منذ 6 أشهر تقريباً ، سعدت كثيراً بأن صعد
مهندس شاب لمنصب مرموق ، ليكون عضواً لمجلس إدارة أحد الشركات ، ولأني أعرف هذا المهندس الشاب ، الذي يدور عمره حول
عامه الأربعين ، فقد كنت في غاية التفاؤل ، بأنه تجربة ودليل واضح ، على توجهنا
للإستفادة من شباب مصر الفاهم والواعي ، والذي على درجة كبيرة من العلم ، ليتصدر
المشهد خلال الفترة الحالية ، واعتقدت أيضاً أن هذا برهان أكيد ، على أن سياسة
الدولة تتجه وبقوة نحو الإعتماد على الكفاءات الشبابية لخلخلة أنظمة الروتين
الحكومي ، مثلما قال رئيس الوزراء ، لأن الشباب لديهم أنماط التفكير الجرئ والشجاع
والمختلف ، للتعاطي مع المشاكل المتراكمة والمعقدة داخل الوزارات –هذا طبقاً
لتصريحات المهندس إبراهيم محلب ، رئيس مجلس الوزراء .
زُرت هذا المهندس الشاب في مقر عمله الجديد ،
وعندما سألته عن أحواله ، قال لي أنه يواجه صعوبات بالغة خاصة مع العضو المنتدب
للشركة ، وأن هذا العضو المنتدب يحاربه ويهاجمه في السر والعلن ليل نهار ، لأنه
يشعر بالغيرة من تصعيد شاب صغير لمثل هذا المنصب ، الذي وصل هو له في سن متأخر ، حتى
أنه الآن يعمل بنظام التجديد والمد بعد سن المعاش ، وحكى لي زميلي طرفة أضحكتني
حين قال ، أن هذا العضو المنتدب ، أشاع بين موظفي الشركة
هذا الخبر ، وسألته لماذا ربط بين الصوم وبين الإخوان ، فرد علي في حيرة لا أعلم
لماذا قال ذلك ، في تلك اللحظات فكرت ملياً وتساءلت ، لماذا وصل التشويه لدرجة
أننا نربط كل شئ وأي شئ بالإخوان معتبرين ذلك نجاة لنا من كل شر ، أو أن ذلك هو
الطريق الأقصر والأضمن لبلوغ غايتنا ، يكفينا أن نلصق تهمة الأخونة لأي شخص نكرهه
لنقضي عليه ، ثم كيف وصل بنا الإنحدار لأن نعتبر كل مؤمن مسلم مسالم طائعاً لربه
إخوانياً ، وهل ذلك تقليل من حجم الإخوان ، أم تقليل من حجم الدين ، أم أن من يصوم
اثنين وخميس تحول فجأة إلى خطر على المجتمع المدني .
أنا شخصياً ، من خلال مرافقتي لبعض زيارات
وجولات المهندس إبراهيم محلب ، للكثير من المواقع ، شاهدته وهو يعتذر عن تناول
الوجبات لأنه صائم ، وتكرر ذلك مرات عديدة ، فهل رئيس الوزراء إخوانياً بسبب صيامه
.
سعدت كثيراً حين علمت بعد ذلك ، أن العضو
المنتدب الذي كان يحارب مهندسنا الشاب لم يفلح في مكيدته ، وترك المنصب بعد ذلك
بقليل ، وتقلد المهندس الشاب منصب العضو المنتدب بدلاً منه ، فاعتقدت مجدداً أني
ربما تسرعت في الحكم ، وأسأت الظن بقيادات الشركة القابضة ، وهذا المهندس نفسه ظن
نفس الظن ، وبدأ في ممارسة مهام عمله بهمة ونشاط منقطعي النظير ، حتى أنه كان
يسافر أقصى الصعيد ويعود في 24 ساعة ، ليتابع العمل بنفسه ، ومع نشاطه وحيويته
لاحظ وجود تقصير شديد في نواحي كثيرة داخل شركته ، فأراد أن يصلحها ، ربما لم تكن
المشاكل هى وحدها المعضلة التي قابلته ، وإنما كان الموظفون هم أهم مشاكله ، فشاب
يملك الخبرة وأسلوب العمل السريع المضني الشاق ، قلقل هموم وظيفية كثيرة ، أرهقت
من اعتادوا على النوم في العسل والعمل بأسلوب "اشتغل أقل تغلط أقل تعيش في
الوظيفة أكثر ، أو اشتغل كتير تغلط كتير تتجازى أكتر" ، وتحول الموظفون
بالشركة من عامل بناء إلى عامل تعطيل وهدم.
زرته مرة ثانية في مكتبه واطلعت على نشاطه
المهول ، وعلمت من خلال كلماته مدى حبه لعمله ووطنه ، ولكنه أخبرني أنه يحاول
تنشيط العمل ولكن الموظفين لا يستجيبون ، ولا يريدون أن يعملوا وبدأوا يعارضونه
ويتباطؤن في الإستجابة لأوامره ، رغم أن هناك فرصاً كبيرة لهذه الشركة لأن تكون
رائدة في مجالها ، طلبت منه أن يتمهل وألا يُسرع في تحويل الدفة بهذه السرعة ، وإلا
فإنه سيٌحارب من أعداء النجاح ، فجاوبني بأن التأخير والوقت ليس في صالح مصر ، ولا
يحتمل أي تباطؤ أو تكاسل ، ووجدته مصمماً على أن يستمر في نمط التنشيط ، غادرته
وأنا أوصيه بأن يتمهل قليلاً ، خشية أن يتعرض لمخاطر تلك الشجاعة ، وقلت في نفسي ، إن رئيس الجمهورية حينما كلف رئيس الوزراء بالقضاء على الفساد ، أعلن المهندس
إبراهيم محلب أنه خلال ستة أشهر لن يكون هناك فساد في مؤسسات الدولة ، ولم يقل
غداً صباحاً سيتم القضاء عليه ، فما بنى في عشرات السنين أو مئات السنين لن تستطيع
القضاء عليه في يوم وليلة.
منذ أيام قليلة ، علمت أن هذا المهندس الشاب ، سوف يغادر الشركة خلال الأيام القادمة ، والأسباب أنه أظهر مشاكل ستجلب الضرر
أكثر مما تفيد وبالتأكيد قياداته العليا لا
يريدون أن تطفو المشاكل على السطح ، أو ربما لا يحبون أن يواجهها ، ويؤثرون السلامة والعمل
بأسلوب النمط القديم التقليدي .
يبدوا أخيراً أن حيلة "صوم اتنين
وخميس" قد فلحت أخيراً مع مهندسنا ، واستطاعت أن تقلعه من منصبه ، وبالتأكيد
فإن مثل هذا الموقف يتكرر وسيتكرر مع كثير من المخلصين ، الذين يحاولون أن يغيروا
نمط العمل للأفضل ، ممن يعتقدون أنه يمكنهم أن يحدثوا تغيير حقيقي في مجتمعنا ،
ولكنهم دائماً ما يخسرون رهانهم ، ويكتشفون أنهم يحرثون في الماء ، وليتها كانت
الخسارة فقط وإنما يكسبون مع ذلك تشويهاً إضافياً لسمعتهم من أشخاص احترفوا هذا
العمل ، والكل صامت بلا تعليق أو تعديل ، وهذه الحكاية جلعتني أتساءل عن مصير
مشروع الدولة ، نحو تعيين معاوني الوزراء ونواب المحافظين وأعضاء المجالس القومية
المتخصصة من الشباب ، ومدى نجاح الفكرة ، في ضوء ما رويته من أحداث ، وهل فعلاً
هؤلاء سيستطيعون أن يحدثوا تغييراً في مؤسسات الدولة بهذا الشكل ، خاصة وأننا
فشلنا في تجربة حقيقية وحية مع هذا المهندس الشاب ، الذي اعتبرته نموذجاً وحلم كاد
أن يتحقق ، فتحولت تجربته إلى كابوس ، والسبب أننا ألقيناه في بئر الروتين ، ووسط
أصحاب المصالح من المرتزقة والمتسلقين دون دعم أو إيمان واضح بما نطمح إليه ، إن
كنا ننوي حقاً أن تنجح تجربة إشراك الشباب في عملية بناء مصر الحديثة ، علينا أن
نؤمن بهم أولاً ، ثم نوفر لهم الدعم الكامل لتحقيق عملية التحول ، فالكلام
والأمنيات وحدها لا تكفي .
وفقي فكري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق