السبت، 7 فبراير 2015

سـجـــق مـفـخــخ - قصة


- بسرعة لو سمحت يا سيادة النقيب معندناش وقت
- حاضر يا فندم واحنا من إمتى بنتأخر عن واجبنا
- ربنا يوفقك يا مدحت أنا عارف أنك بتحب شغلك وبتضحي علشانه بروحك
- أشكرك يا فندم..أنا دلوقتي جاهز معايا بدلة المفرقعات وكل الأدوات وجاهز يا فندم
- طب يلا بينا
كعادتهم كل يوم يقدمون أرواحهم فداءً للوطن ففي كل صباح يستيقظون بجملة تجري على ألسنتهم مجرى الريق من الحلق "لا إله إلا الله" فلا مأمن من غدر الموت في أي لحظة مهما كانت الإحتياطات فالحافظ هو الله ولا راد لقضاءه وقدره مهما كانت التحصينات وعمليات التأمين ولكن هذه المرة الأمر مختلف عن سابقتها،لقد اعتاد رجال المفرقعات أن يتلقوا بلاغات عن سيارات مفخخة أو قنابل بدائية الصنع أو عبوات ناسفة محلية الصنع وكافتها إلا السيارات المفخخة تعتبر عمليات قد ينتج عنها وفيات قليلة في حالة لا قدر الله انفجرت قبل وصولهم أو نفذ أمر الله وهم يحاولون تفكيكها.
ركب النقيب مدحت السيارة مع قائده اللواء محمود الذي يحرص دائماً في التواجد في قلب المعركة مهما كانت الظروف رغم أنه يمكن أن يظل في مكتبه يتابع الأمر عن بعد حماية لنفسه وكذلك تتيح له وظيفته،لن يلومه أحد أن يطبقها إن لزم الأمر ولكنه كان يقول دائماً "ليس بأحد أفضل مني..قد ألقى الشهادة مثلكم ونتجاور في الجنة"
- ربنا يستر يا مدحت النهاردة البلاغ غريب
- أيوه يافندم أول مره يجيلنا بلاغ عن وجود ديناميت شديد الإنفجار داخل محطة مترو جمال عبدالناصر،تفتكر يا فندم ليه التطور ده في العمليات على أرض الواقع
- أعتقد يا مدحت إن الأمر مرتبط بترتيب دولي خاصة بعد تطور العمليات اللي نفذوها قبل كده في سيناء
- أيوه يافندم بس ده في سيناء،ليها ظروفها، إزاي قدروا يدخلوا ديناميت للقاهرة
- يا مدحت البلد كانت سايبه الفترة اللي بعد الثورة وكل حاجه دخلت ويمكن اللي دخلوا الديناميت خبوه لحد ما تجيلهم أوامر بتصعيد عملياتهم والظاهر إن الأمر جه
- بس يا فندم ممكن كمان يكون دخل في شنط دبلوماسيين،حضرتك أكيد سمعت تصريحات معالي وزير الداخلية
- أياً كان الأمر يا مدحت إحنا أدها وأدود ومش هنيأس وزي ما قال الفنان أحمد حلمي "إحنا 100 مليون ومش هنخلص مهما عملوا" هاهاهاها
مدحت لم يتجاوب مع ضحكة مديره وظل شارد الوجه يتمتم بالشهادة كعادته في كل مرة يخوض فيها تجربة مواجهة الموت وبعد الإنتهاء من مهمته يحمد الله على فضله وكثيراً ما يناديه أصدقاءه داخل الإدارة بـ"العائد من الموت" لكثرة مواجهاته الساخنة مع القنابل والعبوات الناسفة حتى استبدلوا اسمه بهذا اللقب.
- يلا يا مدحت أهو إحنا وصلنا ربنا معاك يابطل
بلا أدنى كلمة يهرول مدحت خارجاً من سيارة الشرطة مندفعاً إلى سلالم المترو كمن شل عقله على إثر فقد ابنته بين الزحام ،لا يوجد أمام عينيه إلا إبطال مفعول الديناميت قبل أن يتأذى أحد فقد تعلم أن حياته أهون عليه من حياة الأخرين.
************
- استنى يا رخم لما نشوف مكتوب أيه في الجرنان النهاردة
- يلا ياعم حموده الله يكرمك ورايا شغل تاني
- إنت يا واد يا عكاشة مش شغال في الهيئة بتاعة النضافة بتشتغل أيه تاني يا منيل
- وهما الكام ملطوش بتوع النضافة بيجيبوا حاجه ياعم حموده
- لو مش عاجبينك يا خويا سيبها لغيرك وبعدين ما انت بتلقط رزقك من على كوبري أكتوبر انت فاكرني مش عارف
- الله يسامحك يا عمنا إنت تظن فيا الظن الوحش ده..أنا مش بتاع شحاته ياعم حموده وعموماً بقى اللي يكرمك خلصني علشان عندي شغل كمان شوية وهتأخر عليه
- بتشتغل أيه تاني قول يالئيم
- هو انت دايماً كده حاطط مناخيرك في كل حاجه اخلص ياعم حموده زهقتني أبوس رجليك تخلص
مازال حموده يمقق عينيه في أحد صفحات الجرائد ولا يعير عصبية عكاشة أي اهتمام،يدقق في الصفحات مثله مثل المثقفين تماماً إلا أنه يفرق عنهم في الشكل والمضمون وبما أنه لا داعي للحديث عن شكل حلاق من زمن فات وانتهى،فهو دائماً في مضمونه يحب أن يقرأ صفحة الفن ثم أخبار الكورة وبعدهما لا علاقة له بأي شئ أخر وكان يقول دوماً للزبائن من أبناء حيه الغلابة الذين يتسغلون شكك عم حموده والحلاقة على النوته إلى أن يسهلها ربنا "في يوم من الأيام هكون حلاق النجوم وحياة أمي لهسميه صالون النجوم وبكره تشوفوا يا منطقة".
- بص كده يا واد يا عكاشة استقرالي الخبر ده
- خبر أيه بس يا عم حموده علشان خاطري إحلقلي وخلصني بقى المدير بتاع الفندق قالي لو جيت مره تانية بشعرك طويل همشيك من الأمن
- طب بس بص والنبي شوفي مكتوب أيه في الخبر ده أصله مكتوب بخط صغير وبعدها هخلصك هوا
عكاشه في قرف من حموده : هات يا حاج خلينا نخلص
بدأ عكاشة في القراءة:
" وزير النقل: اشتراك مجاني لمدة عام لمن يبلغ عن عمليات تخريبية بمرافق الدولة"
سكت عكاشة أخيراً وكف عن الزن فوق رأس الأسطى حموده ولمعت عيناه وتسمرت يديه في وضع إمساك الجرنان بكلتا يديه مواجهاً لعينيه وشلت كل جوارجه ولم يعد يتكلم وربما يكون الجرنان قد كهربه حموده ليتخلص من زن عكاشة وها هو الكهرباء جعلته قطعة من صلصال لتمثال كئيب وضع في ركن لا يراه أحد.
- مالك يا واد يا عكاشة اتسمرت في مكانك ليه كده ما تقرا يا ولا فيه أيه في الجرنان
مازال عكاشة مسبهلاً وفمه مفتوحاً نصف فتحه،ملقف هواء في بيت أثري قديم يخرج روائح العفن من فمه على الناس من أثار إلتهام سندوتش طعمية تصبيره تقويه على مواصلة الوردية المسائية في شركة الأمن في تلك اللحظة قد يكون ضمير حموده استيقظ أخيراً وأراد أن ينزع "كوبس" الكهرباء ويكف عن صعقه خوفاً على حياته.
- ولا يا عكاشة ربنا يهدك...مالك ياولا
أخيراً نطق عكاشة والحمد لله
- استنى بس ياعم حموده
- فيه أيه ياولا هو فيه أيه في الجرنان وغوغشتني
عكاشة ترك الجرنان من يده وقام من على الكرسي وأمسك بالأسطى حموده وأجلسه مكانه وحموده لم ينطق بكلمة واحدة من شدة الإندهاش،الخطأ عند الحلاق كان عليه أن يعلم أن الكهرباء الزيادة وإن لم تقتل فبالتأكيد ستلحس مخه وهذا أكبر دليل:
- اديني دماغك يا عمنا
- أيه يا عكاشة هو انت اللي ناوي تحلقلي ولا أيه
- أنا مش بس هحلقلك ده أنا كمان هاخليك تجدد المحل الأيل للسقوط ده...قولي يا عم حموده مش إنت كان نفسك تدي المحل ده وش جير نضافة لزوم استقبال النجوم
- ياريت ياعكاشة
- طب تعمل أيه للي يدهنلك المحل كله ببلاش وعلى حسابي ياعم
- مالك يا ولا إنت دماغك ضربت...هو انت حيلتك حاجه
- اسمعني بس ياعمنا الخبر ده بيقول إن الحكومة عملت مكافآه للي يرشد عن قنابل في أي حته وهياخد مكافأه اشتراك سنه في المترو والقطر وأي وسيلة مواصلات
- طب وايه يعني وإحنا مالنا
- إزاي مالنا يا حجيج ده مالنا ونص أنا هقولك مالنا إزاي...إديني ودنك

*********

- كل حاجه متأمنه يا ابراهيم
- أيوه ياباشا أخلينا المحطة وقفلناها وأمنا المكان
- طب كويس قولي هى الحالة فين
- إلبس الأول البدلة سعادتك يا باشا أهم حاجه عندنا سلامتك
يرتدي النقيب مدحت البدلة المضادة للمفرقعات ويساعدة أمينا شرطة للتأكد من اكتمال تأمين الضابط وتوافر كامل الإحتياطات
- يلا يا عبدالصمد يا بني اخلص مفيش وقت
- حاضر يا باشا خلاص كده تمام
يطلب اللواء محمود من مدحت التروي: لازم تتأمن كويس يا مدحت متستعجلش مش عايزين يحصلك-لاقدر الله- زي ما حصل لزميلك الله يرحمه بلدك محتاجاك يا بني
- متقلقش يا فندم ربنا يستر
- قطعتوا الإتصالات عن المنطقة يا سيادة الأمين
- ايوه ياباشا جهاز التشويش شغال وأتأكدنا إن مفيش أي شبكة موبايل واصلة للقنبلة
- طب تمام على بركة الله
في تلك اللحظات وفي مثل تلك المواقف تتجمد الدنيا وتسكن الحركة ولا يشعر خبير المفرقعات إلا بتركيزه ينهال عليه كإلهام متصل يقوده إلى طرق حل لغز القنبلة ففي كل مرة دائماً ما تكون هناك مفاجأت والحكمة مثلما تقول لك لا تجادل الجاهل لأنه سيغلبك بجهله فإن السوابق أكدت أن لا نأمن غباء من صنع عبوة ناسفة خاصة لو كانت بدائية أو محلية الصنع لأنها غالباً ما تحوي كثيراً من الأخطاء القاتلة وإلا فلماذا ينفجر كثيراً منها في صانعها قبل أن ينجح في زرعها في قلب هدفه.
يقطع الصمت الرهيب صوت متردد:
- يا باشا... يا باشا...ياباشا
- مين ده أنا مش قولت المحطة كلها تتخلي أيه ده يا عبد الصمد
يقترب عكاشة من النقيب مدحت بلهفة :
- يا باشا أنا مش غريب أنا اللي بلغت على وجود القنبلة
- مش وقته ابعدوا الراجل ده من هنا دلوقتي...اطلع بره دلوقتي وبعدين نتكلم،يمسك عبد الصمد بيد عكاشة ويبعده خارج حيز ومدى القنبلة وهو يتمتم بشتائم ربما سببها أنه سيلقى جزاءه من النقيب مدحت بعد أن يفرغ من مهمته،ومدحت قد أصبح وشيكاً من قنبلة الديناميت ويبدأ في استكشاف المهمة بهدوء وبطء كالعادة لابد أولاً من عملية الإستكشاف لمعرفة أسرار القنبلة والتعرف على طبيعتها وعمل حساب للأخطاء الفنية لدى من صنعها،في تلك الحالات لابد من حساب كل شئ حتى الخطوة لها قيمة،خطوة تجعلك تلقى حتفك وخطوة تنجيك من الهلاك وعليك أنت أن تختار.
أخيراً فتح الشنطة السوداء التي بداخلها الهدف،فترة تروي واستكشاف مستمرة وبعصا صنعت خصيصاً لتلك الظروف يفحص مدحت الهدف،بالفعل صباعين من الديناميت متوسطا الحجم،يخرج منها سلكين أحدهما أحمر والأخر أزرق وفي نهايتهما وضع مؤشر دائري الشكل ولكن المفاجأة التي اكتشفها مدحت أنه لا يوجد موبايل متصل بالهدف والمؤشر أيضاً متوقف،إذا كيف سيتم تفجير العبوة.
لحظة تأمل قصيرة ولكنها بالنسبة لمدحت طويلة بالقدر الذي استطاع معها استنباط إحتمال قد يقلب الموازين خاصة وأنه أثناء التحليل لمح في نهاية أحد صباعي الديناميت عند مخرج السلك الأحمر تجويف ناتج قطع وكأن أحدهم أكله وهذا يثير شكاً كبيراً فالديناميت دائماً ما تكون له هيئة مستقيمة مصبوبة بشكل معين اسطواني متساوي الأطراف والإستطالة وكأنه صباع عسلية،هل هذا عسلية،اقترب ضابط المفرقعات أكثر من الشنطة السوداء بعد أن اطمئن إلى حد ما بأنه لا توجد وسيلة تفجير عن بعد سواء بالموبايل أو بالتايمر المرفق لأنه معطل فلا دليل لوجود محفز يساعد على بدأ تسلسل الإنفجار.
أمسك مدحت الصباعين بكلتا يديه واللواء محمود يحملق من بعيد بدهشة كبيرة مما يقدم عليه مدحت من مجازفة تخالف قوانين السلامة واحتياطات التأمين فقد اقترب الضابط بشكل مخيف للديناميت بل وأمسكه بكلتا يديه وبدأ يرفعه وفي تلك اللحظة نادي اللواء محمود بأعلى صوته على مدحت:
- حاسب يامدحت الديناميت كده خطر
ومع النداء أخذت كافة الفرق الأمنية الموجودة بالمحطة وضع مفاداة ناتج الإنفجار الوشيك واللواء محمود لف يده اليمني ثم أنبطح مسرعاً على الأرض وأغمس رأسة بين ذراعيه وقد أحكم إغلاق أذنيه حتى لا تتأذى طبلتها وانتظر سماع الصوت ولكن شيئاً لم ينفجر.
أخرج محمود رأسه من بين يديه بحذر يستكشف الموقف وهو مازال يتردد في النظر فغذا به يرى مدحت يمسك بالديناميت ويفك عنه أشرطة سمنية اللون وكأنه يقشر برتقاله بعشوائية بدون استخدام سكين:
- ده سوسيس يا فندم مش ديناميت
- نعم سوسيس؟
-أه واللهي يا فندم
وحمل مدحت السوسيس وتوجه للواء محمود الذي مازال مرتاباً في الأمر وفي وضع الإستعداد للإنفجار وأذنيه لا تصدق ما يقول مدحت وبدأ في تفحص صباع الديناميت الذي تجول بقدرة قادر إلى سوسيس
- تصدق يا محمود فعلاً ده كمان سوسيس مقلي تيجي ندوق
- لا يافندم أنا بحب البلدي وعايزه من غير بهارات
مع هذه الجملة انفجر اللواء محمود ومعه مدحت الذي جلس على رصيف المحطة في الضحك وانتشر الخبر وتحولت مهمة مواجهة الموت الجديدة إلى مسرحية كوميدية تفرج حجم التوتر الذي كان يسود الأجواء منذ لحظات فقط،أكمل النقيب محمود خلع البدلة الواقية من المفرقعات وهو ينادي على الأمين ليحضر له عكاشة ولكن اللواء محمود يومئ لمدحت بترك هذه المهمة له والتفرغ لخلع البدلة الثقيلة والتحرر منها.
- تعالى يا عكاشة كلم سيادة اللواء
- حاضر يا باشا...ربنا يحمي مصر يارب...الحمد لله يا باشا فككتوا القنبلة
- لأ لسه شوية يا عكاشة أصلها ناقصة سوا
يلف اللواء محمود يده اليمنى حول كتفي عكاشة ويتمشى معه بضع خطوات على الرصيف ويبدأ في استجوابه حول عملية التبليغ عن السوسيس.

**********
بعد 6 ساعات بمقر جهاز الأمن الوطني:
- قولنا بقى يا اسطى حموده الحكاية من طقطق لسلاموا عليكوا أحسن ما احنا اللي نطقطق رقبتك
- حاضر ياسعادة البيه الظابط بس أنا واللهي مليش دعوه هو عكاشة اللي عمل كل حاجه
- قولنا أيه يا حموده،اتكلم بدل ما نقل أدبنا عليك ونزعلك...يلا قول يا حبيبي
- بص يا بيه عكاشة كان جاي يحلق عندي،ماهو أنا عقبال أملتك كده عندي صالون حلاقه أد الدنيا
- اخلص وبعدين
- حاضر يابيه،لما الواد عكاشة جالي يحلق شاف خبر في الجرنان من يجي أسبوع كده إن سيادة معالي الباشا الوزير قال إنه هيعمل اشتراك مترو وقطر مجاني لكل اللي يرشد عن وجود قنبلة والواد عكاشة ده حالته ضاربها السلك...واللهي الواد ده يا بيه غلبان
- المهم كمل يا زفت
- جاتله الفكرة إننا نعمل كده موضوع كُلِشن كان ونبلغ عن وجود قنبلة في المترو علشان ناخد المكافأه..والله يا بيه كانت نيتنا حلوه يا بيه ومش قصدنا حاجه
- قومتوا فكرتوا تجيبوا سوسيس وتعملوه ديناميت وتحطوه في شنطة سودا
- بالظبط يا بيه بس هو مش اللي بتقول عليه ده...ده اسمه سجق افرنجي أنا جبته من عند الواد سليم بتاع اللحوم المستوردة عندنا في المنطقة
- هيه وبعدين كمل
- أنا اشتريت السجق وعكاشة جاب بكرة اللزق الورق العريضة وقالي هتاخد السجق ده يا عم حموده ومعاه بكرة اللزق وتدخل المحطة عادي وتقعد على كرسي وتلف اللزق على السجق لفه حلوه وترشق فيه السلكتين دول المتوصلين بالعقرب ده وتخرج ولا من شاف ولا من دري وأنا عليا الباقي بس أنا مكنتش موافق يا سعادة البيه وقولتله كده غلط يا واد يا عكاشة
- طب لما انت عارف انه غلط ليه وافقت
-اصل يابيه هو أقنعني وقالي ده سجق مش هيعمل حاجه ووعدني أني أول لما هرجع المحل هلاقي حيطانه مدهونه بالجير وزي الفل علشان استقبل فيه نجوم الفن والمجتمع،أصل سيادتك مش واخد بالك اني إن شاء الله هستقبلهم عندي في المحل
- لأ يا خويا ما انت هتستقبلهم بس جوه طره...هاتولي الكلب اللي اسمه عكاشة
يدخل العسكري وبصحبته عكاشة وقد ظهرت عليه معالم التظبيط طبقاً لأصول الوظيفة داخل الأمن الوطني وبالكاد يستطيع أن يجر قدمية مع العسكري
- تعالى يا أبو الأفكار النيره...أيه ياواد الأفكار دي..يلوح الضابط بيده كنوع من أنواع التأكيد على إنبهاره بأداء عكاشة فتصدر من عكاشة ردة فعل عكسية لا إرادية تعلمها ونفذها كثيراً منذ دقائق حين كان يتم تجهيزه على يد أصحاب الواجب لمفاداة لطمة على وجهة أعتقد أنها أوشكت أن تصطدم بخده الأيمن كعادة الساعتين الماضيتين ولكن هذا لم يحدث
- مالك يا زبالة...متخافش إنت مش محتاج ضرب انت مستوي جاهز،قولنا بقى يابطل بتجيب الأفكار الجهنمية دي منين

- أنا يابيه معملتش حاجه والله أنا أصلاً معرفش أنا هنا ليه
- والنبي يا حيلة أمك مش كفاية معطلنا ومخلينا سايبين شغل أهم منك بكتير يا تافه وفي الأخر بتقولي معرفش حاجه،طب متعرفش مين ده..يشير الضابط إلى حموده
- لأ معرفوش يا باشا
- واد يا عكاشة الله يحرقك إنت بتتنكر مني يا ولا..يغضب حموده من إنكار عكاشة له ويمسك شفته السفلى في تعجب
- يعني متعرفش ابن حتتك..طب مفيش مشكلة..ينادي الضابط على العسكري ويأمره بأن يأخذ عكاشة حتى يتذكر حموده
- لا خلاص يا بيه افتكرته
- طب يلا يا شاطر طالما الذاكرة بقت عندك نشطه كده قولنا التفاصيل كاملة لموضوع السجق ده
- والله يا بيه أنا راجل غلبان..بدأ يبكي عكاشة وفي تلك اللحظة ينهال الضابط بكف يده بكل قوة على خده الأيمن فتجف دموعه ويفقد الذاكرة مؤقتاً ولا يسمع إلا صوت طنين في أذنه اليمنى وإحساس نمل يسير تحت جلد وجه من الجانب الأيمن ويصرخ
- خلاص حلاص يابيه أنا هقول على كل حاجه
أخيراً وقف عكاشة وبجواره حموده يحكيان ما حدث في تناسق جميل يشبه لحن بيتهوفن لأحد سيمفونياته الرائعة إلا أن اللحن كان أحياناً يتحول إلى ضجيج مهرجانات حين كان يحاول عكاشة أن ينكر شيئاً مما فعله تخفيفاً من العقاب ويرد عليه حموده بكل بلاهه ليذكره بما حذفه عمداً أمام الضابط فيتشاجران تشاجر ديوك لا ينهيه إلا كيل من سباب بأقبح ما يسمعه إنسان وتبريقه لعيون الضابط توحي بالإهمام بالصفع إن لم يتوقفا عن الصياح.
- كويس كده يا فالح يعني نهار ما تحب تاخد مكافأة تعمل الهبل ده أهو انت هتاخد بس فيها يا حيلة أمك...جملة أنهى بها ضابط الأمن القومي السيمفونية التي عزفتها أوركسترا عكاشة وحموده بعد أن اطمئن لمعرفة كافة جوانب الحكاية
- يعني دلوقتي نقدر نروح يا بيه...جملة يلقيها حموده في بلاده شخص غبي لا يكاد يستوعب حتى أين يقف ومدى خطورة الموقف في حين أن الإعياء قد تمكن من عكاشة حتى جعلة يقف مترنحاً غاية ما يتمناه أن يلقي بجسده على الأرض حتى لو كانت أرض زنزانة المهم أن يفقد الوعي بضع ساعات بعد ما حدث له من إهانة .
- تروحوا!!!،لا والله مينفعش إحنا عارفين انكم بتحبوا السجق وعازمنكم على طلب كومبو بسلطاته وبابا غنوجه...ينادي الضابط على العسكري لاصحابهم إلى الحبس فيصرخ عكاشة الذي عاد من عالم البرزخ ودبت فيه الروح فجأه قائلاً:
- والله ما هنعمل كده تاني بس سيبونا نروح يا باشا
- تروحوا..هو المرواح كده بالساهل ده انتوا مرصوص ليكم شوية تهم أقلها تحبسكم 10 سنين خد عندك:
تهمة البلاغ الكاذب وازعاج السلطات
ترويع المواطنين
تكدير الأمن العام
تعطيل مصالح المواطنين
تعطيل مرفق حيوي وتعريضه للخطر
تعريض الأمن القومي للتهديد...
وغيره بقى كتيييير من التهم لسه اللسة طويلة
ده بقى غير التعويضات اللي هترفعها عليكم وزارة النقل والتعويضات اللي هيطالب بيها المواطنين وشوفوا بقى هتدفعوا كام
في تلك اللحظة بالكاد حموده يفتح فمه ولا يفهم أي شئ سوى جمل يستعرضها الضابط تمر أمام أذنه ولا يفقه منها شيئاً رغم أنه متأكد أنها لغة عربية أما فمه المفتوح على مصرعيه فقد تحول ملقف لأي ذبابة مكتئبة تبحث عن مدفن مظلم تنتحر بداخله
نظر حموده إلى عكاشة وهو يقول:
- كل ده علشان قليت السجق وبهرته أمال لو كنت عملته بصلصة كان حصل أيه...ياباشا أنا مش فاهم حاجه من كل الحاجات اللي سيادتك قولتها
- صراحة يا حموده طلبية السجق عجبتنا أوي وعلشان كده ناويين نكافئكم..انهاها الضابط وهو ينادي على العسكري ليسحبهم إلى مرقدهم المؤقت لحين العرض على نيابة أمن الدولة العليا.
أفضل شئ في حموده أنا لا يفهم ما يحدث حوله ولكنه بعد لحظات ستفهمه صفعات المخبرين التي ستنهال عليه من صوب وحدب أما عكاشة فيعلم تماماً أنه ولأول مره تحول إلى إرهابي للسجق وأصبحت أول صفحة في سجل ملفه داخل جهاز الأمن القومي ملحظة بأجزاء السوسيس المتناثرة على صفحاته وبين بلاهة حموده وعنف ضابط أمن الدولة ولستة التهم التي سردها الضابط على مسامعه فقد عكاشة السيطرة على أعصابة وعلى عقلة فانطلق لسانه في عفوية وضياع سائلاً الضابط سؤالاً أخيراً:
- ألا قولي يا باشا إشمعنى الفنان عادل إمام خلع من مجمع التحرير بعد ما جابوله كباب وكفته وإحنا لأ
ضحك الضابط لأول مره وتنازل عن حزمه وتكشيرته العبسية ورد في بديهية مواطن شاهد فيلم الإرهاب والكباب عشرات المرات:
- علشان عادل إمام بطل مجتمع ياروح امك لكن إنت جزمه ولا تسوى
مع تلك الجملة سار عكاشة وحموده مع العسكري في استسلام ويأس وحموده يجذب عكاشة من بقايا قميصه الذي كان يوماً قميصاً وهو مازال لا يفهم ويقول: ياواد ياحموده ما تقولي يا ولا هو السجق معجبهومش ولا البهارات كانت زيادة فينظر إليه عكاشة في ابتسامة يائسة ويلوح له بكلتا يديه معرباً عن لامبالاه بسؤاله ويأس من أن يفهم ومابين الشد والجذب والإعتراض واللامبالاة واليأس تبدأ ملامحهم في الإختفاء بين أحشاء دهاليز مبنى الأمن القومي وتضيع معالم مواطنين حلموا يوماً باشتراك مترو مجاني فحجزت لهم زنزانه إقامة كاملة داخل سجن طره.
ينادي الضابط من بعيد قبل أن يختفوا تماماً ويقول:
- نسيت أقولك يا عكاشة حموده كان بيلف السجق باللزق العريض وهو قاعد تحت كاميرا المراقبة وكله كان متصور...المره الجايه ابقى اختار شريكك صح ده لو لسه ليك في العمر بقيه.

***تـمــــــت***
وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق