الاثنين، 25 مارس 2013

دراسة نقدية للهيكل التنظيمي الجديد لشركة المقاولون العرب



يكتبها : وفقي فكري
لقد لاحظنا عند مطالعتنا للهيكل التنظيمي الجديد لشركة المقاولون العرب بوجود قطاع كامل تحت مسمي قطاع المعلومات ، وهذا القطاع الضخم بالشركة يندرج تحته مركز معلومات الإدارة العليا ودعم واتخاذ القرار ، ثم نجد في نفس السياق إدارة تسمي إدارة تنمية الأعمال والدراسات الإستراتيجية ، ثم إذا ذهبنا إلي الإدارة العامة للموارد البشرية فإننا سنجد إدارة تسمي إدارة الخدمات والبحوث الإجتماعية .
دعونا أولاً نناقش فكر مركز معلومات الإدارة العليا ودعم واتخاذ القرار لنجد أنه رغم أن إسمه يرتبط إرتباطاً مباشراً بالإدارة العليا ممثلة في رئيس مجلس الإدارة لدعم إتخاذ قراراته علي أسس وتحليلات واقعية من بيئة العمل ، إلا أن الهيكل الجديد جعل بينه وبين رئيس مجلس الإدارة أو حتي نائبه الأول مالا يقل عن ثلاث مستويات وظيفية تحيل بين متخذ القرار ومدير هذه الإدارة ، وهذا أمر مستغرب كثيراً ويضع علامات استفهام كثيرة وضخمة عن أسباب ذلك ، وهل هذه المستويات الوظيفية ستؤثر بالسلب علي وصول المعلومة الصحيحة إلي رئيس مجلس الإدارة لتصبح مغايرة للواقع ، أم أن هذه الإدارة في الأساس لا تؤدي دورها المنوط بها وهو تجميع البيانات والمعلومات والعمل علي تحليلها وتقديمها في صورة حقائق وقياسات مقتضبة وميسرة لرئيس مجلس الإدارة لتساعدة علي اتخاذ القرارات المناسبة وفي الوقت المناسب ، أو أن تكون داعم ومحفز أساسي في خروج تعليمات أو قرارات بعينها في أوقات حاسمة ، أو أن تعطي فرص للتطوير والتحسين بالشركة ، ولكن كل مايبدوا من خلال هذا الهيكل التنظيمي الجديد شيئان لا ثالث لهما ؛ أولهما أن لا يكون دور حقيقي لتلك الإدارة طبقاً لما ذكرناه ، وبالتالي لا أهمية لتبعية تلك الإدارة تبعية مباشرة لرئيس مجلس الإدارة وثانيهما أن من وضع هذا الهيكل لا يعلم الدور الذي تقوم به تلك الإدارة ، وإن كنت أميل أنا شخصياً إلي الإحتمال الأول علي إعتبار أن مراكز المعلومات بالفروع والإدارات تحولت إلي مراكز كرتونية هدفها إرضاء قيادة الفرع والقطاع فقط من خلال تعديل الخطط المستهدفة طبقاً للأعمال ، وعمل تحليل للبيانات صوري غير واقعي ولا يمت للواقع بصله ، وانفصلت تلك المراكز عن واقع العمل فلم تعد قادرة علي تحليل بيانات الإنتاجية من حيث انتاجية العامل والمهندس ومعدل الإصابات والحوداث وغيرها من معلومات هامة تدخل علي برنامج دعم واتخاذ القرار الإلكتروني بأهواء شخصية لا تعتمد علي قياسات واقعية مستقاه من المشروعات فعلياً.
أما إدارة تنمية الأعمال والدراسات الإستراتيجية فتلك إدارة هامة جداً ولكن حالها من حال مركز معلومات الإدارة العليا ، حيث أن تبعيتها هي الأخري جاءت في مستوي وظيفي متدني بينها وبين رئيس مجلس الإدارة ، لما لتلك الإدارة من أهمية من حيث أنها منوطة في الأساس بدراسة سوق العمل وإعداد الدراسات الإستراتيجية التي تساعد الشركة علي اتخاذ قرارات التوسع والإنتشار للشركة بعد حساب المخاطر والمكاسب ، كما أنها تهدف إلي دراسات مالية وإدارية وفنية التي تعطي في النهاية توصيات هامة لمجلس الإدارة يمكن وضعها في الإعتبار أثناء الإستقرار علي خطو خطوات معينة تجاه سوق بعينها ، والمفاجأه في هذه النقطة أن الهيكل سقط منه إدارة التسويق بالشركة ولم تدرج مطلقاً علي هيكل الشركة ولا نعلم كيف حدث هذا ، وكان من المفترض أن تكون منبثقة من إدارة تنمية الأعمال والدراسات الإستراتيجية لما بينهما من ترابط ، فأين ذهبت تلك الإدارة وما هي تبعية العاملين كمسئولين تسويق ببعض الإدارات والفروع ؟!!!!
الأمر الثالث وهو إدارة الخدمات الإدارية والبحوث الإجتماعية ، وهذه الإدارة تقلص دورها من خدمة العاملين العاديين بالشركة إلي خدمة أولياء الأمر وأصحاب النفوذ بالشركة ، فبعد أن كان من المفترض أن تقدم خدماتها الكاملة إلي العامل وتستهدف راحته ومصلحته ، أصبحت تسعي فقط إلي توجية كامل خدماتها إلي خدمة اجتماعات المدراء والقادة وتشهيلها ، والإشراف علي تأجير السيارات والإستراحات وماشابه وبعض خدمات المصايف ، وبدلاً من أن تسعي إلي مساعدة العامل العادي في عمل بحوث إجتماعية تبين مدي حاجة العامل واستحقاقه معونات أو سلف أو منح من الشركة ، أصبحت تعرقل تلك البحوث وتصعب من انجازها وتدخل العامل في دوامة من الإجراءات الروتينية للحصول علي بضع جنيهات لا تسد رمق حاجته طبقاً لحالته الحقيقية ، كما أنها توقفت علي تنمية روح الولاء والإنتماء للشركة من خلال تنظيم ترابطات إجتماعية مثلما كان يحدث أمس من حيث توفير عروض لحفلات وعروض مسرحية وتسهيلات اجتماعية تود من ترابط العاملين العاديين بشركتهم .
ننتقل الأن إلي جزء أخر وهام بالهيكل التنظيمي الجديد ، ألا وهو "الجودة" ، والجودة جزء أصيل من عمليات الفحص والمراقبة والتدقيق وتنظيم العمل للخروج بمنتج جيد دون تكاليف مهدرة هدفها رضاء العميل والزبون ، وكان للجودة فيما سبق قطاع كامل مشترك مع البيئة والسلامة والصحة المهنية لما لهم جميعاً من أهمية كبيرة وتوحد في التطبيق والمراقبة والهدف ، ورغم ذلك فإننا فوجئنا بضم البيئة والسلامة في إدارة واحدة تابعة مباشرة في الإشراف للإدارة العليا متمثلة في رئيس مجلس الإدارة وهذا جيد وطبيعي من حيث التبعية ولكن المستغرب حقا هو فصل إدارة الجودة عن البيئة والسلامة ومنعها من التبعية المباشرة لرئيس مجلس الإدارة ، كما أن ضمها إلي قطاع الإستشارات الهندسية والمعامل أمر غير مفهوم ، فما هي العلاقة الفعلية بين الجودة والإستشارات والمعامل من حيث طبيعة العمل ؟!!!!!
إن الجودة في الأساس وطبقاً للهيئة الدولية لتوحيد القياس ISO وطبقاً لجميع أصدرارت المواصفة العالمية ISO 9000 فإنها تحتم إلتزام الإدارة العليا بالتبعية المباشرة لها ، لما لها من أهمية واستقلالية في الفحص والمراقبة والتعامل مع الجهات الدولية المانحة لشهادات المطابقة ، وهذا الهيكل لا يحقق ذلك المطلب الإلزامي وجعل بين تلك الإدارة وبين الإدارة العليا العديد من المستويات الوظيفية .
إن ما حدث من تعديلات بالهيكل التنظيمي الجديد للشركة من تراجع في إدارة مركز معلومات الإدارة العليا ودعم واتخاذ القرار وإدارة تنمية الأعمال والدراسات الإستراتيجية يؤكد علي نظرية تحول مراكز معلومات الشركة إلي مراكز كرتونية هدفها تحلية المعلومات وتقديم تحليلات غير واقعية تؤدي في النهاية إلي تشوية القرارات .
كما أن تجاهل حفظ مكان لإدارة التسويق بالهيكل التنظيمي للشركة يوحي بتهميش دور تلك الوظيفة وعدم وعي بأهميتها ودورها في دراسة أسواق جديدة وجذب عملاء جدد خصوصاً في ضوء تأخر دور إدارة العلاقات العامة وتحولها إلي بوق لخدمة مجلس الإدارة فقط وليس كيان الشركة ككل .
كما أن تهميش الجودة وفصل تبعيتها – كما الحال بالبيئة والسلامة- للإدارة العليا يقلل من شأنها ويخالف القواعد الدولية لتطبيق النظم ، ويهدد تنافسية الشركة علي العطاءات الدولية الجديدة من حيث إلزامية متطلبات الجودة والتوافق الدولي لها ، خصوصاً في ضوء إرهاصات فتح أسواق جديدة للشركة مع شراكات محتملة مع شركات دولية خصوصاً بالسوق العراقي والليبي والعربي عامة وشراكات أخري مثل الشراكة مع الشركات التركية .
هذا جزء من النظرية النقدية للهيكل التنظيمي الجديد ونقاط الضعف به والتي نسعي من خلالها إلي تسليط الضوء علي بعض النقاط التي تحتاج إلي تعديل ونلفت إليها انتباه الإدارة العليا بغرض تعصيف الأراء وتبادل وجهات النظر من أجل الخروج بافضل الأشكال لهيكل عام قوي وفعال ومؤدي لوظيفته الرئيسية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق