشاهد فيلم كارتون وهو يقول للواد المقروص "أه علشان كده بروح أمك كنت قاعد تقول أه طول الطريق وأتاريها العقارب هرياك ياعين أمك قرص،والله انت شكلك واد فقر من كله".
طبيب الطوارئ استمر في دهشته وهو يفرد اصبعي كفه الأيمن أسفل ذقنه متجاهلاً رخامة فتحي الممرض وقد عرى الواد الحبيب بلبوص كما خلقته أمه إلا من بوكسر قديم معفن ورأى لسعات العقارب في كل مكان في جسده وهو يقول واصابعه تعد عدد اللسعات "كيف مع قرصة الطريشة المميتة وحوالي 10 لأ 11 لسعه عقرب وبرضه الواد ده لسه عايش أنا مستغرب" فرد عليه فتحي باستهزاء "متستعجبش يا دكتور العمال عندنا بسبع أروح مبيموتوش".
بعد الفحص الكامل للمريض كان النهار قد أضاء الدنيا ومازال مدبولي المسهوك حي يرزق والدهشة الكاملة مستمرة على وجه الطيب ولم تفارقه خاصة بعد أن تأكد بكل شكل طبي أن العامل سليم ولا أثر في جسده لأي سم  ولا حتى سم عقرب ولولا أنه رأى بعينه لدغات العقارب الإحدى عشر لكان اتهم الممرض ومدبولي وحتى السائق بالكذب وادعاء الإصابة والإزعاج لكن كل الفحوصات أثبتت خلوه من هذا رغم اللسعات الملتهبة الواضحة أمامه الآن.
تخلى الطبيب عن كل ضوابط الإحترام وفط فجأه من كرسيه وكأن عقرب من العشر عقارب قد لدغته وهو يهلل ويصرخ "الله أكبر..الله أكبر..وجدتها..وجدتها" فارتعد الممرض فتحي لأول مرة في حياته وبان على وجهه الهلع وتخلى هو الأخر عن بروده ورخامته المعتادة وجرى هو والسائق معتقداً أن الطبيب يرتدي حزام ناسف لكنه أدركهم وهو يقول "ده اكتشاف علمي جديد" ونزل على الواد مدبولي المسهوك بوس وأحضان فنظر فتحي لزميله السائق وهو يقول له وقد عاد لبروده وبطء كلماته مرة أخرى "أنا مش عارف الدكتور ده ارهابي ولا شمال" ثم عادا له وفتحي يسأله "خير يادكتور طمنا الواد مدبولي هيعيش؟" فأجابه بكل حماسه وقد أقلع عن تقبيل الواد المقروص وقال "طبعاً هيعيش وبسببه اكتشفنا إن قرص العقارب بيوقف وبيشفي من سم الطريشة وده إعجاز علمي" فذهب فتحي مسرعاً لمدبولي المسهوك وأمسكه من ياقة القميص يخنقه ويقول في غيظ "بقى انت يا بن المحظوظة تكون سبب في اكتشاف علمي..انت يامعفن؟!!!!".
انقضى الموقف وعاش الواد مدبولي الحبيب المسهوك متفاخراً وملأ الدنيا ضجيج بأنه كان سبباً في الإكتشاف العلمي الفظيع ولم يتوقف عن الحب في أخر الليل في الصحراء بل استمر يتجول في اصرار في نفس الأماكن حول كرفانات إعاشة العاملين ولكنه كان يتجول وقد استبدل الشبشب أبو صباع بكوزلك ذا رقبة طويلة حتى الركبة ولبس أسفله 10 شربات سميكة حتى لا تستطيع طريشة جديدة أن تلتهم صباع قدمه الكبير مرة ثانية وكان دائم الإحتفاظ بعشر عقارب سامة في برطمانات زجاجية بغرفته كنوع من الإحتياط تحسباً لأي موقف مشابه وبذلك استغنى العاملين عن خدمات الممرض فتحي الرخم ونقل لمكان أخر وقام مدبولي هو بدور الممرض الجديد تخصص قرص طريشة يتفزلك بهم على باقي العمال والمؤسف أن مدبولي في النهاية لم يتزوج البنت المزة التي كان يغرقها بكلماته المسهوكة المعسولة وحين سأل عن سبب ذلك قال "كان وش أمها شوم عليا وبسببها كنت هموت"هكذا الرجالة يا ستات لا أمان لهم مثل الطريشة تمام.
وفقي فكري