الأحد، 26 أكتوبر 2014

التعليم والإرهاب



حين طلبت مني ابنتي،التي تدرس في الصف الرابع الإبتدائي،أن أساعدها في عمل واجب التعبير،رحبت لأنها أول عام تدرس مثل ذلك النوع من الأدب الرفيع،وأقول على التعبير أدب رفيع لأنه النواه الأساسية لفنون الكتابة وإبداء الرأي ولذلك سموه تعبيراً،جاءت ابنتي وجلست بجواري وعرضت علي الموضوعات،فهذا موضوع عن وصف ماشاهدته في حديقة الحيوان وهذا موضوع أخر عن معالم مصر السياحية وهذا ثالث عن الأم وفضلها،رائعة تلك الموضوعات التي تنمي لدى التلاميذ روح الصياغة وإفراغ الأحاسيس.
قلت لها بماذا تريدين أن نبدأ قالت لي أي موضوع تحبه المهم أن نبدأ بالمقدمة والنهاية التي أعطتها لنا المس،ذهلت وقلت لها هل أعطتكم المدرسة بداية محددة ونهاية محددة لكل موضوعات التعبير،أجابتني وقالت نعم وبدونها لن نحصل على الدرجات النهائية في موضوعات التعبير.
اسمعوا معي ياسادة البداية"لقد نظرت من حولي لأبحث عن موضوع أكتب عنه ولم أجد أفضل من.... (اسم الموضوع).... ثم تكتب الموضوع وتنتهي بتلك الجملة كنهاية"وفي النهاية أرجو أن أكون قد وفقت في الكتابة عن هذا الموضوع الشيق"،أترون يعلمون أبنائنا حفظ صيغ معينة وتكرارها دون حتى أن يعلموا معناها،يجبرونهم على أن يصٌموا عن ظهر قلب جمل معينة كالروبوت ويرددونها بلا فهم أو مغزى،كيف يكون إذا هذا اسمه تعبيراً وهم حولوه إلى إجباراً وقهراً وقسراً،لماذا نصمم على أن نفعل في أبنائنا أبشع الجرائم ونضحك على أنفسنا ونقول نحن نعلمهم،أي علم هذا وأي تربية تلك.
أراهن إن كانت مدرستهم في الفصل تستطيع أن تكتب فقرة واحدة من وحي عقلها عن موضوع إجتماعي أو مشكلة تحدث في مصر،وأنا متأكد من فشلهم لأن هؤلاء المدرسين تربوا على مثل تلك العقول الخربة وشبوا على يد معلمين عجاف لا يعرفون من علمهم إلا ماحفظوه في ببغاوات مدارسهم وحصصهم العاقر المملة،كيف لكم أن تحولوا حصص الإبداع وفنون الكتابة إلى حصص مسخ وتدمير لعقول أطفالنا،نحن ننتظر من بين هؤلاء الأطفال شباب علماء وكتاب وأدباء فكيف لهم أن يخرجوا من بين براثن تخلفكم وفشلكم.
إن كنتم تريدون إقتلاع الإرهاب من جذوره فجذوره موجودة في المدارس قبل أن تكون مختبأة في الكهوف المظلمة والجبال،ربوا أجيالاً تتعلم كيف تستنبط وتحلل لتصل للنتائج،كيف تفكر وتتخيل،كيف تحاور وتقنع،كيف تتبع أسلوب التفكير الإستكشافي مروراً بالتجارب ووصولاً إلى الحقائق،علموا أولاد شعبنا على النقد والأخذ بالصواب المقنع والبعد عن الإجبار والقهر والإنسياق.
نحن نحتاج إلى مدرس بدرجة مربي كما كنا زمان وليس مدرس قشري يحتاج إلى من يربيه،نحتاج إلى أن نغرس في أولادنا الجرأة والشجاعة والإقدام على فعل الصواب،بدلاً من التلقين والحفظ بلا فهم.
أنا أخاف على ابنتي من تلوثها بالتعليم الجاهل في مصر،الذي يعتمد على الحشو من أجل حصد الدرجات الوهمية،وأشد ما أخشاه أن تحولها طريقة التعليم في بلدي إلى أعلى درجات الجهل فتنحرف إما إلى الإفراط والتشدد والمغالاة أو التفريط والرعونة والتفاهة.
مستقبل مصر الحقيقي في التعليم،وفرصة القضاء على التطرف والمغالاة تتحقق من خلال التعليم الجيد وسنظل هكذا دائماً نغوص في دوامة حرب الإرهاب إلى أن نبني أجيالاً ذات شخصية مستقلة تعرف كيف تفعل ومتى تفعل لتصل إلى ما تريد فيعم السلام وتنتفع الدنيا بعلمنا كما كنا في عصور مجدنا.
وفقي فكري

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

وطن يبحث عن سكن




أخيراً عشت حتى أرى مبارك يعود للأضواء مرة ثانية،ويظهر على صفحات الصحف اليومية،وهو يرتدي بدلة أخر شياكة،وكرافت مميز،وساعة من بتوع الماركة،وشعر مصبوغ ووجه متهلل مبتسم رائق كاللبن الحليب،ذكرني بصورته الدعائية ذات القميص الأبيض لإنتخابات الرئاسة في عام 2005،التي ظهر فيها كالملاك المحلق في سماء الثقة والإتزان،أخيراً والحمد لله استمتعت بقراءة صفحة كاملة لمبارك،نشرتها جريدة الوطن يوم الأربعاء 15 أكتوبر تحت عنوان،"انفراد .. الرئيس الأسبق في أول حوار صحفي بعيداً عن التسريبات منذ تخليه عن الحكم "،ألا تلاحظون معي تغير نبرة استخدام المصطلحات،فالآن مبارك أصبح متخلي عن الحكم،بعد أن ظل طيلة ثلاثة سنوات "مخلوع"،بالتأكيد قد يكون الكثير منكم طالع الحوار،ولمن لم يطالعه أوصف لكم،صفحة كاملة بملابس مدنية لمبارك،وهو كما يقولون "أخر ألاجه"،وكأنه عاد لحكم مصر،وفي الأسفل صور له بجانب الرئيس السادات يرتدي الزي العسكري،وصوراً أخرى لعمر سليمان والمشير طنطاوي .
جريدة الوطن في هذا العدد تفرد صفحة كاملة،ليستعرض مبارك مهاراته البهلاونية على الشعب،بعد تألقه في كلمته الأخيره أمام هيئة محاكمته،لقد أظهرت الجريدة مبارك زعيم وبرئ من قتل المتظاهرين ، تكاد دموعي تنهمر قهرة على هذا الرجل المظلوم،لم أتمالك نفسي وأنا اقرأ الحوار،أن أتمتم ببعض الكلمات القبيحة التي لم تستطع شفتاي أن تحبسهم من الخروج،ورغم أني أعلم أن الحديث الآن عن مبارك أصبح محظوراً في عصر السيسي،ورغم خوفي من أن يكون شخص ما يسجل لي هذه التمتمات،إلا أنني كان ولابد أن أنفس عن نفسي قليلاً،حتى استطيع أن أكمل القراءة،حتماً مبارك خرج من السجن طالما أراه على هذه الصورة الشيك،أو أنه لم يدخل السجن أصلاً،ونحن من انحبسنا داخل القفص مدى الحياه،معتقدين أننا مظلومين مقهورين،لا بأس،ارتفع ضغطي عشرات المرات،وأنا أكمل قراءة الحوار،خاصة حينما رفض مبارك التعليق على محاكمته،قال أيه،إحتراماً للقضاء،من المؤكد أن فريد الديب نصحه بعدم التعليق على القضاء،لأن ذلك يضعه في موضع مش ظريف،بغض النظر عن ذلك،مبارك جاءت كلماته كلها من وحي خياله،أو قد يكون الشعب هو من عاش في الخيال،الأمر سيان،لاحظت أنه يميل أكثر للحديث عن الجيش،وقدرته وتسليمه السلطة للجيش وقت تنحيه لثقته فيه،لأن الجيش هو الوحيد الذي يعرف حجم التضحيات التي بذلت لحماية الأرض والوطن،عندك حق يا سيادة الرئيس الأسبق المتنحي،أنتم والجيش تعلمون كل شئ أما الشعب فلا يعلم أي شئ،لأنه شارب حشيش وبانجو طول الوقت ومش فاهم أي حاجه .
حقيقةً،الحوار ألهب مشاعري جداً،ووصل بي الإلتهاب حتى أنني تمنيت أن ألقى مبارك لأسأله،عن ثمن الساعة التي يرتديها،أو من أين يحصل على بدله وجرافتاته الشيك،انتظرت اليوم الثاني،الذي نوهت جريدة الوطن في نهاية الجزء الأول من الحوار،على أنها ستنشر فيه الجزء الثاني،الذي سيتحدث فيه مبارك عن رأيه في السيسي،نمت جيداً واستقيظت في الصباح الباكر،أحضرت الجريدة وبجواري نعناع وينسون وحباية مسكن للآلام،وبذلك تكون كل عدتي لإستكمال الجزء الثاني من الحوار جاهزة،ولكن على نمط قصة علي السيد رئيس تحرير المصري اليوم،الذي أعلن أنه سينشر مستندات تؤكد تزوير الإنتخابات الرئاسية للعام 2012،ثم أتى اليوم الثاني،فلم ينشر شئ،بل تم القبض عليه،وإصدار قرار من النائب العام بحظر النشر في تلك القضية،على نفس النمط ولكن بدون إلقاء القبض،فوجئت بأن الوطن لم تنشر الجزء الثاني،لماذا لا أعرف،قد يكون التنويه عن أن الجزء الثاني سيتحدث عن السيسي كان السبب في المنع،باعتبار أن الرئيس لا يحب أن يمدحه أحد،فاستبدلت الجريدة الحوار بنشر ردود الأفعال عنه،ياخسارة،هذه المرة سأشرب النعناع بدون ضغط مرتفع أو منخفض،صراحة ردود الأفعال جاءت متباينة ومختلفة،أما شباب الثورة الذين لا أعلم منهم أحد،ولا أرى منهم أحد قالوا،أن ذلك إستعطافاً للشعب وتزوير للحقائق،وتسائلوا إن كان يبرأ بهذا الحوار ساحته من القتل،فمن قتل آلاف المتظاهرين في ثورة 25 يناير،صراحة هؤلاء الشباب لا يعنونا في أي شئ لأنهم لا وجود لهم أصلاً إلا في المنام،ولا يؤثرون بل يتأثرون بالإستقطاب أوالإعتقال،أيهما أقرب،الأهم هو رأي رجال القضاء المتقاعدين،الذين اثنوا كثيراً على حوار مبارك واحترامه للقضاء،وتأكيدهم أن مبارك ظل طيلة 30 عاماً يحترم القضاء ورجاله،وأن تلك الشهادة ليست جديدة من رجل عمل على استقلال القضاء،كلامكم صحيح وغاية في الصراحة،خاصة وأننا إن بحثنا عن قاضي قريب لقاضي أخر،أو من عيلته أو له قرابة لأحد القضاه فلن نجد،القضاء طيلة عمره مستقل ويعتمد على الأكفاء فقط وليس بالمحسوبية والواسطة،ولكن أكثر ما أزعجني هو تكالب رجال أصحاب المصلحة،من الناقمين على ثورة يناير،للتبرك بهذا الحوار وخاصة عبدالرحيم علي،الذي أعلن صراحة أن "من سيقول أن ثورة يناير كانت سلمية فسوف أعطيه على قفاه"، يقصد بالطبع  قفا المواطنين وليس المسئولين لا سمح الله.
تركت حوار مبارك وردود الأفعال لأهدأ قليلاً،فالعمر "مش بعزقه"،لو أصابني مكروه بسبب ضغطي فمن سيطعم أولادي، انتقلت اتصفح الجريدة،فوقعت عيني على عنوان يقول"إقبال ضعيف في أول أيام حجز المليون وحدة سكنية"،طبعاً أنا أتذكر ذلك الإعلان،الذي أعلن فيه وزير الإسكان وهو يذكر شروط التقدم،وأن من بينها أن ينطبق علي المتقدم حد دخل معين طبقاً للقانون،في الحقيقة عقلي قال لي لماذا لا تقدم،الشروط كلها تنطبق علي،بقى أن أعرف الحد الأقصى لدخل المتقدم،طالعت القانون فوجدت أن الشرط أن لا يتعدى الدخل 1200 جنيه شهرياً،فرجعت إلى الشروط فوجدت أن قيمة القسط الشهري للوحدة 480 جنيه، ضحكت وقلت كيف لمواطن مطحون لا يمتلك شقه ويجلس عن أبيه أو حماته أن يدفع 480 جنيه من إجمالي دخل 1200 جنيه، ماهو لو كان يقدر يدفعهم كان أجر بيهم شقه في حي شعبي سكن فيه بعيد عن العيلة من زمان،طبعاً الإقبال سيكون ضعيفاً لأن شروطكم عندها عقم تفكيري،ما رفع ضغطي مرة ثانية رغم أني تعمدت أن أبعد بسببه عن حوار مبارك هو تعليقات المواطنين داخل الخبر"نفسي يبقوا صادقين وأخذ شقه ومتبقاش زي الإعلانات اللي بنسمع عنها كل يوم والتاني في المحافظة"،"أنا سمعت عن المشروع بس مش ناوي أقدم فيه لأني عارف إن كل حاجه في البلد دي بالواسطة والمحسوبية"،التعليقات أعادتني مرة ثانية لمبارك فوجدت لساني يتمتم بكلمات قبيحة أخرى، فمبارك هو الذي جعل الشعب يعيش في الشارع،في عصره ظهرت الكومباوندات والشاليات الفاخرة والفيلات،وفي عصره أيضاً ظهروا أولاد الشوارع،في عصره ظهرت المحسوبية والواسطة والرشوة،وفي عصره مات آلاف الناس بسبب وقوع المنازل في العشوئيات التي تفحلت وتوحشت،في عصره ظهر الفساد الذي استولى به اصحاب المصالح على الأراضي بالملاليم وباعوها بالملايين،والمواطنين يعيشون في عشش صفيح بجوار النيل،في عصر مبارك محيت شخصية المواطن المصري،ومحيت ثقافته،ومحيت شجاعته،وتم القضاء على حريته ونزاهته داخل السجون والمعتقلات، والآن نجده يظهر لنا في ابهى حلة يرتديها مثلما فعل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، حين ظهر للشعب بعد طول غياب مدعياً أنه كان في السماء،اليوم مبارك يعود لنا والشعب بلامأوى،يعود لنا على صفحات جريدة الوطن والوطن بلا سكن.
وفقي فكري

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

شنطة الدولارات الزملكاوية والزحمة الشبراويه



ياللهول،يالا سخرية القدر،اللعنة على الحاقدين،كل ذلك هو لسان حالي،حين سمعت عن تأخر مدرب الزمالك الجديد باتشيكو،عن حضور المؤتمر الصحفي،الذي كان مقرراً له منتصف نهار الأحد،للإعلان فيه أمام الصحافة عن التعاقد معه كمدير فني جديد للفريق الأول لكرة القدم بالنادي،والسبب طبعاً هى الزحمة الملعونة ، بالتأكيد الرجل صعق،حين وجد أول يوم له في طريقه إلى النادي مزدحم،لدرجة أنه غير قادر للوصول في موعده المقررإلى مقر النادي بميت عقبه ، ربما لم يكتسب حتى الآن العدوى المصرية،التي تقضي بضرورة تحركك من مكانك إلى مقر مقابلتك قبلها بخمس ساعات على الأقل،لتصل بالكاد في موعدك ، المدرب البرتغالي الجديد لم يكلف نفسه أن يسأل مواطنه مانويل جوزيه عن مصر وزحمتها،ولخبطة الساعة ما بين توقيت شتوي وصيفي ، ولم يعلم أننا نحدد في مصر المواعيد بأوقات الصلاة،فنقول "لاقيني بعد صلاة الظهر بالنادي يا كابتن باتشيكو" أو باليوم الشمسي فنقول "منتظرينك ياكابتنا الجديد في العصرية في ميت عقبة،عندنا مؤتمر صحفي بتاع ساعه كده وننجز ونتكل" ، أنا عن نفسي لا أجد هذا المدرب الجديد مخطئ في شئ،فالخطأ راكب مرافقه المصري في كل الأحوال ومدلل رجليه،لأنه كان عليه أن يخرجه من الفندق في الوقت المناسب،طبقاً لقاموس المواعيد المصري.
عموماً الموضوع رغم أن الصحف خصصت له أخبار متتالية،وكأنه كارثة،لكنه وبحمد الله انتهى ومرت الأزمة الإعلامية الشنيعة المريعة بسلام،ومعلش ياجماعة حصل خير ، ولكن الأهم عندنا الآن،أن باتشيكو وبفضل من الله وقع اليوم على عقد لتدريب الفريق الأول بالزمالك لمدة موسمين،مقابل 45 ألف دولار شهرياً ، تأخير عن مؤتمر صحفي صدعوا به رؤسنا،ليعلنوا لنا أن مدرب ساحر مجبتهوش ولاده،جاء ليقبض من نادي مصري 45 ألف دولار مرتباً شهرياً ، يابن المحظوظة ياباتشيكو ، أكثر من 315 ألف جنيه شهرياً تخرج من خزينة نادي مصري لمدرب برتغالي،من المفترض أنه سيحقق للزمالك معجزة "رجل الكيكي" ، أنا بصراحة لو كنت في مكانك اتحمل أي زحمة من أجل العقد،الذي لو وقعه مصري لمدة شهر واحد،لقدم إستقالته من أجدعها وظيفة في أنضفها شركة وأنتخ في البيت ، كل ذلك لم يضايقني مطلقاً،ولكن برغم عني وجدت تساؤلات أفلاطونية تدور بعلقي،من عينة ، هل هذا المبلغ الشهري خالص من الضرائب ، هل المرتب يشمل الإقامة والإنتقالات يعني "شاكب راكب" ، ولا الإقامة واللذي منه لهم حساب أخر ، ثم توقفت عن التفكير في الموضوع برمته،خوفاً من إصابتي بسكتة دماغية مفاجأه .
حين قرأت تأخر المدير الفني الجديد عن المؤتمر الصحفي،الذي نظم في الحقيقة ليقبض الكاش ماني بالدولار،شعرت وكأن دمعة بدأت تفر من عيني،حزناً على تعذيب هذا الرجل السوبر مان الذي حصل ياحسره على بضع آلاف من الدولارات، قطعت تلك اللحظة الرومانسية رنة تليفون من صديق عزيز لي ، وعلى قدر معزته عندي كرهته،لأنه قطع علي لحظة شعور بالإمتنان للخواجات،الذين يهبطون علينا دائماً من السماء،يعلمونا فن اللعب والإشتغالات ، هذا الصديق بدا عصبياً من نبرة صوته ، وفاجأني بأمر غاية في التفاهة ، قال لي أن الزحمة بلغت منتهاها معه،خلال رحلة اليوم من أطراف القاهرة لمقر عمله بوسط القاهرة،وتسائل،كيف أن ميدان المؤسسة،الذي افتتحه معالي رئيس الوزراء منذ أيام،وصممه استشاري عالمي في مجال الطرق والمرور،لا يستوعب كوبري المشاه به زحمة أول يوم دراسه ، وأسهب في شرح المشكلة ، صراحةً أنا عقلي وفكري كان مع مدرب الزمالك،وصديقي يرغي ويقول بسرسعة فظة تشبه الصريخ أو العويل ، احسبها كيفما تشاء ، أنه انتظر نصف ساعة ليضع قدمه الأولى على أول سلمة لكوبري المشاة بالميدان من شدة الزحمة،واستغرقت مدة عبوره هذا الكوبري ساعة،حتى وصل إلى شباك تذاكر المترو،الذي بدا له وكأنه تجمع للغلابة على تريله توزع اللحمة مجاناً على المواطنين ، سألني وأنا صامت لا أعيره أي اهتمام ، كيف يكون التصميم الذي قال عنه خبير المرور والطرق الدكتور أسامة عقيل،أنه صمم محاور الميدان لتستوعب الإزدحام المروري مستقبلاً لمدة لا تقل عن 15 عاماً،لا يتحمل أول إختبار حقيقي له من طلبة المدارس،خلال رحلة العبور فوق الميدان الرائع للطرف الأخر وصولاً لمحطة المترو ، بالطبع أنا عقلي شارد مع باتشيكو ، هذا الرجل ياحرام،تأخر عن استلام أول 45 ألف دولار له بسبب الزحمة اللعينة ، كيف لك ياصديقي أن تقارن هذا الرجل بتلميذ مدرسة ملابسه اشتراها بالقسط،أو طالب جامعة في جيبه بضع جنيهات والده مقترضها من جاره لحين ميسره،أو موظف يلهث في الشارع مسرعاً،خوفاً من خصم كام جنيه كجزاء بسبب تأخره عن موعد التوقيع اليومي ، ياصديقي لكل مقام مقال ، بدلاً من أن تصرخ في أذني بسبب شوية غلابة،ابحث لنا عن طريقه نقترب منها من المدرب باتشيكو،وأهو كما يقولون ، من جاور السعيد يسعد،حتى لو بنفسين ريحه من الكباب اللي سيادته  بيسلك بيه سنانه في الفندق ، مازال صديقي على الخط يصرخ في أذني ويقول،يا صديقي ألم تكن حاضراً هذا المؤتمر الصحفي الذي دشن فيه العمل في ميدان المؤسسة،واستمعت للشرح والعبقرية في تنفيذ مخطط المرور بالميدان ، كيف إذاً يحدث هذا الإهمال في كوبري المشاه ، في تلك اللحظة شعرت أني لابد أن أقطع شرايني حتى يستريح صديقي ويحل عن سمايا ، قلت له نعم ياصديقي حضرت،ومعك حق في كل ما تقول ولكني سأسألك سؤالاً ، ماذا كان سيكون شعورك لو كنت ساكناً مثلي داخل القاهرة ولم تقابل هذا الموقف ، هل كنت ستصرخ بأعلى صوتك مثلما تفعل الآن ، عند تلك الكلمة أغلق صديقي الخط،وربما انقطع الإتصال رغماً عنه،أو أنه شعر أننا جميعاً لايهمنا إلا مصلحتنا فقط ، نتأثر بما يعرقل طريقنا فقط ولا نعبأ بما يعاني به الأخرون طالما كان بعيداً عن ؟؟؟رؤسنا،فشعر بالخجل وأغلق الخط ، ولكن لماذا تخجل ياصديقي هذه عادة مصرية لا تسوئك بمفردك ، نعم هى عادة مصرية،تماماً مثل تخطيطنا الذي يأتي دائماً ناقص "حته"،لأننا ننظر أسفل أقدامنا ولا ننظر لأبعد من ذلك ، فالنظر عن بعد يصيبنا دائماً بالدوار والدوخة ، في العموم أنا ممتن لصديقي لأنه اغلق الخط،وتركني أعود لمعايشة اللحظات الحالمة مع رجل الزمالك المحظوط،وكيف عانى "ياعين أمه من الزحمه حتى وصل للـ45 ألف دولار" ، لكن مهلاً ألا يمكن أن تكون مكالمة صديقي هذا إشارة من السماء على أن الأمرين لهما علاقة ببعضهما ، لماذا لم أفكر في أن كوبري المشاه الجديد بميدان المؤسسة قد يكون هو نفسه السبب في تأخر مدرب الزمالك الجديد،من الممكن أن يكون باتشيكو قرر أن يتمشى في شبرا قليلاً،فواجه زحمة هذا الكوبري الجديد الملعون،وأن الله بعث لي تلك المكالمة،كعلامة من السماء،لأنتبه للسبب الحقيقي لمأساة الخواجة البرتغالي،إن كان الأمر كذلك،فلابد أن يبحث مرتضى منصور عن عقاب للمواطنين الذين عرقلوا مسيرة فنان الزمالك الجديد،حتى وإن أظهر لكل مواطن سي دي خاص به،أنا لايعنيني "فعصة" المواطنين والمواطنات خلال العبور،ولا يهمني إنحشارهم بداخل علبة سردين المترو،فهذه عادتهم أم سيشتروها،أنا كل ما يهمني الآن كيف سيخرج باتشيكو بشنطة الدولارات،وهو متوجهاً إلى دبي ممضياً فترة نقاهه نفسية،بعد ما تعرض له من أذي نفسي بسبب الزحمة ، لك الله ياباتشيكو وكان الله في عونك،أرجو لك التوفيق وأنت تدرس فريق الزمالك من خلال الفرجه عليه في دبي،عبر السيديهات التي سلمها لك مرتضى لكل لاعب،الغريب أني أهلاوي،ولكني مهتم جداً بنادي الزمالك،أو بمعنى أدق برُزم الدولارات التي دفعها الزمالك وأتمنى له التوفيق ، وعلى الشعب المصري المحشور كل صباح أعلى كوبري مشاة ميدان المؤسسة الجديد،أو داخل محطات المترو،أن يكفوا عن الدلع ويسّلكوا أنفسهم من أجل أن تدور عجلة العمل لابد أن يتحملوا المرحلة الصعبة التي تمر بها مصر،ويبعدوا عن نفوسهم المريضة الحقد والحسد على مايحصل عليه باتشيكو من مقابل مادي،فكما قلت لكل مقام مقال،ومقالك يامواطن إن شعرت بالغضب أن تستمتع بأغنية "مشربتش من نيلها.. طب جربت تغنيلها" غني يامواطن لمصر،واحمد الله أنك شربت من نيلها،فغيرك يتمنى أن يشرب مثلك ولكنه يمتنع خوفاً من المغص .
وفقي فكري

السبت، 11 أكتوبر 2014

بيصوم اتنين وخميس يبقى إخواني



منذ 6 أشهر تقريباً ، سعدت كثيراً بأن صعد مهندس شاب لمنصب مرموق ، ليكون عضواً لمجلس إدارة أحد الشركات ، ولأني أعرف هذا المهندس الشاب ، الذي يدور عمره حول عامه الأربعين ، فقد كنت في غاية التفاؤل ، بأنه تجربة ودليل واضح ، على توجهنا للإستفادة من شباب مصر الفاهم والواعي ، والذي على درجة كبيرة من العلم ، ليتصدر المشهد خلال الفترة الحالية ، واعتقدت أيضاً أن هذا برهان أكيد ، على أن سياسة الدولة تتجه وبقوة نحو الإعتماد على الكفاءات الشبابية لخلخلة أنظمة الروتين الحكومي ، مثلما قال رئيس الوزراء ، لأن الشباب لديهم أنماط التفكير الجرئ والشجاع والمختلف ، للتعاطي مع المشاكل المتراكمة والمعقدة داخل الوزارات –هذا طبقاً لتصريحات المهندس إبراهيم محلب ، رئيس مجلس الوزراء .
زُرت هذا المهندس الشاب في مقر عمله الجديد ، وعندما سألته عن أحواله ، قال لي أنه يواجه صعوبات بالغة خاصة مع العضو المنتدب للشركة ، وأن هذا العضو المنتدب يحاربه ويهاجمه في السر والعلن ليل نهار ، لأنه يشعر بالغيرة من تصعيد شاب صغير لمثل هذا المنصب ، الذي وصل هو له في سن متأخر ، حتى أنه الآن يعمل بنظام التجديد والمد بعد سن المعاش ، وحكى لي زميلي طرفة أضحكتني حين قال ، أن هذا العضو المنتدب ، أشاع بين موظفي الشركة هذا الخبر ، وسألته لماذا ربط بين الصوم وبين الإخوان ، فرد علي في حيرة لا أعلم لماذا قال ذلك ، في تلك اللحظات فكرت ملياً وتساءلت ، لماذا وصل التشويه لدرجة أننا نربط كل شئ وأي شئ بالإخوان معتبرين ذلك نجاة لنا من كل شر ، أو أن ذلك هو الطريق الأقصر والأضمن لبلوغ غايتنا ، يكفينا أن نلصق تهمة الأخونة لأي شخص نكرهه لنقضي عليه ، ثم كيف وصل بنا الإنحدار لأن نعتبر كل مؤمن مسلم مسالم طائعاً لربه إخوانياً ، وهل ذلك تقليل من حجم الإخوان ، أم تقليل من حجم الدين ، أم أن من يصوم اثنين وخميس تحول فجأة إلى خطر على المجتمع المدني .
أنا شخصياً ، من خلال مرافقتي لبعض زيارات وجولات المهندس إبراهيم محلب ، للكثير من المواقع ، شاهدته وهو يعتذر عن تناول الوجبات لأنه صائم ، وتكرر ذلك مرات عديدة ، فهل رئيس الوزراء إخوانياً بسبب صيامه .
سعدت كثيراً حين علمت بعد ذلك ، أن العضو المنتدب الذي كان يحارب مهندسنا الشاب لم يفلح في مكيدته ، وترك المنصب بعد ذلك بقليل ، وتقلد المهندس الشاب منصب العضو المنتدب بدلاً منه ، فاعتقدت مجدداً أني ربما تسرعت في الحكم ، وأسأت الظن بقيادات الشركة القابضة ، وهذا المهندس نفسه ظن نفس الظن ، وبدأ في ممارسة مهام عمله بهمة ونشاط منقطعي النظير ، حتى أنه كان يسافر أقصى الصعيد ويعود في 24 ساعة ، ليتابع العمل بنفسه ، ومع نشاطه وحيويته لاحظ وجود تقصير شديد في نواحي كثيرة داخل شركته ، فأراد أن يصلحها ، ربما لم تكن المشاكل هى وحدها المعضلة التي قابلته ، وإنما كان الموظفون هم أهم مشاكله ، فشاب يملك الخبرة وأسلوب العمل السريع المضني الشاق ، قلقل هموم وظيفية كثيرة ، أرهقت من اعتادوا على النوم في العسل والعمل بأسلوب "اشتغل أقل تغلط أقل تعيش في الوظيفة أكثر ، أو اشتغل كتير تغلط كتير تتجازى أكتر" ، وتحول الموظفون بالشركة من عامل بناء إلى عامل تعطيل وهدم.
زرته مرة ثانية في مكتبه واطلعت على نشاطه المهول ، وعلمت من خلال كلماته مدى حبه لعمله ووطنه ، ولكنه أخبرني أنه يحاول تنشيط العمل ولكن الموظفين لا يستجيبون ، ولا يريدون أن يعملوا وبدأوا يعارضونه ويتباطؤن في الإستجابة لأوامره ، رغم أن هناك فرصاً كبيرة لهذه الشركة لأن تكون رائدة في مجالها ، طلبت منه أن يتمهل وألا يُسرع في تحويل الدفة بهذه السرعة ، وإلا فإنه سيٌحارب من أعداء النجاح ، فجاوبني بأن التأخير والوقت ليس في صالح مصر ، ولا يحتمل أي تباطؤ أو تكاسل ، ووجدته مصمماً على أن يستمر في نمط التنشيط ، غادرته وأنا أوصيه بأن يتمهل قليلاً ، خشية أن يتعرض لمخاطر تلك الشجاعة ، وقلت في نفسي ، إن رئيس الجمهورية حينما كلف رئيس الوزراء بالقضاء على الفساد ، أعلن المهندس إبراهيم محلب أنه خلال ستة أشهر لن يكون هناك فساد في مؤسسات الدولة ، ولم يقل غداً صباحاً سيتم القضاء عليه ، فما بنى في عشرات السنين أو مئات السنين لن تستطيع القضاء عليه في يوم وليلة.
منذ أيام قليلة ، علمت أن هذا المهندس الشاب ، سوف يغادر الشركة خلال الأيام القادمة ، والأسباب أنه أظهر مشاكل ستجلب الضرر أكثر مما تفيد وبالتأكيد قياداته العليا لا يريدون أن تطفو المشاكل على السطح ، أو ربما لا يحبون أن يواجهها ، ويؤثرون السلامة والعمل بأسلوب النمط القديم التقليدي .
يبدوا أخيراً أن حيلة "صوم اتنين وخميس" قد فلحت أخيراً مع مهندسنا ، واستطاعت أن تقلعه من منصبه ، وبالتأكيد فإن مثل هذا الموقف يتكرر وسيتكرر مع كثير من المخلصين ، الذين يحاولون أن يغيروا نمط العمل للأفضل ، ممن يعتقدون أنه يمكنهم أن يحدثوا تغيير حقيقي في مجتمعنا ، ولكنهم دائماً ما يخسرون رهانهم ، ويكتشفون أنهم يحرثون في الماء ، وليتها كانت الخسارة فقط وإنما يكسبون مع ذلك تشويهاً إضافياً لسمعتهم من أشخاص احترفوا هذا العمل ، والكل صامت بلا تعليق أو تعديل ، وهذه الحكاية جلعتني أتساءل عن مصير مشروع الدولة ، نحو تعيين معاوني الوزراء ونواب المحافظين وأعضاء المجالس القومية المتخصصة من الشباب ، ومدى نجاح الفكرة ، في ضوء ما رويته من أحداث ، وهل فعلاً هؤلاء سيستطيعون أن يحدثوا تغييراً في مؤسسات الدولة بهذا الشكل ، خاصة وأننا فشلنا في تجربة حقيقية وحية مع هذا المهندس الشاب ، الذي اعتبرته نموذجاً وحلم كاد أن يتحقق ، فتحولت تجربته إلى كابوس ، والسبب أننا ألقيناه في بئر الروتين ، ووسط أصحاب المصالح من المرتزقة والمتسلقين دون دعم أو إيمان واضح بما نطمح إليه ، إن كنا ننوي حقاً أن تنجح تجربة إشراك الشباب في عملية بناء مصر الحديثة ، علينا أن نؤمن بهم أولاً ، ثم نوفر لهم الدعم الكامل لتحقيق عملية التحول ، فالكلام والأمنيات وحدها لا تكفي .
وفقي فكري