الاثنين، 10 نوفمبر 2014

دنيا الموظفين وعالم القرود



صدق الراحل مصطفى محمود حين قال أن الفجوة ستزداد بين دول العالم الثالث والعالم المتقدم بسبب سياسات تلك الدول نحو التمكين وليس تطوير إمكانات  شعوبهم حتى سيأتي يوم يكون الفارق فيه بين تلك الدول ودول العالم المتخلف كما بين عالم الإنسان والقرود، وزادت معاناتي حين أجد هذا الكلام يتحول إلى حقيقة ونساهم فيه مساهمة فعالة ونحن مدركين ومرتاحين البال،فقد أصبحنا نتلقي كل يوم خبر جديد من دول أخرى أطلقنا عليها مجرات أو كواكب بعيدة عن دولنا مثل كوكب اليابان مثلاً الذي تأتينا منه كل يوم تقليعة جديدة نتعجب منها ونعقد الحاجبين ونفتح الفاه استغراباً لعادات وتقاليد لم نعد نشاهدها عندنا إلا في أفلام الخيال العلمي،ومن أمثلة تلك الأخبار الخبر الذي قرأته اليوم عن شركة فرنسية تمنح عاملاً لديها من أصل عربي علاواته كاملة رغم غياباته الطويلة بسبب مرض زوجته لكي يستمر في تقاضي راتبه كاملاً غير منقوص،وبالطبع فقد قامت الشركة بهذا الفعل بعد أن تبرع له زملائه في العمل بـ362 يوم من رصيد أجازاتهم بعد أن استنفذ كل رصيده لجلوسه بجانب زوجته المريضة،وبالتأكيد في كوكب فرنسا يتيح القانون الآن للموظفين التنازل عن أيام من أجازاتهم للأخرين داخل نفس المؤسسة.
نأتي الآن للحديث عن وضع الموظف المصري من خلال تطبيق ذلك على العاملين بشركة المقاولون العرب،تلك الشركة التي تنتمي للصف الأول من حيث الترتيب العربي والأفريقي ولها تصنيف عالمي بين كبريات الشركة العالمية،رغم ضخامة حجم أعمال الشركة وتنوعه وانتشارها في أرجاء المعمورة من خلال شبكة فروعها الخارجية وضخامة حجم العاملين بها ليتعدوا الـ70 ألف موظف وعامل إلا أنك ستجد داخلها العامل ما زالت تتم معاملته بلائحة داخلية عفى عليها الزمن ترجع للربع الأخير من القرن العشرين،فمازالت البدلات تحسب القروش والمنح والسلف نفس الحال،بالإضافة إلى تهميش دور العامل الذي يعد هو الركيزة الأساسية في الشركة وتعمد تحطيم نفسيته والإنحدار بها إلى أسفل سافلين،تعالوا نقارن رصيد الأجازات للعاملين بالشركة ومايحدث فيه بقصتنا عن عمال الشركة الفرنسية التي تحدثنا عنها،عندنا من يحصل على أكثر من يومين في الشهر اجازة حتى وإن كانت ظروفه مطينه بطين يتم الخصم من راتبه وفي بعض الإدارات من يغيب يوماً واحد فقط في الشهر يخصم منه كذلك وهذا كله على حسب هوى السيد مدير الإدارة،من يمرض أو يصاب ويحصل على أجازة مرضية يتأثر راتبه وبشدة وكأنه يعاقب على تفانيه في عمله وتضحيته من أجل شركته ووطنه،في فرنسا يمكن التنازل عن الأجازة الفائضة عن حاجه الموظف لزميله ولكن عندنا في الشركة ورغم أنك لن تستطيع أن تستفيد من رصيد الأجازات التي تمنح لك من قبل الدولة بسبب تعنت المدراء وقلة السماح بالحصول عليها حتى وكأنهم يعاملونك كآلة لا تتعب ولا تحتاج لراحة مشروع يمنحها لك القانون،يتم في نهاية العام حذف كافة رصيدك من الأجازات والبدء في العام الجديد على صفحة بيضاء،وإن سألت عن رصيدك يقولون لك اللائحة تقول ذلك رغم أن ذلك مخالف للقانون،وطبعاً السيد المدير هو عين القانون ومنفذه.
جائتني اتصالات كثيرة من زملائي العاملين بالشركة وخاصة هؤلاء الحرفيين أصحاب المهن الحرفية داخلها يطلبون مني أن أكتب عن معاناتهم من تفريق المدراء لديهم في تقييم الراتب الشهري لهم واتباع أساليب المحسوبية لأشخاص معينين هم من يحصلون على أعلى درجات التقييم المالي دون غيرهم،فالحكايات كثيرة والتباين بين المرتبات لأبناء المهنة الواحدة كالفارق بين السماء والأرض والحجة في حرية تقييم المهندس أو المدير بلا مراقبة أو محاسبة من أحد،اتصل بي أحدهم من ورش العامرية بالأسكندرية يروي لي عن تعنت المدراء معهم لأنهم قاموا بتنظيم مظاهرات في بداية العام الحالي مطالبين بتنفيذ بعض مطالبهم المشروعه،ورغم أن رئيس الشركة لبى بعضها واعتبرها مشروعه إلا أن هؤلاء المدراء مازالوا يعاقبونهم على تجرؤهم في تنظيم تلك المظاهرات،فقد شكى لي هذا الزميل من أن كافة المهندسين الذين يملكون أمرهم يديرون لهم ظهورهم في حالة الشكوى ويصمون أذانهم عن سماع شكواهم والنقاش معهم في ذلك،وكأنهم يدفعون هؤلاء العمال دفعاً مرة أخرى للإضراب ووقف العمل ثم نعود ونفاوض العمال بعد أن نكون قد خسرنا الملايين،فلماذ كل ذلك ولماذا هذا التعنت؟.
لماذا لا يتعامل المدراء بفكر أكثر إنفتاحاً،لماذا يعتبرون العامل كائن غير آدمي يعمل في عزبتهم الخاصه،في فترة سابقة كتبت مقالاً تحت عنوان"لا تتركوهم يشتكون للأشباح" طالبت فيه بالتجاوب مع العمال وتبنيهم مثلما كان يفعل المعلم الكبير ومنشئ الشركة المهندس عثمان أحمد عثمان،الذي كان يتعامل مع العامل كأخيه وصديقه قبل أن يكون عاملاً لديه،لأنه كان يدرك أن الحب هو الصلة الوثيقة التي بينه وبين عماله وتمكنه من أن يصنع المستحيل،مثلما صنعه فيما مضى في السد العالي وغيره من المشروعات العملاقة التي وقف العالم لها إحتراماً وتقديراً للعامل المصري،صرخت بأعلى صوتي وطرحت من خلال هذا المقال مبادرة لإنشاء وحدة تحت مسمى"وحدة الإستشعار والتواصل المجتمعي والدعم" من أجل استشعار المشاكل والأزمات قبل أن تحدث والتواصل مع أطرافها بهدف تفتيتها قبل تصاعد حدتها،طالبت أن يكون هناك تواصل بين القيادة والعامل البسيط لإشعاره بأهميته وحصوله على حقوقه،بل وتقدمت إلى رئيس مجلس الإدارة بهذا المقترح مكتوباً ولكن يبدوا أن مصيره كان صفيحة الزبالة.
لماذا تصرون على توسيع الفجوة بينكم وبين عمالكم،لماذا لا تسمعون للعامل إلا بعد أن ينفجر ويعطل العمل ونخسر جميعاً الكثير،لماذا نصر على أن نسير في درب توسيع الفجوة بينا وبين الدول المتقدمة في إطار التمكين للسلطة وإعطائها الأولوية قبل العلم والتطوير،لماذا تسيرون نحو مجتمع القرود بسرعة قصوى وتتركون الدنيا تمشى بنواميس الطبيعة دون أن تطبقوا القانون الحق بلا أدني عاطفة أو محسوبية أو فساد.
دعوة لقيادات مصر وقيادات شركة المقاولون العرب باعتبارها شركة عملاقة نموذج للنجاح أن يسمعوا للعامل وأن يسعوا سعياً حثيثاً لمعالجة مشاكله وعدم إلقاء العبء والخطأ الكامل على كاهله وظهور المدير بصورة الملاك البرئ حتى نسير في ركب التطور ونحاول اللحاق بالكواكب الأخرى التي سبقتنا بملايين السنين الضوئية ونحن مازلنا نرضخ في غياهب الذل والقهر.

وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق