الأحد، 21 أبريل 2013

كم اشتاق لطفولتي



يكتبها : وفقي فكري
كم اشتاق إلي طفولتي ، وكم تشتاقون جميعاً إلي مثل اشتياقي ، فمن منا لا يعيش أحلي ذكريات الطفولة حين يري أطفاله يلعبون حوله بكل براءة وإقبال علي الحياه ، من منا لا يري في أطفاله نسخة مصورة من طفولته السعيدة ، تلك الطفولة التي لم نكن نعلم منها إلا اللعب والمرح والسرور ، لم نكن نطلب فيها إلا الحنان والرعاية والإبتسامة ، كلمة جميلة كانت تفرحنا ، وهدية صغيرة كانت تجعل قلوبنا ترقص من السعادة ، ابتسامة بسيطة ومسحه علي الرأس كانت تشملنا بكل الأمان وحضن عابر كان يلفنا بالطمأنينه والإستقرار.
عندما كنا صغار لم نكن نعرف من الطريق إلا الطريق إلي محلات الهدايا والحلوي ، ولم نعرف من القول إلا الصدق والصراحة والتلقائية ، وما سرنا إلا متعلقين بأيدي أبوانا ، فأيديهم كانت لنا كل المستقبل ومنتهي الطموح ، نمنا علي حلم إشراقة النهار لنلعب ونمرح ونجري في كل مكان ، ويمر النهار ويأتي الليل لننظر في أعالي السماء نراقب القمر ونتفحص النجوم ونحلم معها بالطيران إلي أقصي ارتفاع لنمسك بأيدينا النجوم ونهديها لكل من نحب .
من منا لم ينام علي حكاية جميلة من أم أو جده تروي له قصة خيالية شيقه وهو يتابع بشغف كل جملة تكشف عن سطر جديد من حكاية ترسمها بخيالك حتي يداعب النوم جفونك وتهوي إلي واد سحيق من نوم عميق بلا كوابيس مزعجه أو قلق وأرق يجافي النوم عن عيونك ، يأتي علينا العيد فنخرج لنشتري لبس جديد ونظل نعتني به ونحافظ عليه حتي ليلة العيد ننام وقد أخذنا حذائنا بحضننا ، نحلم ببزوغ الفجر ونستمع إلي التكبير والتهليل ونجري نحو الشباك نفتحه لنتأكد بأن الفجر قد لاح وأن العيد قد جاء ، ننظر في الطرقات نتابع من يسير ونظنه سيسبقنا إلي العيد ، تداعبنا أمهاتنا وهي توقظ اخوتي وتقول "قوموا قبل العيد ما يمشي" نظن حقاً ببراءة الأطفال أن العيد سيتركنا ويغادر دون أن نفرح به ونمرح معه ، نسرع في ارتداء ملابسنا الجديدة وحذائنا الجديد ونتوسل إلي أبينا ليأخذنا معه إلي الصلاة في الساحة الكبيرة ، ونغدوا من الصلاة طالبين من أبينا أن يشتري لنا البالونات الملونة ، ونعود لأمنا بسرعة ولهفة نحكي لها ما رأيناه في العيد وما اشتراه لنا أبينا .
كم هي سعيدة الطفولة ، وكم كانت أيامها لا تعوض مهما مررنا في كبرنا بمواقف جميلة فلن تضاهي ما كنا نشعر به من أحاسيس ، لقد كانت براءة صافية كما خلقها الله عز وجل دون تغيير ، لم يلوثها بعد الخصال السيئة ، ناصعة البياض لم يشوبها قط أي صفة ذميمة أو أوصاف قبيحة ، لم نكن نعرف ماذا تعني كلمة الكذب أو النفاق ، وما المقصود بالحزن والإكتئاب ، كنا نعيش من أجل الحياة ، أقصي أحلامنا هدية ، وقمة سعادتنا فسحة ، وأقصي ما نفكر به الإستمتاع بلعبة مع الأصدقاء والجيران ، كنا حين نغضب نبكي وحين نفرح نضحك من قلبنا .
الأن لا نصحك إلا مجاملة ، ولا نبكي إلا داخل قلوبنا فقط دون أن يشعر بنا أحد ، آهاتنا تحطم جدران قلوبنا ، وخوفنا يحيط حياتنا ، والمستقبل لا نري منه إلا الضباب ، أخذتنا الدنيا فصرنا نكذب ونخادع ونماطل ، سحرتنا الحياة فأصبحنا نلف وندور في ساقيتها بلا توقف ، سرقتنا الدنيا في دروبها وتوهنا بين تلال مشاغلها فلم نعد نري من بعيد إلا جبال الهموم وقمم المتاعب ، لم تعد هدية تفرحنا ولا ملبس ينعشنا ، أصبح الطموح يحرمنا من أي فرحة بتحقيق نجاح ، وصار الطمع في المزيد يمنعنا من أن نكتفي أو نرضي بالقليل ، أصبحت الدنيا هي مبلغ علمنا وغاية هدفنا فلا نسمع إلا لغة الأرقام ولا نعترف إلا بورق البنكنوت .
كم أنتي عجيبة أيتها الدنيا نحلم بأن نكبر وعندما نكبر نتحسر علي الصغر ، نصيحة لكل أب وكل أم اجعلوا أطفالكم يعيشوا طفولتهم كما يشاءون لأنهم سيعيشون كبرهم بعد ذلك كما تشاء الدنيا ، فليتذودوا  بطفولتهم لمواجهة شيخوختهم لتستمر الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق