الجمعة، 3 أكتوبر 2014

المرور..تطوير بلا تغيير

بدون مقدمات وبلا جمل براقة أدخل في الموضوع مباشرة ، منذ أسبوع ذهبت إلى مجمع المرور الذي أتبعه لأجدد رخصة سيارتي ، وكلي تفاؤل وراحة نفسية ، خاصة وأنني كنت قد قرأت أن هذا المجمع المروري قد تم افتتاحه منذ أيام بعد تطويره ليقدم خدمة متميزة للمواطنين ، وبالفعل بمجرد دخولي من البوابة شاهدت منظراً مختلفاً عن المعتاد في أي مرور مصري ، فالمبنى تم تجديده بالكامل ، وهناك كافتيريا وشاشات LCD لتسلية المنتظرين ، وإذاعة داخلية تبث الموسيقى الهادئة ، وكراسي إنتظار حديثة بتندات لحماية المواطنين من آشعة الشمس ، وقبل كل ذلك لفت نظري علم مصر الذي يزين واجهة المبنى من الدور الثالث وحتى الأرضي ، وحين نظرت يميناً ويساراً ، وجدت صناديق القمامة الجميلة في كل مكان حولي ، ويوجد في كل ركن لوحة إرشادية تطلب منا إلقاء القمامة في المكان المخصص لها ، صعدت إلى الدور الثاني لتكتمل فرحتي بوجود شبابيك خدمة حديثة ، وشاشات تعمل بالأرقام الضوئية وتطبيق نظام الإنتظار بالرقم ، مثلما يحدث في البنوك مع خاصية النداء الآلي على المواطنين لتقديم الخدمة ، بصراحة تفائلت كثيراً واعتقدت أن المرور تحول من قطعة من الجحيم إلى ركن في الجنة .
 ولكن كان هذا مجرد إعتقاد شكلي فقط ، فحينما أردت أن استخرج شهادة مخالفات ، طالبوني بأن أتوجه إلى مرور أخر بخطاب مختوم من مدير وحدتي لإستخراجها ، وكأنني في القرن التاسع عشر ، وحينما قلت أن هناك نيابة للمرور بالدور الأرضي ، قالوا لي هذه ليست تتبعنا ، واضطررت في النهاية أن أرضخ للتعليمات ، وذهبت وأحضرت شهادة المخالفات من نيابة مرور أخرى بعيدة ، وحين عدت كان لي موعد مع عملية الفحص لسيارتي ، ولم يكن بها مثلث أو شنطة إسعافات ، وكان بالزجاج الأمامي شرخ ، وأخذت البصمة بعد أن دفعت للعامل 20 جنيهاً ، ثم جاء المهندس ذو الجسم الضخم وصاحب الهيبة التي اكتسبها من سلطته ، وطالع السيارة ، ورفض أن يوقع الأوراق بسبب وجود شرخ في الزجاج ، ولعدم وجود شنطة إسعافات أو مثلث عاكس ، وحاولت معه بأني سأشتري حالاً المثلث والشنطة ، وسأصلح الزجاج لاحقاً ، ولكنه أصر على عدم التوقيع لحين توفير المطلوب ، وغادرني ليباشر عمله ، شعرت للحظة بالغضب لضيق الوقت ، لكني عدت وحدثت نفسي بأن لديه الحق واحترمت حرصه على اتقان عمله ، وهممت أن أنصرف ، ولكن المهندس المبجل كان يتابعني بطرف عينيه من بعيد ، يبدو أنه كان يريد أن يتركني حتى "أستوي" كما يقولون لأدفع الرشوة بدون فصال ولا جدال ، وحين شاهدني أهم بالإنصراف ، جائني قائلاً "اركن سيارتك بعيداً وعُد لي" ، فعلمت أنه سيوقع الأوراق مقابل رشوة ، عدت له وفي يدي خمسون جنيهاً ، فوقع كل الأوراق وانهيت الفحص بكل بساطة ، وعدت إلى شباك التجديد في المبنى لأنتظر دوري ساعة من الزمن ، لا تتحرك فيها أرقام الشبابيك ، فلما لاحظتها وجدت أن هناك إنهاء لأوراق مواطنين بلا أرقام انتظار ، ممن يدفعون رشوة لموظف الشباك مباشرة ، وبعد طول معاناة وصلت إلى الشباك ، وقد جمعت ملف بيدي يحتوي على 13 ورقة من جراء ضرورة وجود نماذج تقليدية هدفها الوحيد دفع رسوم وفقط ، ودفعت الضريبة والتأمين والفحص والطفاية وانهى الموظف ملفي ، وطلب مني إنتظار الرخصة بعد قليل ، بعد انتظار أكثر من ساعة أبلغوني أن جهاز الحاسب الآلي قد تعطل ، وسلموني أوراقي وطلبوا مني الحضور غداً ، فانصرفت وأنا في غاية الغضب والإرهاق بعد ساعات طويلة من الجري في الشوارع ، واندهشت من جمال المبنى والشكل الخارجي ، ورغم ذلك جهاز الحاسب الآلى يتعطل بدون وجود بديل .
عدت في نفس اليوم من الأسبوع الذي تلاه ، لأصدم بأني لابد ان أنتظر دوري مرة أخرى ، رغم أن ورقي منتهي وينتظر فقط الحاسب الآلي ، ولما دخلت للضابط مدير الوحدة ، تفهم موقفي وطلب من أحد الموظفين إنهاء أوراقي ، لكن الموظف رفض وتعامل معي بغلظة ، فاضطررت أن أنتظر ساعة أخرى ، وحين وصلت لموظف الشباك وجدت شخصاً أخر بلا رقم انتظار ينهي ورقه بعشرون جنيهاً رشوة ، سلمت ورقي وذهبت لساحة الإنتظار اتطلع إلى استلام رخصتي ، فوجدت الكراسي الحديثة التي شاهدتها في الأسبوع الماضي ، وقد تحطم منها جزء والقمامة تملأ المكان ، وأناس كثيرة واقفون ينتظرون في الشمس ، وبعد انتظار ساعة ونصف تسلمت رخصتي وانصرفت .
ياسيادة رئيس الجمهورية يا معالي رئيس مجلس الوزراء ياحضرة وزير الداخلية ، هذه قصتي كاملة بدون رتوش أو حذف ، تبرز معاناة مواطن والمخالفات التي يرتكبها حين يريد أن يجدد رخصته ، سواء بدفع رشوة أو إحضار واسطة أو معرفة لإنهاء أورراقه ، وبالتأكيد هذا حال كل مواطن مصري يذهب لينهي مصلحته في أي جهة حكومية ، أناشد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الذي كلفه رئيس الجمهورية بالقضاء على الفساد وأطرح عليه سؤال ، كيف ستقضي على الفساد الإداري في مؤسسات الدولة وحالنا هكذا ، كيف تتركون موظفون اكتسبوا فن المعاملة بالرشوة والمحسوبية والواسطة من عصر مبارك ، ومازالوا يتعاملون به مع المواطنين في كل مؤسسة وهيئة تخدم المواطن المصري ، رغم أنكم تنشدون التطوير ، فقمتم بتطوير المبنى دون تطوير العقول التي تعمل به ، ياسيادة رئيس مجلس الوزراء لقد اضطررت أن أخالف القانون وأن اقدم اكثر من رشوة رغماً عني لأنهي مصلحتي الملحة مع أحد الجهات التي من المفترض أنها تتبع وزارة الداخلية ، قلعة تطبيق القانون في مصر ، ولماذا نصر أن نهدم كل تطوير وتحسين نقوم به ونحطمه ، أمام تلال الروتين ونظرية "دوخ المواطن وخليه يلف كعب داير من أجل إنهاء مصلحته" ، في حين أن العالم كله بدأ يستخدم نظام الشباك الواحد والوسائل الحديثة لإنهاء إجراءات تجديد رخص السيارات ، حتى أصبحت تتم عن طريق ماكينات تشبه ماكينات الصراف الآلي وفي دقائق معدودة ، أي مصري يرى التطوير الذي حدث في المجمع المروري الذي تم افتتاحه مؤخراً سيشعر بالفخر ، ولكن فخره هذا سرعان ما يتلاشى مع تلال النظام العقيم الرجعي والتكدس والزحام الذي بدأ يأكل كل ما صرف على تطوير المبنى في مدة قصيرة لم تتجاوز الاسابيع .
لماذا نصر على أن يذهب المواطن كل مرة لمرور بعيد أخر لإحضار شهادة بيانات ، رغم أن وحدته بها كمبيوتر به البيانات المطلوبة ، لماذا نذهب لمكان آخر لإستصدار شهادة براءة ذمة من المخالفات رغم وجود نيابة مرور بنفس المبنى ، لماذا نضظر لجمع عشرات الأوراق في ملف كبير ، رغم أن بياناتي كلها من ترخيص وضريبة وتأمين وملكية ومخالفات كلها موجودة على جهاز الإدارة العامة للمرور ، لماذا نصر على تعذيب المواطن رغم أننا نطلق كل يوم تصريحات بالإستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في تجديد الرخص وغيرها ، لكنها في الحقيقة تصريحات لم ولن تتحقق ، لأن الإرادة والنمط الوظيفي لدينا قديم ، ولا نرغب في تغييره ، أم أن التطوير في المرور في الجدران فقط بدون تغيير في منظومة عقول الموظفين ، كلها صرخات في صورة أسئلة عاجلة للمسئولين تحتاج إلى إجابات بحلول واقعية عاجلة رحمة بالمصريين ونموذج المرور مجرد نقطة في بحر من نماذج كثيرة تؤخر مصر عن اللحاق بالتقدم والرقي .
 وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق