الجمعة، 13 يناير 2017

معلمون يدمرون أمة



كنت في غاية الاحباط حين علمت أن لجنة الإمتحانات التي تمتحن بها ابنتي بالصف السادس الإبتدائي كانت بالكامل تغش في امتحانات منتصف العام الدراسي.
أنا لا اتعجب من مراقبين من المفترض أن يكونوا قائمين على حفظ المجهود للطالب المجتهد حتى يجيب على الإمتحان ببراعة ويحصد الدرجات النهائية بمجهوده ويمنعوا الطالب المهمل من الإستيلاء على مجهود غيره ويضعونه في قدره الطبيعي لكني اتعجب من ضمير رئيس لجنة إن كان ترك اللجنة بكاملها تغش بعلمه فهو عضو فاسد وإن تمت عملية الغش من وراء ظهره فهو اختيار خاطئ لمسئول لا يستطيع أن يكون على قدر المسئولية التي كلف بها وإن كنت أرجح الإحتمال الأول.
إن من يروجون لتسهيل الغش في الإمتحانات إنما يقوضون مستقبل أمة ويدمرونها من خلال أساسها المتمثل في براعمها ولو حتى كانت عملية التعليم في بلدنا سيئة وضعيفة لا يصح أن نقضي على بعض الأمل من الأطفال الذين ننتظر عبقريتهم وتحديهم لهذا النظام العقيم ونجاحهم في القفز للنور،فقد أخرج التعليم المصري رغم تهالكه وضياعة على مدار تاريخه العديد من النماذج الجيدة التي تجعلنا نتمسك بالحق في أننا يوما ما سينعدل حالنا بمثل تلك النماذج الشاذة عن القاعدة العامة للتخلف والنمطية التي تزرع في النشئ الجهل والأمية.
حين كنت صغيرا في قريتنا بالدقهلية وتعلمت في مدرستها مررت بمواقف كثيرة من الغش في اللجان التي كنت امتحن بها ولكني أحمد الله أني لم اتأثر في حياتي لكنها حطمت أجيالا من أمثال جيلي وقبله وبعده وحتى اليوم تستمر عملية التدمير بنهج منتظم ثابت قد يرعاه العادة على الغش أو اعتقاد من يمارسونه أن ذلك يعبر بالتلميذ لبر الأمان أو ربما يعتقد البعض أنه حق مكتسب للطالب الضعيف حتى يجد فرصة للمنافسة أمام الطلبة المحظوظين في الحصول على دروس خصوصية أو ذوي القدرات العقلية الأكثر ذكاءً.
الحقيقة أني حين كبرت وفهمت علمت أن فطرتي في عدم الغش ربما خوفاً من المراقب وقتها أو ثقة في قدراتي المعقولة أو توفيقاً من الله في العموم لكنها في النهاية تجربة أثبتت لي أن الغشاش يستحيل أن ينجح ليس في الإمتحان ولكن في الدنيا بمفهومها الواسع الشامل.
لن أذكر لكم الأحاديث النبوية التي تذم الغش وتقبح الغشاشين فكل المعلمين بالتأكيد ذكروها لطلبتهم بشكل أو بآخر ولن تجدي تلك الأحاديث نفعاً مع من يرعون الغش ومن يغش ولكني حزين كل الحزن على معلمين وإداريين من المفترض أنهم ذو خلق وعلم وخبرة تمنعهم من تدمير أساس أمة وتقضي على مجهود معلمين آخرين محترمين وطلبة اجتهدوا وسهروا حتى يتفوقوا ويخرج أصحاب الرسالة السامية جيل يستطيع الطموح منهم أن ينافس على بناء وتطوير تلك الأمة.
أعلم أن مقالي هذا سيصفه البعض بأن من كتبه مغيب عن الواقع وهؤلاء هم من خلقوا ليسيروا في درب العادة وصدق فيهم قول الآية الكريمة "هذا ما وجدنا عليه آبائنا" وأعلم أنه سيكون هناك من سيقرأه وهو يبكي على هذا الوضع المخزي وهؤلاء هم من ما زالوا يملكون ضميراً يغذيه قلبا ينبض بين ضلوعهم وعلى هؤلاء الأمل.
للأسف يا سادة كل من ترك تلميذاً أو طالباً يغش في الإمتحانات هو عضو فاسد لا يحب هذا الوطن بل يكرهه ويدمره من أساسه سواء كان يعلم أو لا يعلم فهو مجرم ويندرج نموذجه تحت أخطر أنواع الفساد الإداري الذي ينخر في كل مؤسسات وطننا وتخرب مصيره وتمنع وتقضي على أي فرصة لنجاته مما هو فيه.
المعلم والمراقب التعليمي الفاسد خطره مثل خطر القاضي الفاسد لأنه يعطي الحقوق لغير مستحقيه ويظلم من اجتهد والتزم بالحق فوضعه سواء بسواء في نفس سلة الخائن والمهمل والظالم .
كاتب هذا المقال ولي أمر تلميذة بالصف السادس الإبتدائي ويتألم بسبب ما يحدث وما سيحدث دوما داخل لجان الإمتحانات من أعمال غش وتسيب تحطم آمال الطالب المجتهد وتضيع الحقوق وترعى الطالب المهمل حتى يأخذ مكانا ليس كفؤا به فيدمر مصالح المواطنين ويكمل دائرة الفساد في مجتمعنا الممتلئ بما لايحتمل من ويلات.
وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق