الخميس، 8 يناير 2015

عواطف الشرق الأوسط وأحضان أمريكا





كثيراً ما اعتبروا عاطفتنا نقصية ونقطة ضعف تحول دون تحضرنا ولحاقنا بالعالم المتحضر،فيما سبق قرأنا كثيراً من الأراء التي تتهم المسلمين وسكان الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط بأن عواطفهم جياشة وأن ذلك يحول بينهم وبين اتخاذ قرارات صائبة نحو إقرار العدل والحيادية وتجعلهم يدورون في فلك هوى النفس والبعد عن إحقاق الحق.
وفي هذه الآراء بالطبع جزء كبير من الحقيقة التي أعلنت عنها كثيراً خلال مقالات سابقة لي وأعتبرها بالفعل نقطة ضعف وآفة ابتلانا بها الزمن واختصنا بها المولى عز وجل عن غيرنا من الشعوب وكنت أقول لكل من حولي طالما احتكمنا لهوى النفس والعاطفة فلن ننجوا أبداً مما نحن فيه وذلك لأننا وخاصة في الدول العربية نعشق شيئاً اسمه العواطف ونحكمها في كل قراراتنا بكل جور وظلم فإن ضبطت مثلاً موظفاً فاسداً وأردت أن تعاقبه قبل "لك حرام عليك اتركه وسامحه هذه المره فعنده كوم من العيال وهذا العقاب في الحقيقة لهؤلاء الأطفال وتلك الأسرة وليس لشخص الفرد" وترى الضغوط تنهال عنك من كل صوب وحدب هذا إن لم تتركه أنت من تلقاء نفسك وتحدث نفسك بما حدثك به الأخرون وهذا بالتأكيد يجعل أُناس أخرون يجترأون نفس الإثم الذي فعله زميلهم والفرار من العقاب سهل وحجته موجودة مثلما فعلوا مع الأخر والقياس على مثل هذا المثل كثير ونماذجه لا تعد ولا تحصى في مجال فساد الذمم والتهاون والحكم بمكاييل كثيرة.
ولعل ظاهرة التسول و"الشحاته" وانتشار الشحاذين في كل شوارعنا هى أصدق ما يمكن أن نعبر به عن عاطفة إبتزاز جيوب المواطنين وإدرار عطفهم من أجل إعطاء من لا يستحق مالا يستحق وتأكيد على أن عاطفتنا أقوى من أن تقاوم خداع متسول صار يذهب ويجي أمامك يكذب عليك ببضع جمل مأساوية ورغم أنك تعلم أنه كاذب إلا أنك تبادر وتعطيه من جيبك أخر مليم بدافع المساعدة.
وما نشاهده يومياً من ظاهرة مساعدة الغير ممن لا نعرفهم في الشوارع والطرقات خير شاهد أيضاً على أننا شعوباً عاطفية تدب في عروقنا نخوة الشهامة وإغاثة الملهوف مهما حدث من عواقب ومهما تعرضنا له من مآسي رغم أننا قد لا نعرف من ننقذه وبالتأكيد تعرض البعض منا لعملية نصب وسرقة بسبب خناقات وهمية وإدعاءات وجلبة بمجرد أن تصبح بداخلها إلا وتتعرض لسرقة متعلقاتك وفي النهاية وبعد اكتشافك الحيلة لا تملك إلا الإبتسامة وتسامح فيما حدث لك وترفض أن تتوجه إلى قسم شرطة تحرر محضراً وتستعوض الله فيما تعرضت له من مكر وخديعة وكل ذلك بدافع التسامح ومصداقاً للمقولة الشهيرة "قدر الله وماشاء فعل..كويس إنها جت على أد كده".
اليوم ونحن في عام 2015 نقرأ أخباراً تقول أنه في أمريكا ظهرت وظيفة جديدة اخترعتها سيدة تدعى "سامانثا هيس" تسمى مهنة "المطبطباطي" افتتحت له صالوناً للعلاج به في مدينة بورتلاند بولاية أوريجون للعلاج بالأحضان والطبطبة وتقول السيدة هيس عن ذلك "..أن أكثر ما يميز دول حوض البحر المتوسط الجوانب الدافئة وهو ما تقتقده الحياة الأمريكية بإيقاعها السريع وماديتها ونمطها الفردي الذي يشجع الإنسان منذ طفولته على أن يعيش لنفسه ويسعى لتحقيق أهدافه في الحياة وصولاً للنجاح المادي وعندما يحقق هذه الغاية فإنه قد يجد نفسه وحيداً ولا يجد حوله من يهتم بأمره.." هذا مقتطف من حديث السيدة "سامانثا هيس" المواطنة الأمريكية التي علمت أهمية العواطف في حياة البشر لأنها من أصول إيطالية متأثرة بدول حوض البحر المتوسط فعلمت أن النجاح المادي يخلف معه أثار سلبية ومخلفات جسيمة تحتاج إلى مجتمع قريب للإنسان قد يتمثل في أسرته أو أصدقاءه ليفرغ عندهم هذه الشحنة ثم بعدها يواصل الطريق،وهذا ما تفتقده العواصم المتحضرة في العالم فقد شاهدت حلقة من البرنامج الرائع "خواطر10" للرائع أحمد الشقيري التي صورها في اليابان وأمريكا وشرح فيها كيف أن المجتمع المتقدم رغم ما يغرينا به من مميزات نتحسر عليها إلا أنه مجتمع في حقيقة الأمر مفكك ومهلهل يفتقد إلى وجود الأسرة التي تحتوي كثيراً من البلاوي فقد شاهدت خلال الحلقة أمهات وأباء وشباب يعيشون داخل حدائق ومتنزهات عامة داخل العاصمة اليابانية طوكيو لا يعلمون عن أبنائهم ولا أسرهم شيئاً ومنهم من لا يعرف له أسرة وكذلك في أشهر المدن الأمريكية المتحضرة يعيش هؤلاء تحت الأرض في مجاري الصرف الصحي في عالم مختلف تماماً عما فوق الأرض ليس لديهم أسر ولا عائلات وحين تحاور الشقيري مع إحدى السيدات قالت أنها لا تعلم عن أبنائها شيئاً غير أنهم مازالوا على قيد الحياة وأثنت على الإسلام لأنه يحافظ على وجود الأسر مترابطة وكذلك فعل رجل ياباني مسن حين قال له أنه يعلم أن الإسلام جيد لأن به ترابط وعلاقات إنسانية أما هنا في اليابان فلا يوجد مثل ذلك.
لقد من الله علينا بنعمة الإسلام التي يتضح لنا يوماً بعد يوم أنها المسار الصحيح للإنسانية مهما بلغت من تحضر وتقدم لأنه وببساطة بالغة هو أصل هذا التحضر الذي أوجده رسول كريم منذ أكثر من 1400 عام واضعاً بين يدينا ديناً يحث على التسامح وإرساء قواعد الأسرة والترابط والعاطفة التي ميزت أمة محمد عن غيرها من الأمم ورغم ما يسارع به الغرب من سير نحو آفاق التكنولوجيا والتقدم إلا أن تلك الحضارات تكتشف مع كل ذلك أن العاطفة والترابط التي فككتها تلك المسارات المتقدمة وتلاشيها أشد خطراً من أي خطر أخر لذا فهم يتلهفون لأن يجدوا من يطبطب عليهم ويوفر لهم حضناً دافئاً يلقون بداخله "بلاوي" نفوسهم وترسيبات عقولهم خشية الجنون أو الإنتحار فما فائدة كل هذا المال والثراء الفاحش والنجاح إن لم يصرف عنه آلام الوحدة وعذاب الإنتباذ والإنطواء فنحن في النهاية بشر من لحم ودم وإن خالفنا سنة الله في خلقه فإن الميزان يختل ولن نستريح إلا بالعودة إلى طبيعتنا الإنسانية فالحمد لله الذي أتم علينا نعمه وأصطفانا من بين عبادة بالرحمة والتراحم والتسامح والترابط والحب والمودة وعلينا أن نقر أن كل شئ خلق بمقدار فإن شططنا فيه حولناه إلى نقيصة وإن قللنا منه اختلت الطبيعة فالعيب ليس في العاطفة وإنما في هوى النفس الذي يستخدم تلك العاطفة في الإضرار بعباد الله والتجني عليهم بما لايرضاه الله لنا ولذا فإن العاطفة مثلها مثل غيرها من الصفات إستعمالها في غير ما خلقت له آفة ومضره واستخدامها بقدر الحكمة من وجودها خير ونعمة.
وفقي فكري