الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

العمال ليسوا آلات




أرسل لي أحد العاملين بفرع القاهرة بشركة المقاولون العرب رسالة خاصة تضمنت شيئاً حزنت على ضياعه كثيرا،هذا الشئ لم يكن سوى تقليد وعادة كانت متبعة في ظل عائلة المعلم والمؤسس للشركة المهندس عثمان أحمد عثمان،تتمثل تلك العادة في قيام الشركة بإرسال شهادة تقدير لكل عامل بالشركة خدم بها مدة 10 أو 15 أو 20 سنه من عمره،وأرفق المرسل م رسالته لي صورة لشهادة تقدير سلمت لوالدة في عام 1983 تحتوي على نص ما يلي " على طريق الحب والوفاء الذي نهتدي به وبمناسبة مرور خمسة عشر عاماً تعملون بالشركة يسعدنا منحكم هذه الشهادة تقديراً وعرفاناً منا لما بذلتموه من عطاء متواصل وجده بناء أسهم في ازدهار شركتنا الرائدة مع أطيب التمنيات بالتوفيق ومزيد من الجهد في سبيل رفعة مصرنا الحبيبة" وموقعه من رئيس مجلس الإدارة الأسبق المهندس حسين أحمد عثمان،وقد وضعها الوالد في برواز وعلقها على حائط البيت افتخاراً بها.
كم كانت تلك الجمل التي أتت في هذه الشهادة الموقعة من رأس الشركة وقتها جميلة ومعربة عن حرص القيادة على شحن انتماء العمال لبيتهم وتأجيج الولاء بقلوبهم،لقد كانت مجرد كلمات بسيطة على ورقة متواضعة لكنها حملت قيمة كبيرة بما كتبت عليها من سطور،لم تكلف الشركة كثيراً لكنها أكسبتها أرباحاً ممتدة تمتد على مدار خدمة هذا العامل من خلال حفاظه على ممتلكات شركته والعمل بحب والعطاء بأقصى ما يملك من جهد وعرق.
نحن الآن على مشارف 2016 وضاع منذ سنوات كثيرة ماضيه هذا التقليد،فلماذا أوقفته الشركة وضاع بين العديد من الأشياء التي ضاعت؟!! هل لأن قيادات الشركة الآن اصبحوا موظفين عموميين لا يملكون القرار لإحياء هذا التقليد الجميل،أم هناك اسباب أخرى؟ نريد توضيحاً من مجلس إدارة الشركة نحو هذا وعليها ايضاً توضيح اسباب عدم السير على خطى مؤسس الشركة في رعاية وتحفيز النشاطات الأدبية والثقافية والعلمية والفنية للمبدعين داخلها حتى شعر هؤلاء بالتهميش والإحباط وفقد الأمل في شعور أي قيادة بما يملكونه من قدرات ومواهب؟.
في أي مؤسسة عالمية تعي دور العامل وتقدره تعرف تماماً أن العمال ليسوا آلات ينفذون الأوامر ويعملون بلا احساس،يعرفون أن العامل لينتج لابد أن يملك الإحساس بالتقدير والإهتمام،يعلمون أن العمال بشر لديهم طاقات لابد من إخراجها في أنشطة رياضية وفنية وثقافية وأدبية ويروحوا عن أنفسهم حتى يأتي وقت العمل الحق فيسحقوا الصعاب تحت أقدام واثقة من خطواتها،فلماذا لا يراعي قيادة المقاولون العرب ذلك ونحن شركة عالمية لها سمعة طيبة واسعة الإنتشار وتملك جيش بشري يحتاج للتنمية والإهتمام؟.
اسئلة أخيرة لمجلس إدارة شركتنا الموقر:
أين دور اللجنة النقابية بالشركة نحو العمال ؟
أين الدور الإجتماعي للمؤسسة؟
أين مشاركة العمال أفراحهم وأطراحهم واشعارهم بالوقوف بجوارهم ولو بالرمز والكلمة الطيبة والمواساه؟
أين الدور الإنساني للإدارة تجاه العمال البسطاء بعيداً عن الإجراءات الروتينية والتقليدية التي لا تطول إلا القلة القليلة؟
لقد أنشى المهندس عثمان أحمد عثمان حين كان يبنى رجال المقاولون العرب السد العالي مدينة متكاملة للعمال حرص فيها على بناء الملاعب الرياضية والمنشآت الترفيهية والصحية والإجتماعية قبل بناء المكاتب الإدارية ودور السكن وحتى عهد المهندس ابراهيم محلب الذي كان يرد بنفسه على كل عامل يرسل اقتراحاً له للتطوير داخل الشركة بخطاب شكر وتقدير على حرصه على شركته.
أين يا سادة الحفل السنوي الذي كانت تنظمه الشركة لتكريم رجالها لتنمية روح المحبة والولاء والوفاء والإنتماء بين أسرة العاملين بالشركة؟
تساؤلات أرجو أن يهتم بها أحد القيادات ويتحرك لسماع مقترحاتنا نحو تنفيذ بعضاً منها نصرة لإرادة العاملين وتأكيداً على حرصهم على التواصل معهم،أم أن التجاهل سيكون خير رد على ما نكتبه وتستمر العجلة تدور بلا اهتمام ولا تواصل مع العاملين؟.

وفقي فكري

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

قبور العذارى



ظل ينبش في الأرض ككلب مسعور يبحث عن فريسة تحت التراب،مخالبه تهتك عرض الدنيا بكل شراسة وبلا هوادة،يلهث وهو ينبش ولعابه يسيل من فمه وخياله هائم يتوقع أن يجد إحداهن هنا أو هناك،يزيد في اللهث ومخالبه تزداد حدة وتحدث صوتاً مكتوماً يختلط مع ظلمة الليل الذي يعشق أن يبحث فيه عن قبور العذارى،لا يحب مطلقاً أن يواجه ضوء الشمس ولعابه يسيل،يخشى أن تكون مرآته فتفضحه أو توقظ ضميره الذي مات منذ أن بدأ الليل يسدل ستائره على المكان،ينام الناس ولا تنام شهواته واحتياجه لسد رمق جوع فم مسعور تعود أن يأكل لحم العذارى نيئاً بلا رحمة،المهم ألا يراه أحد ولا يرى حتى نفسه وهو ينفذ جريمته،يتوارى وراء ظلمة الليل ويظهر وجهه الوحشي البغيض.
في كل ليلة ينبش فلا يجد فريسه فيحول نبشه لحفر عميقة واحدة تلو الأخرى يملأ بها المكان فتصير الأرض الممتدة عراقيل وموانع أمامهن،هذا طريق العذارى يوماً ما كان مستقيماً سهلا بسيطاً مختصراً حتى الوصول لبر الأمان لكن هذا المستغل من يوم أن ترصده لم يعد الطريق كذلك،صار وحلاً خطراً،ظاهره الرحمة وباطنه الغدر والضياع.
بعد أن يأس من التقاط فريسة صريعة إحدى القبور خطط من جديد وآثر أن يتخذ تلك الحفر الكثيرة التي ملأ بها الطريق قلعة محصنة له يجذب لها الولائم على مائدة الشهوة في كل ليلة،بالتأكيد حين تمر إحداهن سترى أحد الوجهاء المتفلسفين المستترين ببردة العلم والإخلاص والصداقة يدعوها للنزول لإحدى حفره،ففيها الخير الوفير،ها هى إحداهن قد ظهرت ينادي عليها من بعيد انزلي لحفرتي فلدى ما لذ وطاب،هل لكي قضية؟ فأنا الناصح الأمين
هل لكي أحلام؟فأنا محقق الأحلام
هل تريدين المستقبل؟في حفرتي كل المستقبل
انزلي يا حلوتي ولا تخافي فأنا أدعوكي لتحقيق كل ما تحلمين به
لقد نجح الأمر،يلا سذاجتهن،ها هى تكشف عن ساقيها وتنزل في قاع الحفرة ثم تكتشف أنها مظلمة كئيبة لا زرع فيها ولا ماء
أين ما كنت أحلم به لا أراه
أين الوعود والأحلام ذهبت أدراج الرياح
كاد أن يقع بها ويرضي شهوته لكن الطمع زان له اصطياد المزيد،فتركها حائرة ونزل إلى حفرة أخرى واصطاد ثانية ثم حفرة تالية واصطاد عذراء ثالثة وهكذا هيأت له نفسه الأمارة بالسوء أن يستمر في ملأ حفره بما لذ وطاب من أجساد العذارى حتى إذا فرغ من أخرها قرر أن يرجع للأولى ويبدأ في الإفتراس لكنه وجدها فارغه،نزل وفتش عنها فلم يجدها،هرول كمجنون يبحث عن عقله في كل زاوية من حفرته المظلمة فلم يعثر على شئ،نظر لأعلى فوجد أحدهم يمسك بيدها ويجذبها خارج الهاوية،فصرخ وكشف عن أنياب ذئب قبيح ثم اسرع للثانية والثالثة ففوجئ بالمنقذين يهرولون نحو صراخ العذارى يخرجوهن من الظلام،حاول أن يخرج مسرعاً لينقذ ما يمكن إنقاذه لكن الشمس لحقته بإشراقها وجعلته فريستها،نظر لنفسه فوجد وحشاً قميئاً سيئ الطلعه،حاول أن يختبئ في ركن مظلم من أركان حفرته كمصاص دماء يخشى الإحتراق من الضوء لكن الشمس تصر على محاصرته أينما ذهب،صرخ مستنجداً بالمنقذين بالأعلى فلم يجد منهم إجابة غير التحسر على حاله ونظرات الشفقة،طلب المساعدة من العذاري الواقفين على شفا حفره فبصقوا عليه جميعاً دفعة واحدة وأداروا له ظهورهم وهموا بالإنصراف،حاول أن يتوب فلم يستطع أن ينطق لسانه بكلمة التوبة،كاد يصرخ لكن الصراخ هذه المرة لم يخرج من حنجرته التي تيبست كالفولاذ،كل شئ اصبح ضده حتى الشمس تحرق جسده في تشفي واضح ولهيب جارف،لا ملاذ إذا من الهجوم،تكور على نفسه في يأس وألتف بالطين وظل يعوي حتى قضت الشمس على أخر نقطة ماء كانت في جسده فتبخرت للسماء ثم لحقتها روحه تلعن جسد عاش على نبش قبور العذارى فلم ينل إلا الحسرة والندامة.

وفقي فكري