السبت، 28 سبتمبر 2013

وكالة التزويغ للتوزيع الخارجي


"من يوم ما قامت الثورة وإحنا حالنا واقف ولا فيه شغل ولا يحزنون" ، هكذا يشكو مدير قسم التوزيع الخارجي بالوكالة حاله إلي أحد أصدقائه عبر التليفون المنزلي قبل أن يهم ليعقد العزم علي الذهاب إلي الوكالة ، يشد الحاج مرتضي أزيال همته واقفاً في تباطؤ شديد ليغادر المنزل إلي عمله وقد ضاقت به الدنيا وخصوصاً بعد أن يأس من سيارته المتهالكة التي لم يلتزم الميكانيكي كالعادة في موعده معه ليصلحها وكم هو مهموم لأنه سيضطر إلي الذهاب إلي العمل اليوم بالمواصلات ، يقف مرتضي بوسط الشارع ليفاجئ وكأن بلاعة من الناس قد ضربت أمام منزلة ينتظرون ميكروباصاً يقلهم إلي محطة المترو ، يتصبب عرقاً ويحاول أن يجمع شتات قوته من اجل أن يحصل علي مقعد يحشر نفسه بداخله ليلحق بعمله وأخيراً ينجح في ذلك ولكن الضجر يتملكه حين يري الركاب يشتبكون بالصياح والإعتراض مع السائق لأنه يستغل الموقف وحاجة الناس ويرفع من الأجرة وبعد محاولات يمتثل الجميع لأمر السائق ويدفعون الأجرة ولكن السائق يسارع في قول جملته الشهيرة بكل رخامة واستفزاز " أخرنا هنا ياجماعه " والناس يتهامسون في ضجر ولكنهم في النهاية وللمرة الثانية يمتثلون للواقع ويكملون الطريق سيراً علي الأقدام ، يجرجر مرتضي أقدامه بهمة وسرعة ليلحق بالمترو حتي لا يتأخر عن عمله ولكن الطريق يملؤه الباعة الجائلون ويستولون علي أكثر من نصفه والناس يتزاحمون علي السير وهذا يضرب في كتف هذا ثم يعتذر وهذا يحث تلك علي الإسراع وهناك تاكسي يسد الشارع وبينه وبين بعض الأشخاص معركة لفظية لأنه ضرب الممر الضيق للعبور في مقتل وتكدست الناس والجميع يصرون علي المرور من الجانبين وأخيراً ينجو مرتضي من الزحام ويلحق برصيف المترو فيأخذ نفساً عميقاً يوحي بالفرحة علي الوصول فالمترو مهما كانت الزحمة به له مواعيد تقاطر والمهم أنه ضمن وسيلة مواصلات سريعة ، ينظر مرتضي إلي الساعة الكبيرة المعلقة علي أحد السواري برصيف المحطة فيجدها وقد دقت الثامنة ولم يأتي المترو إلي الرصيف ، لابأس فلينتظر بعض الوقت ، هذا لسان حاله ، ثم تمر عشر دقائق اخري ولم يأتي المترو والناس يتكدسون علي الرصيف حتي كاد أن ينفجر من حمل الاقدام ، مرت ربع الساعة ولا ظهور لصوت المترو فبدأ الناس يتهامسون ويسألون وتأتي الإجابة عبر الإذاعة الداخلية  بوجود متظاهرون يمنعون سير القطار وأن الشرطة تحاول إقناعهم بفتح الطريق وهذا سبب التأخير ، يتمتم مرتضي في ضيق وهو يقول " وأيه بس اللي خلاني أنزل النهاردة ما كنت أخدته عارضة وخلاص طالما العربية عطلانه " ثم يهرش في رأسه وكأنه يفكر ماذا يفعل ثم يقرر أن ينتظر حتي يأتي المترو ، وبعد طول انتظار جاء المترو واستقبله مرتضي في سعادة بالغة وتنفس الصعداء ويسلم مرتضي جسده إلي أمواج الركاب المتدافعين نحو القطار ليجد نفسه ملصوقاً بجوار أحد الأبواب ولا يعرف حتي كيف يتنفس ويمتثل للواقع ويصبر حتي تأتي محطة نزوله ويحاول في جهد جهيد أن ينزع جسده من بين الكتل البشرية المتلاصقة بكل قوة ويكاد ييأس من الوصول إلي الباب ولكن القدر وحده ساقه إلي الرصيف أخيراً ولكن بدون إحدي فردات حذائه الجلدي ولكن والحمد لله يلقي به أحد الركاب له من الشباك ، ينزل مرتضي إلي الرصيف ولديه رغبة شديدة في أن ينزل إلي الأرض ويسجد لله شكراً علي سلامة الخروج من المقبرة الجماعية التي مات بداخلها لبضع دقائق ولكنه يخشي أن يضحك عليه المارة فيبعد الفكرة عن خاطرة ويقول في سره " سبحان الله ازاي الناس بتتحمل القرف ده كل يوم الحمد لله ان أنا عندي عربية " يخرج مرتضي من المحطة مسرعاً إلي الشارع وقد أصاب ملابسه بعض الأذي ولكن لا بأس المهم أنه وصل أخيراً إلي مقر عمله ، ربما يكون قد تأخر لمدة نصف ساعة ولكن ليس مهماً  المهم أن العمل ينتظره ولابد أن يؤدي عمله ولا يعطله فالعمل أولاً ، يدخل مرتضي إلي باب مكتبه المكتوب عليه " وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويسلم علي كل مرؤوسيه الذي سبقوه طبعاً للحضور مبكراً ويستعد الجميع للعمل ، يرفع المدير سماعة التليفون الداخلي ويطلب البوفية ليحضروا له إفطاره اليومي فهو لا يكثر من الطعام فقط يحب أن يتناول خمسة سندوتشات مشكلة من الفول والطعمية والبطاطس مع قليل من المخلل ثم يحبس بكوب ضخم من الحليب المزود بالشاي الساخن ويختم كل هذا ببعض الكابوتشه ليساعد علي الهضم حسب إعتقاده ، وبالطبع فإن كل مرؤوسية العشرة قد سبقوه إلي مثل ذلك ومنهم من مازال يتناول إفطاره ، يبدوا أنه يوم جديد مليئ بالنشاط والحيوية والحرص علي العمل فالحضور كامل واليوم مازال في بدايته ، وفجأة تبدأ طاحونة العمل ، يتقدم إليه اثنان من العاملين بالقسم يطلبون الإذن في الذهاب إلي أحد العمليات القريبة ليوقع لهم العميل علي أمر الإستلام للطلبية التي استلمها أمس من الوكالة وينظر إليهم المدير بنظرة ثاقبة ثم يقول " استنوا شوية إحنا لسه بدري ده يمكن حتي العميل ملحقش يصل لمقر عمله ، وبعدين انتوا الاتنين هتروحوا علشان تمضوا العميل ماكفاية واحد " فيردوا بأن أحدهم سيذهب لتصوير أمر الإستلام قبل تسليمه وبعد تسليمه والأخر سيتولي متابعة توقيع العميل فيبادرهم المدير العام بقوله " بس مفيش عربية لأن عربية الشغل عطلانه النهاردة ، بُصوا روحوا بمعرفتكم وروحوا من بره بره مع السلامة " ويوقع مرتضي علي الأذون ويمضون ، من بعيد هناك ثلاثة أخرين يستعدون للتوجة إلي مكتبه وقد حملوا بأيديهم اذون أخري للذهاب إلي مصالح مماثلة ومرتضي يوقع لهم ، ويسارع إليه سادس بمفردة ليطلب إذناً للعرض علي طبيب الوكالة فيوافق له ويذهب ، ويدخل السابع ليحصل علي إذن شخصي لوجود ظرف طارئ لديه ولابد أن يغادر فوراً ، ثم ينظر مرتضي إلي البقية فيجد متبقي ثلاثة موظفين وقد جهزوا أنفسهم للمغادرة ، فواحد منهم يرجو المدير أن يسمح له بالإنصراف فاليوم هو يوم الخميس وهو علي موعد مع سفر طويل إلي قريته البعيدة فيرد عليه المدير بأنه لابد أن نتقي الله في عملنا وهو يوقع له والأخر يقترح أن يشتري بعض الأدوات المكتبية إلي القسم لزوم انجاز الأعمال بالقسم فيلقي ذلك استحسانه والثالث يطلب أن يتوجه إلي المكتب الرئيسي للوكالة ليسلم بعض الملفات التي كان قد كلف بها أمس ولكن الظروف لم تسمح له بسبب حدوث طارئ اضطره العودة إلي بيته دون أن ينفذ الأمر ، ويتلفت مرتضي سيادة المدير حوله فيجد أن المكاتب أصبحت خاوية من الموظفين وينظر إلي ساعة الحائط فيري أن الساعة مازالت العاشرة صباحاً فيتمتم بكلمات لا يسمع منها إلا همس الإعتراض والضيق مما يحدث ، ثم يعاود الإرتفاع بصوته محدثاً نفسه " وهو ده شغل والله ما أنا شغال أنا كمان " ثم يرجع بظهره ليتكأ علي مسند كرسية قليلاً وقد ألقي القلم الذي وقع به للجميع وهو يفكر في هدوء ماذا يفعل ؟ ، نعم أخيراً تذكر مرتضي سيارته المعطلة أمام المنزل وتذكر المعاناه التي لحقت به أثناء القدوم إلي العمل فينتفض فجأة من علي مسند الكرسي ويلتقط سماعة التليفون ويتحدث إلي سائق سيارة القسم ويطلب منه أن يجهز نفسه لأنه سيتوجه الأن إلي المنزل ويغلق الخط وهو يقول " مفيش فرصة أحسن من كده ألحق الميكانيكي بقي علشان يعملي العربية بدري بدري " ويقف ليهم بالخروج من المكتب ولكنه يتوقف للحظة يبدوا أنه يفكر في أمر أخر " يمسك بالتليفون الداخلي مرة أخري ويسال عن أحد ميكانيكية الوكالة ويطلب منه أن يلحق به عند سيارة القسم لأنه يحتاجه في مصلحة كما قال له في التليفون ، ويجمع مرتضي البقية الباقية من كرومبة الكابوتشه ويغلق لمبات القسم ويخرج منه مغلقاً خلفه الباب وهو يصرخ علي الساعي الذي يأتي إليه في تباطؤ شديد وقد أشغله تليفونه المحمول الذي يستمع فيه إلي أغنية " تسلم الأيادي " ومرتضي ينفجر في وجه الساعي " ما تهم يابني أدم ، تعالي اقعد في المكتب ولو المدير العام سأل عليا ابقي قوله راح يوزع طلبية مهمة بالخارج ويمكن يتأخر ولو مرجعتش ابقي اقفل الباب بالمفتاح اللي عند الأمن " ويغادر مرتضي المبني مسرعاً ليلحق بسائقه فالوقت بالنسبة له الان من ذهب والطريق مازال طويلاً ، ويقابل مرتضي علي مدخل العمارة أحد العملاء ويطلب منه استلام ملف الطلبية القادمة فيلوح له بأن يأتي غداً لأن لدية موعد عاجل ولابد أن يتوجه إليه الأن ويقترح عليه إن كان مستعجلاً علي الطلبية فليصعد ويترك الملف مع الساعي بالقسم ، ويغادر مرتضي المبني وقد اصابه الإرهاق الشديد من معركة اليوم في العمل ويفكر في أن يأخذ يوم الأحد القادم اجازة من العمل لأنه يرغب في الراحة والإستجمام فالعمل لن يطير ولو أنه يعلم أن غيابه سيؤثر علي العمل ولكن لابأس فربما يطلب مرؤسية يوم الأحد ليحضروا له أذون الإنصراف التي برغبون في توقيعها للبيت حتي لا تتوقف مسيرة النجاح ويتم تسيير العمل .
وفقي فكري

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

زعيم إلا ربع


يكتبها : وفقي فكري
جلست مع صديقي لبعض الوقت نتكلم في السياسة مع أني كنت قررت من بعد يوم 30 يونية وعزل محمد مرسي أن امتنع عن الحديث في السياسة ولا أدخل في جدل مع أحد لأن الحديث لن يثمر عن مكاسب  بالعكس ربما يحدث مشاكل أنا في غني عنها الأن ، لكنني لست متذكراً بالظبط السبب الذي جعلني اتنازل عن قناعتي مؤقتاً وأخوض معه في حديث السياسة ، ولكي تعرفوا خلفية كل واحد منا قبل الحديث فإن صديقي كان من مرشحين الفريق شفيق في انتخابات الرئاسة السابقة وانا كنت ضده ولم أجد أمامي إلا محمد مرسي في الجولة الأخيرة لأعطيه صوتي نكاية في شفيق أي أني من الأصوات العقابية التي حصل عليها مرسي.
المهم أخذنا الكلام عن الفريق السيسي والترويج الإعلامي الذي يرشحه حالياً لحكم مصر واختلفنا في نقطة هل يستحق الفريق السيسي أن يحكم مصر نظير لما قدمه للشعب من حمايه ضد كل التقلبات السياسية التي حدثت بعد الثورة وخصوصاً بعد ثورة 30 يونية التي قادها السيسي ضد الإخوان وهل يعتبر بذلك زعيم شعبي ويمكن أن نطلق عليه لقب وصفة زعيم ؟
صديقي قال انه رغم ان السيسي يستحق كل التقدير ويعتبر في نظره بطل قومي لأنه أنقذ مصر من الإخوان وأنه يعتبره بذلك زعيم تحتاجه الفترة الحالية ليعبر بمصر إلي شواطئ الامان إلا أنه يخشي عليه من الترشح للرئاسة خوفاً من أن يحرق في حالة ما كان سقف المطالب غير واقعية ولم يستطع أن يلبيها فتنطفئ زهوته وتحرق ورقته وأن الخطر ليس علي شخص السيسي ولكن لأنه سيدخل صراع الرئاسة برمزية الجيش ولو انطفئ تأثيرة فربما ينعكس علي الجيش كافة بالسلب ويؤثر علي العلاقة الطيبة بين الشعب وجيشه وهذا اشد ما يخشاه.
وبدت لي وجهة نظر صديقي منطقية وتحليله للواقع هو قمة الواقعية ورغم اني احترم السيسي واحترم جيش مصر لأنه حمي الشعب من كارثة سفك أنهار من الدماء أيام الثورة بانحيازة لصفوف الشرعية الثورية إلا أنني اختلفت معه من حيث اعتبار دخول السيسي معترك الرئاسة بصفة زعيم ، فالزعامة لها مواصفات ومتطلبات وظروف خاصة حال توافرها يمكننا أن نطلق علي من يعايشها تلك الصفة الفريدة ،فالزعيم دائماً ما يأتي من قاع المجتمع من بين صفوف الشعب ويعايش مشاكله حتي يستطيع أن يكون هدف غير تقليدي يسعي لتحقيقه ثم يكون هو السبب في التغيير حين يقود مسيرة التحول بكارزمة فريدة تستطيع أن تسيطر علي العقول للإيمان بمنهجه فيصير الجميع طواعية أمره لينفذ بهم أهدافه حتي ينجح في قلب الموازين وتحويل الدفة إلي التغيير وبذلك تكون الزعامة التي تبدأ فور تقلده قمة الحكم وبداية تطبيق ما خطط له بقوة دون النظر إلي المعارضين او المؤيدين فقوته وسطوته تجعل سفينة قراراته تمضي دون توقف.
 والأمر يختلف بالنسبة للفريق السيسي لأنه لم يقود مسيرة التغيير ولم يبدأها ولكن الشعب هو الزعيم الحقيقي الذي قاد ثورة بلا زعيم وسارت تتخبط عبر أمواج جامحة حتي كان القدر الذي وضع السيسي علي رأس الجيش ويتعرض إلي ضغوط مهولة من الشعب للتدخل وهذا ما أبرز دوره حين استجاب لصوت الشارع وأطاح بمرسي والإخوان دون رجعة فرسمه البعض بمساعدة الإعلام علي أنه زعيم ولكنه في النهاية رجل مصري وضعه القدر ليكون زعيم ينقذ الثورة من التخبط أو اللجوء إلي الحرب الاهلية .
ورغم أن صديقي كان صبوراً وهو يستمع إلي وجهة نظري إلا أنه عارضني في قضية الزعامة وظللنا نتحدث طويلاً يحاول كل واحد منا أن يقنع الأخر بوجهة نظره حتي وصلنا إلي طريق واحد وهو اعتبار السيسي شخصية متميزة ولكني فضلت أن أطلق عليه لقب زعيم إلا ربع وأني اتفق معه أنني لا أرغب في ترشحه للرئاسة ولكن ليس لأسباب صديقي وإنما لرفضي عودة مصر لحكم الجيش مرة أخري والقضاء علي حلم الرئيس المدني مع تقديري الكامل لمواقف الفريق السيسي ولكن الإختلاف لا يفسد للود قضية كما يقولون .












































































السبت، 21 سبتمبر 2013

ثورة تبحث عن زعيم


يكتبها : وفقي فكري
المتفحص للتاريخ لن يجد أن مشاهير التاريخ والذين تركوا بصمة علي صفحاته إلا رموزاً  للديكتاتورية والتسلط ، وفيما عدا هؤلاء الحكام من أصحاب الخلفية الدينية أمثال محمد (صلي الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين ومن تبعهم بحكم رشيد فإننا سنري أن هؤلاء البارزون كانوا يحكمون بلادهم بنظريات خاصة ، فمنذ فجر التاريخ لو أخذنا مثلاً للحكام فسنجد نعارمر موحد القطرين يضرب بيد من حديد علي من يخالف طموحاته في توحيد مملكته ، وفي التاريخ المعاصر نري نماذج كثيرة خلدها التاريخ تحت عناوين الزعامة لبلادهم أمثال نابليون بونابرت وهتلر وموسيليني وغيرهم وغيرهم ، وجميعهم كانت لهم نظرتهم الخاصة في طريقة الحكم حتي صار يطلق عليهم في التاريخ زعماء رغم ما قاموا به من تسلط وتجبر .
وفي مصر نجد الزعماء مختلفون ، فمن حفرت اسماؤهم بحروف من نور كان لهم اسلوبهم المختلف في وضع بصمتهم الخاصة والمؤثرة لخدمة وطنهم وشعبه ، فهذا أحمد عرابي الذي ذكر له التاريخ وقوفه أمام الخديوي توفيق ليقول له جملته الشهيرة " لقد خلقنا الله أحراراً ... "وهذا مصطفي كامل الذي قال "لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً" وسعد زغلول الذي كان من مقولاته الشهيرة "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة" وغيرهم وغيرهم الكثير ممن استحقوا أن يذكرهم التاريخ بلقب الزعماء لأنهم أحبوا وطنهم وصار دماً يجري في عروقهم فدافعوا عنه وظلوا يعملون من أجله حتي أخر نفس في أعمارهم .
واليوم وبعد ثورة تلاها موجة أخري منها أين نصيب مصر من زعماء الحاضر ، وأين من تمخضت عنهم تلك الثورة ليقودوا بنا دفة المسار إلي شواطئ الأمان .
إن ثورة 25 يناير لم تنجح أن تفرز لنا زعيم يستطيع أن تتفق عليه جموع الشعب المصري ويمتلك ملكة وموهبة توحيد القرار والبعد عن التخبط والضياع الذي نعاني منه الأن ، والسبب في ذلك يرجع إلي أمرين هامين ؛ أولهما أن الثورة المصرية عسكت نظرية الثورات في العالم ، فهي أول ثورة خرجت بحس شعبي جامح دون ترتيب أو تنظيم ، فلم يقودها فصيل أو جماعة ولم يحركها تيار بعينه مثل ثورات الجياع أو العمال أو حتي العسكر ، وإنما كانت عفويتها دليلاً علي عدم وجود تخطيط مسبق لها ، فالثورة المصرية الحديثة لم يتقدمها زعيم ولم تنتجه وإنما قامت وخفت قوتها دون وجود قائد يتولي استكمال المسيرة .
ورغم أنها أذهلت العالم فإنها تحولت إلي سوق من تجار السياسة ومبتدئيها علي حد سواء ، فتارة نجد شباب الثورة يحاولون تصدر المشهد فيفشلون بسبب استقطابهم من أصحاب النفوذ والقوة ، وتارة نجد جماعة تطفوا علي السطح تجرب فينا نظرياتها الفاشلة في القيادة فتلقي حتفها دون سابق انذار ، ثم نجد في النهاية الثورة تبحث عن زعيم فلا تجد إلا فلول من قامت ضدهم ليظهروا لنا مرة أخري بوجوه مستعارة لحماة الثورة ومطالبها .
متي كان السبب الرئيسي لقيام الثورة حماة لها ، ومتي ظن هؤلاء أننا سننخدع بمعسول الجمل وبريق الذكاء السياسي الذي اعتادوا وتمرسوا عليه ، هؤلاء دائماً مايحسبون المعادلة بالخطأ ، لأنهم يعتقدون أنهم يستطيعون الأن كسب الشعب باللعب بأوراق تمس الغلابه والفقراء سواء بالتلويح بإقرار العدالة الإجتماعية بتحديد الحد الأدني للأجور والإعفاء من مصاريف المدارس الحكومية والتصريح ببدء انطلاق مشروع المليون وحدة سكنية للفقراء وغيرها من التصريحات الرنانة التي تعطي الأمل والمؤشر علي التغيير ، ولكنه في الحقيقة فإن "ريما رجعت لعادتها القديمة كما يقولون" ومن خلف الستار يُعيدون بناء الدولة العميقة التي أزالت قشرتها الخارجية ثورة يناير وأثرت فيها بعض الشئ ولكنها لم تقتلعها من الجذور ، فالبنية التحتية للفساد مستمرة ومتعمقة أكثر من ذي قبل ، وطالما أن الاساس جيد فإعادة الوضع لأصله في منتهي السهولة بالنسبة لهؤلاء والسيطرة علي الأمور لن تستغرق إلا القدر اليسير من أجل العودة إلي فلك الماضي .
نحن نحتاج إلي زعيم حقيقي يخاف علي مصر ويحركه حبه نحو إنقاذ الوطن من اللصوص والمنتفعين الذي تجبروا أكثر من ذي قبل وعادوا للإنتقام ، والسبب وراء ضياعنا وتشتتنا حتي الأن هو صراع المصالح ، سواء كانت داخلية أو خارجية ، فمصر مخترقة من أبناءها أكثر من أعدائها ، وجميع من بالساحة الأن لا يعبرون إلا عن مصالحهم الشخصية ولو تفحصناهم جميعاً لن نجد منهم مخلصاً أو وفياً لوطنه .
اللهم ابعث لهذا البلد زعيماً وقائداً محباً له ومخلصاً لخدمته دون مقابل ، وقيد لنا من رجالك من ننتفع بقوته وقدرته ليوحد الصف الذي شق ويرأب صدعنا الذي زاد إنك علي كل شئ قدير .

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

شباب متمرد وشابات يائسات


يكتبها : وفقي فكري
يقولون أن شباب أي أمة هم زهرتها ومستقبلها ، وحينما يقولون علي أمة أنها شابة يقصدون أنها تمتلك ثروة شبابية أكبر بكثير من عجائزها ، فأي أمة وجد في تعدادها الشباب يستحوذون علي القاعدة السكانية الأكبر لديها فهي أمة شابة تمتلك الطاقة والحيوية والنشاط ويطلقون علي أروبا لقب القارة العجوزلأن أحد اسباب ذلك النسبة المرتفعة لكبار السن مقارنة بالتعداد الكلي لعدد سكان القارة ، فالشباب هم مجددون طاقة الأمم وبناءة عزيمتها وطموحها
ولكن في مصر الحال يختلف فطبقاً لأخر تقرير للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن عدد سكان مصر بالداخل (بدون حصر من بالخارج)وصل الى 85 مليون نسمة وأن نسبة عدد السكان فى الفئة العمرية ( 0 - 14 ) تبلغ حوالى 31 % بينما قدرت نسبة الشباب فى الفئة العمرية (15 - 29 عاما) 29% وبلغت نسبة السكان كبار السن ( 65 سنة فاكثر )4,4 % ، وبالتالي فإن مصر كما يقولون دولة شابه يمتلك الشباب فيها نسبة تتعدي الخمسون بالمائة ورغم ذلك نجد أننا أكثر دولة تستهين بتلك القوة وتهمشها وتبعدها عن المشاركة في تنمية مجتمعها .
قبل ثورة يناير 2011 عاش شباب وشابات مصر فترة عسيرة لاقوا فيها كل مظاهر كبت الطموح وقتل الموهبة ، فلم يجدوا تعليم ينمي مواهبهم ابتداءاً من التعليم الأساسي وحتي نهاية الجامعي ، فصاروا يعرفون مصيرهم قبل ان ينهوا حياتهم التعليمية ، فمن يملك الواسطة والسلطة وله أهل اثرياء هو فقط صاحب الحظوة والفرصة في أن يجد وظيفة مناسبة ، والمؤهل ليس شرطاً للحصول علي الوظيفة والعمل ، وهؤلاء كانوا قلة ويسمونهم أبناء الصفوة والمعارف ، أما غالبية شباب وشابات المجتمع المصري فإما يتحولون إلي التعليم الفني أو من يحصل علي مؤهل عالي يجلس بجوار والديه ينعي حظه والمجتهد منهم يعمل اي عمل حتي ولو كان غير مناسب ليحصل منه علي لقمة عيش تساعد علي المعيشة في زمن صعب .
ولاقي الشباب في تلك الفترة ضغوط نفسية رهيبة بدأت من رثاء الأجيال السابقة لهم علي حالهم وعزائهم علي صعوبة مستقبلهم ومرت بمظاهر حظر إبداء الرأي والإضطهاد للنشطاء منهم وتعودهم علي الروتين وعدم قضاء المصالح إلا بالرشوة والمحسوبية والواسطة ، فتعود الشباب علي البلاده والإحباط وتعايشوا مع حال مجتمع فاسد لايعترف إلا بالقوة في الحكم وفكر الدولة البوليسية العنيفة فزرع فيهم ذلك روح اليأس والإحباط والخوف وأصبح الشباب بلا هدف أو خطة نحو المستقبل .
واليوم وبعد مرور قرابة الثلاث سنوات علي ثورتنا والتي قام الشباب بالشرارة الأولي لها يوم 25 يناير ماهو حال شباب مصر ، وماهو حال مصر الفتية ؟؟
ربما يبدوا من خلال وسائل الإعلام الفاسد أن الثورة غيرت وجه مصر إلي الأحسن والأفضل من ذي قبل ، وربما يحاول الحكوميون ورجال الساسه تنميق وتلميع المنظر ووضعه في إطار أنيق براق ، ولكن الحقيقة غير ذلك مطلقاً والباطن أسوء بكثر من الظاهر ، فداخل المجتمع مازال الإضطهاد موجود بالنسبة للجميع وخاصة الشباب ومازالت سياسة الإبعاد هي المستمرة مثل عصر مبارك .
وليس ما أقوله مجرد كلام للنقد وفقط وإنما واقع أليم يشعر به القاعدة الكبري من الشباب داخل مصر ، وحينما أقول أن الإضطهاد والإبعاد والإقصاء هي سمة الفترة الحالية للشباب فإنني حتماً لا أقصد بذلك مجموعة الشباب السياسيون الذين يخرجون علينا عبر شاشات الفضائيات من شباب تمرد أو 6 ابريل أو الجمعية الوطنية للتغيير أو حتي شباب الإخوان وغيرهم من النشطاء السياسيون ، وإنما أقصد بذلك عموم القاعدة الشبابية الذين يمثلون نسبة الـ50% من مجموع حصر المجتمع ، فالتغيير لن يأتي من مجموعة شباب تحصي بالعشرات يلمعون عبر الشاشات والقنوات التلفيزيونية وإنما سيأتي من رغبة التغيير الحقيقي بعمل إحلال وتجديد لكل مؤسسات الدولة وغمرها بالشباب واعطائهم الحق في الإنخراط في خدمة مجتمعهم .
فليذكر لي أحدكم ميزة واحدة حصل عليها الشباب بعد الثورة ، ولنبدأ بالعد لبعض المشاكل وهل تم حلها أم لا ، هل نسبة الشباب العاطل بعد الثورة قل أم زاد أو بتعبير أخر هل زادت فرص العمل لهم ، هل تغير وجه التعليم لأبناءنا بعد الثورة ليخرج لنا مبدعون حقيقيون يفكرون ويخترعون وينمون وطنهم ؟
هل قل سن الزواج للشباب وهل توفرت المساكن لهم ، هل قلت ظواهر العنف من جانب الشباب وهل لدينا إحصائية تقول أن نسبة الإدمان والتطرف قلت بينهم بعد الثورة ؟
هل اختفت ظاهرة الرشوة والواسطة والمحسوبية داخل المؤسسات والهيئات ، وهل يستطيع الشباب أن ينافس الأن بعد الثورة علي فرصة عمل حقيقية بطريقة نظيفة دون تدخل من أصحاب القوة ؟
هل أطلقت حرية التعبير عن الرأي للشباب في الجامعات واصبح لهم حرية التنظيم الطلابي دون ضغوط وهل اختفت الملاحقات الأمنية لهم ؟
هل اختفي الإضطهاد والتعسف الوظيفي من قبل الرؤساء لمرؤوسيهم في المؤسسات الحكومية والهيئات وقطاعات الدولة المختلفة وأصبح الأن يستطيع الشاب المتميز بعمله أن يترقي ويصعد بوظيفته ليفيد مؤسسته ويلبي طموحه وأهدافه وليكون المقياس هو الكفاءة وليس المحسوبية أم مازال الحال هو الحال قبل الثورة ؟
في الحقيقة هناك العديد من الاسئلة التي يمكن لكل من يقرأ مقالي أن يطرحها الأن ويشاركني بسؤال لنعرف ونقيس مدي ماوصلنا له الأن وكيف أصبحت مصر الثورة .
وفي إيجاز بسيط أستطيع أن أقول لكم أن مصر القوية الفتية لم تأخد فرصتها لتعتمد علي شبابها وشباتها لينطلقوا بها إلي الأمام وإنما بالعكس مجتمعنا المصري مصر علي أن تجتمع كل أطراف اللعبة في يد أصحاب المصالح ، ولا يتوهم أحد بأننا أصبحنا مختلفون وأن الثورة أحدثت تغييراً في الواقع ، فبالعكس إن سألتني عن حال شبابنا وشباتنا فسأجيبك بأنني أري شباب متمرد علي ظروفه ولا يقبل النصيحة لأن من يلقون بها يحتاجون هم أنفسهم للنصح وشابات يائسات من أن يجدن فرصة لهم للتعبير عن أنفسهن وسط خليط من التخلف والرجعية والإضطهاد ، وسأقول لك بكل ثقه أن هناك الملايين من شبابنا يخرجون كل عام من الجامعات ليجلسوا بجانب أهلهم يتمنون فرصة عمل يرضون بها طموحهم ، وسنري أن التعسف والإضطهاد مازال موجود بقوة نحو الناجحون من الشباب في المؤسسات والهيئات المختلفة داخل الدولة وأن نجاحهم وتميزهم صار لهم نقمة وليس نعمة ، وأن الفساد والرشوي والمحسوبية والواسطة لم تختفي بل بالعكس زادت في بجاحه ووقاحة ظاهرة ومتحدية لكل من يتوهم أن مصر أصبحت نظيفة منهم .
لكم الله ياشبابنا وأعانكم علي بلد لا تعترف بكم ولا تنوي أن تعترف بكم وعليكم أن تنتظروا ثورة أخري قادمة عسي لكم أن تجدوا بها مكاناً تثبتون به حبكم لوطنكم وبلدكم ، فاحلموا إني معكم من الحالمين .

الجمعة، 6 سبتمبر 2013

استقيموا يرحمكم الله



يكتبها : وفقي فكري
غريب أن تجد في زمننا هذا مدير يعرف كيف يدير ، وطريف أن تعثر علي واحد من هؤلاء الذين يستطيعون أن يقودوا فريق ، ففي عصرنا هذا وفي بلدنا هذه قليلاً مانجد عقلية استطاعت أن تصل إلي منصبها بإقتدار الكفاءة في مهارة الإدارة ، فالذي يحكم مجتمعنا سياسة المصلحة وعلي قدر المصلحة تأتي المناصب ، فمن يعنينا أمره ونحرص علي تلميعه سيجلس علي مقعد من أحد مقاعد السلطة المختارة له خصيصاً ، ومن سينفذ سياستنا هو الفائز بمقعد في مقدمة قطار القيادة .
هذا للأسف منطق الساسة وأصحاب القرار في بلدنا مصر ، يحكمهم المصلحة وليس الكفاءة ، فالكفاءة هي أخر شروط شغل المنصب ومهما قيل لي من جمل معسولة وتصريحات رنانه تؤكد علي الكفاءة فإنني لن أصدق تلك الجمل المكررة لأنها تنافي الواقع ، والواقع أنني وغيري وكل الناس تعيشه وتذوق منه الشئ الكثير ، وباتت المناصب القيادية في كل الوظائف الحاكمة بالدولة للصفوة ، ويأس أصحاب الكفاءة أن يحصلوا علي مقابل اجتهادهم وعبقريتهم في أن يلاقوا نتيجة إخلاصهم وابداعهم من أجل وطنهم فدأبوا علي الفرار من مجتمع كرههم وخاف من مهارتهم ليشبعوا علمهم وكفاحهم بدول أخري لتجني تلك الدول ثمره ذلك ونجني نحن زيادة الفساد وترسيخ مبدأ الشللية والعصابة واللمة التي تكوش علي كل شئ .
فلقد مرت ثورة 25 يناير وما تلاها من موجات ولم تتغير العقيدة عند الشعب ، ولم يستطع أن يقلع جذور الفساد الإداري واستمرت المصلحة تسيطر علي مواصفات من يتم اختياره من أجل استمرار نمط حياة الشعر المصري الذي مازال يسير في ركب الفساد المستشري في كل دعامة من دعامات الدولة .
لقد عشت مواقفاً مع الكثير من المدراء والسمة المشتركة بينهم أنه لايوجد أي واحد منهم يستحق أن يشغل منصب مدير ، فصفة القيادة لدية مجرد كلمة لا يعرف معناها ، ومعظمهم يتخذ المنصب مغنم يعيش طوال جلوسه عليه يفكر كيف يحافظ عليه أطول وقت ممكن ولا يفكر في كيفية إدارة فريق العمل الذي يقوده من أجل النجاح ، فكل مايشغل عقله كيف يسيطر ويمنع أي شخص أخر من الوصول إلي ذلك الكرسي حتي وإن اضطر أن يؤذيه ويضطهده ويظل طوال فترة عمله يخشي أن يظهر من هو صاحب كفاءة ليمثل خطورة علي منصبه ، ويتخذ من منصبه وقسمه عزبة تخدم اهواءه ونزواته ويغذي غروره ويرضي أمراضه النفسية التي تسيطر عليه من حب سطوه وتكبر وعجرفه وتسلط وحقد علي النجاح .
لن تنجح ثورة مصر ولن يكون هناك تقدم طالما ظللنا نفكر في أنفسنا ونخشي علي كراسينا ومناصبنا من أجل السيطرة علي القيادة وإقصاء من عادانا حتي ولو كان صاحب كفاءة ومهارة ، وسنظل هكذا نأكل في بعضنا البعض ونحطم بعضنا البعض وفي حالة إقتتال داخلي ليستفيد الأخر وسنظل نتكلم ونحسن في حلاوة وطلاوة التصريحات الرنانة ونعاني من انفصام من الشخصية من أجل المناصب وسيظل حالنا هو الحال طالما ظللنا نفكر بنفس الأسلوب ونلف وندور حول بعضنا دون تقدم خطوة إلي الامام .
متي قدمت الكفاءة سنجد تقدم ، ومتي حكمتنا المصلحة حكمنا غيرنا ، فالأهواء والإستقواء النفسي سمة شعب دار في فلك الطمع وحب السيطرة فظل محلك سر فاستقيموا يرحمكم الله .