الأحد، 16 نوفمبر 2014

ضابط المرور ونظرية وش القفص



مبدئياً وقبل أي كلام،هذا المقال كلفني كتابته 50 جنيهاً مصرياً،وهذه ليست المره الأولى التي يدفع فيها صحفي مقابل ليحصل على معلومة ثمينة،أو يدخل مغامرة غير محسوبة من أجل أن يصل إلى هدفه،ولكني اليوم دفعت الـ50 جنيهاً على سبيل المخالفة،أي نعم مخالفة مرورية بسبب عدم إرتدائي حزام الأمان،وأنا لا أعفي نفسي من الخطأ،فهو "راكبني راكبني" كما يقولون،ولأن ضمير قانون المرور لا يفهم انشغال الذهن بأمور قد تكون سبباً في ارتكاب المخالفة،مثل أن تكون تقود سيارتك مثلاً وأنت تنظر إلى خلفية فتاة مثيرة تسير بجوارك فتتفاجئ بسيارتك وقد لبست في المجاورة لها أو التي أمامها أو خلفها،أو تكون في مثل حالي تفكر في الإعلان الذي نزل بالجرائد اليوم على لسان وزير الإسكان يعلن فيه بمانشيت بالبونط العريض عن بدأ باب الحجز في وحدات سكنية لطبقة متوسطي الدخل بمقابل 400 ألف جنيه، وماكان يشغل عقلي وأنا أقود هو كيفية تدبير الألف جنيه المتبقية لأتمم الـ400 ألفاً وأذهب لألحق أو لا ألحق وحدة لقطة من تلك الوحدات،فمن الطبيعي والسهل على ما أعتقد أن يستطيع موظف مثلي من المنتمين للطبقة المتوسطة أن يدخر 400 ألف جنيه من تحويشة وظيفته بعد مصاريفه ومصاريف بيته وذلك في خلال سنه،إلا أنني وكما تعلمون لأني شاب مستهتر وسطحي فلم أستطع أن أحوش هذا المبلغ في سنه، وينقصني 1000 جنيه فقط هم الذين جعلوني شارد الذهن وأنا أقود سيارتي اليوم حتى أفقت وياليتني ما أفقت،وأنا واقف في إشارة ميدان دوران شبرا انتظر فتحها فإذا بالدنيا تنشق وتخرج علي بأمين شرطة أول من أبو ثلاثة شرايط يمسك بدفتر مخالفات ويطلب رخصي ورخص سياراتين أخرتين كانت الصدفة التعيسة قد جعلت القدر يضعنا في مقدمة الإشارة،ليدون لنا مخالفة عدم إرتداء حزام الأمان،اللعنة على التفكير اللعين الذي أخذني إلى شقة الأحلام وأنساني أني في دولة تحترم القانون،نزلت وتحاورت مع الأمين،قالي لي إما أن تدفع خمسون جنيهاً الآن أو أن أسحب الرخص وتعطل نفسك يوم وتذهب للنيابة تدفعهم 300 جنيه،بالتأكيد سيادة الأمين خيرني ما بين السهل والصعب،وهو يعرف أنني مثل كل المصريين سأختار الأسهل،أجبته بأنني كنت متوقفاً تماماً عن الحركة ومنتظر الإشارة ولا داعي لارتداء حزام الأمان،قالي لي القانون بيقول كده،قلت له لماذا لم تفحص مئات السيارات التي خلفي وتركتها تمر وأنت ترى قائدوها لا يرتدون الحزام،فقال لي عندما أنتهي منكم أذهب لأفحص غيركم وكل واحد ونصيبه،وفي تلك اللحظة فتحت الإشارة ومئات السيارات عبرت وبالتأكيد كلها غير مرتديه حزام الأمان،ولكن حظي العسر هو ما وضعني في مهب عاصفة المخالفة،قدر الله ومن يستطيع أن يهرب من قدره،بالتأكيد لم أعطيه الخمسون جنيهاً لأني اكتشفت حين سألته أن الدفتر للباشا الضابط المتوقف بعيداً فطلبت أن نذهب له ويوقع الإيصال أمامي وقلت له مداعباً "علشان أبروزه لأني تبرعت بـ50 جنيه لمصر" ثم قلت له "تحيا مصر"،فرد علي وقال "تسلم الأيادي"،بالطبع إصراري ولباقتي مع الأمين ثم مع الضابط حين طلبت منه أن يعرفني باسمه الثلاثي جعلهم في ريبة من أمرهم خشية أن أكون شخصية مهمة،فتراجع الأمين قليلاً ثم بدأ ينظر في خانة الوظيفة في رخصة قيادتي وكانت المفاجأة،المفاجأة أني أعمل في شركتي أخصائي ترميم أثار طبقاً للبطاقة الشخصية ولأن السادة المسئولين في وحدة التراخيص ثقافتهم على "أدُهم" فقد فضلوا أن يكتبوها في الرخصة أخصائي ترميم أثاث،بكل تأكيد أنا أشعر الآن بمدى النشوة التي شعر بها أمين الشرطة حيت فوجئ أن من يتحدث معه ليس إلا مجرد نجار فصيح،ورغم أني أحمل كارنيه للصحافة آثرت ألا أظهره حتى لا أتهم ذاتي بالفساد عن طريق إقرار مبدأ التمييز،فابتسم لي وناولني الرخص في شجاعة وثقة في النفس وهو يقول مع السلامة ياباشا،كم أشعر بسخرية ابتسامته التي تعتبرني الآن مجرد مجنون مر عليه.
خلال فترة خبرتي بالقيادة التي امتدت على مدار 10 سنوات فقط حدث لي عدة مواقف مع جهات المرور،اثنتين منهم في عهد مبارك واثنتان في عهد السيسي،أما الموقفين اللذين حدثا معى في عهد المخلوع مبارك فكان أولهما مخالفة حررت لي على الطريق الدولي بين دمياط وبورسعيد حين تخطيت السرعة المقررة ببضع كيلومترات مما جعل أول كمين يوقفني بواسطة أمين شرطة ويراودني على دفع 50 جنيه رشوة مقابل أن يتركني أعبر وأعفى من دفع القيمة الحقيقية للمخالفة وهى 150 جنيه ولأني وقتها فكرت أنه من الأفضل لي أن أعاقب وأدفع 150 جنيه كامله لتدخل في جيب الدولة،لأنها بالتأكيد ستعود لي في شكل خدمات،أفضل من أن أضع خمسون جنيهاً في جيب مرتشي فاسد أساعده على التمادي في فساده،طبعاً هذا التوجه كان تحليلاً خاطئ مني فقد اكتشفت أنه في الحالتين مقابل المخالفة تصب في جيب فاسدين،همهم تقفيل دفاتر المخالفات فقط مثلما حدث في موقفي اليوم،ولأني تصرفت بحسن نيه أعجبت الضابط،الذي أصررت كعادتي أن دفع لديه المخالفة مما جعله يندهش من أمري ويدفعه ضميره الحي لأن يحذرني من وجود رادار أخر على بعد 50 كيلو من هنا،وهو الأمر الذي أنقذني أن أدفع مخالفة أخرى،الموقف الثاني كان حين كنت أعمل في محافظة المنيا بعد تخرجي مع شخصية مرموقة في القضاء المصري وكنت عائداً لبلدتي بالأرياف في الفجر فغلبني النوم ولم أستيقظ إلا وأنا ملقى على وجهي ناحية كبوت سيارة الأجرة التي أركبها ويتم تفتيشي تفتيشاً كاملاً كأعتى المجرمين،بالطبع في هذا الموقف كنت هالك لا محالة إلا أن كارت الشخصية المرموقة الذي كان معي منع الضابط من أن يعاملني بأسلوب غير لائق وانتهى الأمر،أما الموقفان في عهد السيسي، فكان أولهما ماحكيته لكم في بداية المقال،أما الثاني فكان على النقيض من كل مواقفي الثابتة،فقد ذهبت لأجدد رخصة سيارتي وأضطررت لدفع رشوة لمهندس الفحص قيمتها 50 جنيهاً،ولا أدري ما السر وراء رقم الـ50 الذي يلاحقني في كل مكان،ولكني في النهاية رضخت للمهندس ودفعت الرشوة ووقع على أوراق الفحص بدون أن ينظر حتى للسيارة وجددت الرخصة.
مما سبق وعلى طريقة المعطيات والنتائج في مادة الهندسة أو المعادلات الكيميائية يتضح لنا أن دولة الرشوة مازالت وستظل موجودة وبانفراد تام دون منازع على قمة الساحة المصرية،لماذا،لأنها الأسهل والأسرع والأقوى في التعامل ولا تحتاج مناهدة ولا وجع دماغ،فمثلاً هل الأفضل لك أن تدفع رشوة بسيطة تفتح لك كل الأبواب المغلفة أم تعطل مصالحك وعملك من أجل أن تتردد على المصلحة لتنجزها وماهى بناجزه،إذاً دولة الرشوة هى الأسهل كما قلت،كما أن دولة "الكارنيه غلب الجنيه" هى الأخرى في تنافس دائم مع نظرية الرشوة وترسخ لنظرية "وش القفص"،فلو صادفت يوماً موكباً لفرح يبرطع في قلب طريق عام ويعطل المرور أمام أعين رجال المرور فتأكد أن هذا الفرح "تبع" شخصية هامة تحمل الكارنية أبو باسورد جهنمي في بلدك مصر،بالتأكيد ستجد لدى ضابط الشرطة-مثله مثل بقية طوائف الشعب التي تبرر دائماً أسباباً مقنعة لمخالفتها القوانين- ستجد لديه لسته من أسباب تسهيل المصلحة أو باسمها المباشر "الرشوة"،فمبرراته أن قروش المرتب لا تكفي للحياه،وأن الحياه صعبه،والعيشة مُره ياباشا،وغيرها من الأسباب الكثير،وبالتالي الرشوة مازالت وستظل هى ملكة التعاملات بمصرنا.
نصيحة أخيرة للحكومة قبل أن تصدروا القوانين ثم تغلظونها ابحثوا عن الأسباب الحقيقية وراء التجاوز،أصحلوا نفوس هؤلاء،أجعلوهم يعملوا بصدق وباحترام،فما أهمية القانون الذي يقضي بالحبس طالما وجدت فرد شرطة يسهل لك المرور من الإتجاه المعاكس دون محاسبة،مافائدة أن يقف ضابط كل هدفه هو إنهاء دفتر مخالفاته بعشوائية على أصحاب السيارات الملاكي في الإشارات داخل المدن وهناك آلاف سيارات النقل تحمل ضعف حمولتها تدمر طرقنا ولا تجد من يحاسبها،ضيفوا فوق قانونكم قوانين أخرى،بل قل مئات من تلال القوانين المغلظة لن تستطيعوا أن تحققوا الإنضباط لأن النفوس فاسدة والعقول خربة والرقيب فاسد وهو ثغرة المخالفين،وأخيراً أنا أعترف وأقر بخطأي لأني فكرت في الشقة أم 400 ألف جنيه وقدت سياراتي وأنا مهموم مسائلاً نفسي من أين أحصل على الألف جنيه المتممة لمبلغ الشقة ففوجئت بأمين الشرطة يسألني أن أدفع للدولة خمسون جنيهاً غرامة تفكير في شقق الإسكان المتوسط لأكفر عن ذنوب كل المصريين من أصحاب الطبقة المتوسطة.
وفقي فكري  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق