الأربعاء، 4 مايو 2016

رسالة قصيرة



في مساء هذا اليوم لم أحتمل برودة مكيف الهواء،رغبتي في أن أتنفس هواء طبيعي أقرب إلى رغبتي  من التنعم بالهواء البارد،أرسلت يداي تفتح بلهفة ناصيتي نافذة غرفتي،مساء هذا اليوم الصيفي يتوج نهار عاصف بالسخونة والرطوبة العالية،جمعت كل قوتي ولملمت رئتي ثم سحبت فلم أجد هواءً قط يعيد نفخ تجويف رئتي،نظرت للمارة من أعلى فلم أرى إلا رؤوس اختصرت تحتها أجساد بالية تتساقط أجزائها رويداً رويداً مع كل نقطة عرق تغادر كتل بشرية كئيبة عانت من نهار حار شديد الحرارة،وكأن السماء خلت من الهواء،عرفنا منذ الطفولة أنه لا فراع في الكون،إما كتل تشغل أحوزة فيما حولنا أو فضاء يملؤه هواء،وأيا كان الهواء بارداً أو ساخناً نشعر به،لكن تلك الليلة التي بدأت لتوها تخالف تلك القواعد،أول مرة أنظر فأرى فراغ لا يشغله شيئ،كيف هذا؟ كيف لا أشعر بنسيم الهواء يداعب جلد وجهي بلفحة تيار بارد يعوض عنا معاناه نهار قاسي؟ ولو حتى هواء ساخن من بقايا معركة الكون العنيدة طوال ساعات ماضية طويلة ؟ لا أشعر بهذا أو ذاك،هل اختفى الإحساس أم اختفى الهواء من الدنيا؟ هل شلت خلايا جلد وجهي أو حتى ذراعي فلم أعد أشعر بملمس تيار الهواء وهو يمر فوقها يجبر حناياها على الإستجابة ﻹنتعاشة تشبه طعم معجون الأسنان المختلط بالنعناع؟ لا أعلم ماذا حدث.
نظرت للأسفل مرة أخرى عبر النافذة أعاود متابعة خلق الله من الإنس والحيوان فاندهشت مما رأيت،الناس وكأنهم دمى ببطاريات جافة انتهى شحنها فتوقفوا بلا حراك، فركت بظهر كفي الأيمن عيناي ثم عاودت النظر فلم يتغير المشهد، الناس وكأنهم تحولوا لأصنام،لا شئ يتحرك،كل شئ ثابت،حتى الحيوانات والسيارات وكل شئ توقف تماما كأنما نزعت عنهم الحياه نزعاً على حين غرة وبدون مقدمات فتصلبوا كعود بوص جف في وسط الصحراء فصار صلداً لا يقدر على شئ سوى الإحتراق كل يوم في مواجهة الشمس.
أين الهواء وماذا حدث للناس والمخلوقات جميعها،هل أنا مت،هل غادرت الحياه أم هى التي غادرتني،هل نمت وها أنا احلم بكابوس مخيف؟ لا أعرف،لا أسمع صوتاً ولا أشم حتى رائحة تراب الشارع،تلك الملابس المنشورة فوق أحبال التجفيف في البلكونة المقابلة بالشارع لا يداعبها هواء ولا تتحرك وأصبحت هى الأخرى مثل الأخرين كلوح خشب يابس،الخنقة تزيد والتوتر يملؤ القلب والقلق يكاد يهزني هذا كالمصروع،الرعب يتسلل من جراء ما أراه ببرودة من أخصم أصابع أقدامي ويصعد في سرعة يصاحبة قشعريرة متزايدة،هل أنا ميت أم أني في قلب عملية للموت البطئ تسير بالتتابع نحو رأسي ولن تتوقف إلا مع خروج الروح؟ لا أعلم شئ.
خفت أن أفقد السيطرة على يداي فأسرعت قبل أن أتحول أنا الأخر للتيبس وأمسكت بجوانب النافذة وأغلقتها ثم أحكمت شد الستارة القماشية فاختفت النافذة خلفها وأمسكت بريموت المكيف وأعدت تشغيله وإذا بمسام جلدي تعاود الشعور بلفحة الهواء البارد وهى تداعب الشعيرات النابتة على طول أذرعي فأطلقت وجهي أعرضه للتيار وأنا أستمتع بعودة الحياه وفجأة تلتقت أذناني صوت ضجيج الشارع المعتاد وصوت منبهات السيارات وصياح البشر يقتحم جدران غرفتي فتنهدت تنهيدة راحة أزالت الخوف مني وهاجمت زلزال الرعب وردته لأسفل مرة أخرى فتوقفت القشعريرة وانتهى إحساس البرودة وانطلقت قدامي تجوب جوانب الحجرة فرحاً بزوال الكابوس ومع نهاية جفاف أخر ذرات عرق جبيني لمحت شاشة اللاب توب مازلت مضيئة وسطور تلك الرسالة القصيرة منتظرة أن أكمل كلماتها فأسرعت بغلق الشاشة وأويت إلى فراشي وحيداً واحتضنت وسادتي وغوصت في نوم عميق كعادتي وعادت كوابيسي كما السابق.

وفقي فكري