السبت، 11 أكتوبر 2014

بيصوم اتنين وخميس يبقى إخواني



منذ 6 أشهر تقريباً ، سعدت كثيراً بأن صعد مهندس شاب لمنصب مرموق ، ليكون عضواً لمجلس إدارة أحد الشركات ، ولأني أعرف هذا المهندس الشاب ، الذي يدور عمره حول عامه الأربعين ، فقد كنت في غاية التفاؤل ، بأنه تجربة ودليل واضح ، على توجهنا للإستفادة من شباب مصر الفاهم والواعي ، والذي على درجة كبيرة من العلم ، ليتصدر المشهد خلال الفترة الحالية ، واعتقدت أيضاً أن هذا برهان أكيد ، على أن سياسة الدولة تتجه وبقوة نحو الإعتماد على الكفاءات الشبابية لخلخلة أنظمة الروتين الحكومي ، مثلما قال رئيس الوزراء ، لأن الشباب لديهم أنماط التفكير الجرئ والشجاع والمختلف ، للتعاطي مع المشاكل المتراكمة والمعقدة داخل الوزارات –هذا طبقاً لتصريحات المهندس إبراهيم محلب ، رئيس مجلس الوزراء .
زُرت هذا المهندس الشاب في مقر عمله الجديد ، وعندما سألته عن أحواله ، قال لي أنه يواجه صعوبات بالغة خاصة مع العضو المنتدب للشركة ، وأن هذا العضو المنتدب يحاربه ويهاجمه في السر والعلن ليل نهار ، لأنه يشعر بالغيرة من تصعيد شاب صغير لمثل هذا المنصب ، الذي وصل هو له في سن متأخر ، حتى أنه الآن يعمل بنظام التجديد والمد بعد سن المعاش ، وحكى لي زميلي طرفة أضحكتني حين قال ، أن هذا العضو المنتدب ، أشاع بين موظفي الشركة هذا الخبر ، وسألته لماذا ربط بين الصوم وبين الإخوان ، فرد علي في حيرة لا أعلم لماذا قال ذلك ، في تلك اللحظات فكرت ملياً وتساءلت ، لماذا وصل التشويه لدرجة أننا نربط كل شئ وأي شئ بالإخوان معتبرين ذلك نجاة لنا من كل شر ، أو أن ذلك هو الطريق الأقصر والأضمن لبلوغ غايتنا ، يكفينا أن نلصق تهمة الأخونة لأي شخص نكرهه لنقضي عليه ، ثم كيف وصل بنا الإنحدار لأن نعتبر كل مؤمن مسلم مسالم طائعاً لربه إخوانياً ، وهل ذلك تقليل من حجم الإخوان ، أم تقليل من حجم الدين ، أم أن من يصوم اثنين وخميس تحول فجأة إلى خطر على المجتمع المدني .
أنا شخصياً ، من خلال مرافقتي لبعض زيارات وجولات المهندس إبراهيم محلب ، للكثير من المواقع ، شاهدته وهو يعتذر عن تناول الوجبات لأنه صائم ، وتكرر ذلك مرات عديدة ، فهل رئيس الوزراء إخوانياً بسبب صيامه .
سعدت كثيراً حين علمت بعد ذلك ، أن العضو المنتدب الذي كان يحارب مهندسنا الشاب لم يفلح في مكيدته ، وترك المنصب بعد ذلك بقليل ، وتقلد المهندس الشاب منصب العضو المنتدب بدلاً منه ، فاعتقدت مجدداً أني ربما تسرعت في الحكم ، وأسأت الظن بقيادات الشركة القابضة ، وهذا المهندس نفسه ظن نفس الظن ، وبدأ في ممارسة مهام عمله بهمة ونشاط منقطعي النظير ، حتى أنه كان يسافر أقصى الصعيد ويعود في 24 ساعة ، ليتابع العمل بنفسه ، ومع نشاطه وحيويته لاحظ وجود تقصير شديد في نواحي كثيرة داخل شركته ، فأراد أن يصلحها ، ربما لم تكن المشاكل هى وحدها المعضلة التي قابلته ، وإنما كان الموظفون هم أهم مشاكله ، فشاب يملك الخبرة وأسلوب العمل السريع المضني الشاق ، قلقل هموم وظيفية كثيرة ، أرهقت من اعتادوا على النوم في العسل والعمل بأسلوب "اشتغل أقل تغلط أقل تعيش في الوظيفة أكثر ، أو اشتغل كتير تغلط كتير تتجازى أكتر" ، وتحول الموظفون بالشركة من عامل بناء إلى عامل تعطيل وهدم.
زرته مرة ثانية في مكتبه واطلعت على نشاطه المهول ، وعلمت من خلال كلماته مدى حبه لعمله ووطنه ، ولكنه أخبرني أنه يحاول تنشيط العمل ولكن الموظفين لا يستجيبون ، ولا يريدون أن يعملوا وبدأوا يعارضونه ويتباطؤن في الإستجابة لأوامره ، رغم أن هناك فرصاً كبيرة لهذه الشركة لأن تكون رائدة في مجالها ، طلبت منه أن يتمهل وألا يُسرع في تحويل الدفة بهذه السرعة ، وإلا فإنه سيٌحارب من أعداء النجاح ، فجاوبني بأن التأخير والوقت ليس في صالح مصر ، ولا يحتمل أي تباطؤ أو تكاسل ، ووجدته مصمماً على أن يستمر في نمط التنشيط ، غادرته وأنا أوصيه بأن يتمهل قليلاً ، خشية أن يتعرض لمخاطر تلك الشجاعة ، وقلت في نفسي ، إن رئيس الجمهورية حينما كلف رئيس الوزراء بالقضاء على الفساد ، أعلن المهندس إبراهيم محلب أنه خلال ستة أشهر لن يكون هناك فساد في مؤسسات الدولة ، ولم يقل غداً صباحاً سيتم القضاء عليه ، فما بنى في عشرات السنين أو مئات السنين لن تستطيع القضاء عليه في يوم وليلة.
منذ أيام قليلة ، علمت أن هذا المهندس الشاب ، سوف يغادر الشركة خلال الأيام القادمة ، والأسباب أنه أظهر مشاكل ستجلب الضرر أكثر مما تفيد وبالتأكيد قياداته العليا لا يريدون أن تطفو المشاكل على السطح ، أو ربما لا يحبون أن يواجهها ، ويؤثرون السلامة والعمل بأسلوب النمط القديم التقليدي .
يبدوا أخيراً أن حيلة "صوم اتنين وخميس" قد فلحت أخيراً مع مهندسنا ، واستطاعت أن تقلعه من منصبه ، وبالتأكيد فإن مثل هذا الموقف يتكرر وسيتكرر مع كثير من المخلصين ، الذين يحاولون أن يغيروا نمط العمل للأفضل ، ممن يعتقدون أنه يمكنهم أن يحدثوا تغيير حقيقي في مجتمعنا ، ولكنهم دائماً ما يخسرون رهانهم ، ويكتشفون أنهم يحرثون في الماء ، وليتها كانت الخسارة فقط وإنما يكسبون مع ذلك تشويهاً إضافياً لسمعتهم من أشخاص احترفوا هذا العمل ، والكل صامت بلا تعليق أو تعديل ، وهذه الحكاية جلعتني أتساءل عن مصير مشروع الدولة ، نحو تعيين معاوني الوزراء ونواب المحافظين وأعضاء المجالس القومية المتخصصة من الشباب ، ومدى نجاح الفكرة ، في ضوء ما رويته من أحداث ، وهل فعلاً هؤلاء سيستطيعون أن يحدثوا تغييراً في مؤسسات الدولة بهذا الشكل ، خاصة وأننا فشلنا في تجربة حقيقية وحية مع هذا المهندس الشاب ، الذي اعتبرته نموذجاً وحلم كاد أن يتحقق ، فتحولت تجربته إلى كابوس ، والسبب أننا ألقيناه في بئر الروتين ، ووسط أصحاب المصالح من المرتزقة والمتسلقين دون دعم أو إيمان واضح بما نطمح إليه ، إن كنا ننوي حقاً أن تنجح تجربة إشراك الشباب في عملية بناء مصر الحديثة ، علينا أن نؤمن بهم أولاً ، ثم نوفر لهم الدعم الكامل لتحقيق عملية التحول ، فالكلام والأمنيات وحدها لا تكفي .
وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق