بدون مقدمات وبلا جمل براقة أدخل في الموضوع مباشرة ،
منذ أسبوع ذهبت إلى مجمع المرور الذي أتبعه لأجدد رخصة سيارتي ، وكلي تفاؤل وراحة
نفسية ، خاصة وأنني كنت قد قرأت أن هذا المجمع المروري قد تم افتتاحه منذ أيام بعد
تطويره ليقدم خدمة متميزة للمواطنين ، وبالفعل بمجرد دخولي من البوابة شاهدت
منظراً مختلفاً عن المعتاد في أي مرور مصري ، فالمبنى تم تجديده بالكامل ، وهناك
كافتيريا وشاشات LCD لتسلية المنتظرين ، وإذاعة داخلية تبث
الموسيقى الهادئة ، وكراسي إنتظار حديثة بتندات لحماية المواطنين من آشعة الشمس ،
وقبل كل ذلك لفت نظري علم مصر الذي يزين واجهة المبنى من الدور الثالث وحتى الأرضي
، وحين نظرت يميناً ويساراً ، وجدت صناديق القمامة الجميلة في كل مكان حولي ،
ويوجد في كل ركن لوحة إرشادية تطلب منا إلقاء القمامة في المكان المخصص لها ، صعدت
إلى الدور الثاني لتكتمل فرحتي بوجود شبابيك خدمة حديثة ، وشاشات تعمل بالأرقام
الضوئية وتطبيق نظام الإنتظار بالرقم ، مثلما يحدث في البنوك مع خاصية النداء
الآلي على المواطنين لتقديم الخدمة ، بصراحة تفائلت كثيراً واعتقدت أن المرور تحول
من قطعة من الجحيم إلى ركن في الجنة .
ولكن كان هذا
مجرد إعتقاد شكلي فقط ، فحينما أردت أن استخرج شهادة مخالفات ، طالبوني بأن أتوجه
إلى مرور أخر بخطاب مختوم من مدير وحدتي لإستخراجها ، وكأنني في القرن التاسع عشر
، وحينما قلت أن هناك نيابة للمرور بالدور الأرضي ، قالوا لي هذه ليست تتبعنا ،
واضطررت في النهاية أن أرضخ للتعليمات ، وذهبت وأحضرت شهادة المخالفات من نيابة
مرور أخرى بعيدة ، وحين عدت كان لي موعد مع عملية الفحص لسيارتي ، ولم يكن بها
مثلث أو شنطة إسعافات ، وكان بالزجاج الأمامي شرخ ، وأخذت البصمة بعد أن دفعت
للعامل 20 جنيهاً ، ثم جاء المهندس ذو الجسم الضخم وصاحب الهيبة التي اكتسبها من
سلطته ، وطالع السيارة ، ورفض أن يوقع الأوراق بسبب وجود شرخ في الزجاج ، ولعدم
وجود شنطة إسعافات أو مثلث عاكس ، وحاولت معه بأني سأشتري حالاً المثلث والشنطة ،
وسأصلح الزجاج لاحقاً ، ولكنه أصر على عدم التوقيع لحين توفير المطلوب ، وغادرني
ليباشر عمله ، شعرت للحظة بالغضب لضيق الوقت ، لكني عدت وحدثت نفسي بأن لديه الحق
واحترمت حرصه على اتقان عمله ، وهممت أن أنصرف ، ولكن المهندس المبجل كان يتابعني
بطرف عينيه من بعيد ، يبدو أنه كان يريد أن يتركني حتى "أستوي" كما
يقولون لأدفع الرشوة بدون فصال ولا جدال ، وحين شاهدني أهم بالإنصراف ، جائني
قائلاً "اركن سيارتك بعيداً وعُد لي" ، فعلمت أنه سيوقع الأوراق مقابل
رشوة ، عدت له وفي يدي خمسون جنيهاً ، فوقع كل الأوراق وانهيت الفحص بكل بساطة ،
وعدت إلى شباك التجديد في المبنى لأنتظر دوري ساعة من الزمن ، لا تتحرك فيها أرقام
الشبابيك ، فلما لاحظتها وجدت أن هناك إنهاء لأوراق مواطنين بلا أرقام انتظار ،
ممن يدفعون رشوة لموظف الشباك مباشرة ، وبعد طول معاناة وصلت إلى الشباك ، وقد
جمعت ملف بيدي يحتوي على 13 ورقة من جراء ضرورة وجود نماذج تقليدية هدفها الوحيد
دفع رسوم وفقط ، ودفعت الضريبة والتأمين والفحص والطفاية وانهى الموظف ملفي ، وطلب
مني إنتظار الرخصة بعد قليل ، بعد انتظار أكثر من ساعة أبلغوني أن جهاز الحاسب
الآلي قد تعطل ، وسلموني أوراقي وطلبوا مني الحضور غداً ، فانصرفت وأنا في غاية
الغضب والإرهاق بعد ساعات طويلة من الجري في الشوارع ، واندهشت من جمال المبنى
والشكل الخارجي ، ورغم ذلك جهاز الحاسب الآلى يتعطل بدون وجود بديل .
عدت في نفس اليوم من الأسبوع الذي تلاه ، لأصدم بأني
لابد ان أنتظر دوري مرة أخرى ، رغم أن ورقي منتهي وينتظر فقط الحاسب الآلي ، ولما
دخلت للضابط مدير الوحدة ، تفهم موقفي وطلب من أحد الموظفين إنهاء أوراقي ، لكن
الموظف رفض وتعامل معي بغلظة ، فاضطررت أن أنتظر ساعة أخرى ، وحين وصلت لموظف
الشباك وجدت شخصاً أخر بلا رقم انتظار ينهي ورقه بعشرون جنيهاً رشوة ، سلمت ورقي
وذهبت لساحة الإنتظار اتطلع إلى استلام رخصتي ، فوجدت الكراسي الحديثة التي
شاهدتها في الأسبوع الماضي ، وقد تحطم منها جزء والقمامة تملأ المكان ، وأناس
كثيرة واقفون ينتظرون في الشمس ، وبعد انتظار ساعة ونصف تسلمت رخصتي وانصرفت .
ياسيادة رئيس الجمهورية يا معالي رئيس مجلس الوزراء
ياحضرة وزير الداخلية ، هذه قصتي كاملة بدون رتوش أو حذف ، تبرز معاناة مواطن
والمخالفات التي يرتكبها حين يريد أن يجدد رخصته ، سواء بدفع رشوة أو إحضار واسطة
أو معرفة لإنهاء أورراقه ، وبالتأكيد هذا حال كل مواطن مصري يذهب لينهي مصلحته في
أي جهة حكومية ، أناشد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الذي كلفه رئيس
الجمهورية بالقضاء على الفساد وأطرح عليه سؤال ، كيف ستقضي على الفساد الإداري في
مؤسسات الدولة وحالنا هكذا ، كيف تتركون موظفون اكتسبوا فن المعاملة بالرشوة
والمحسوبية والواسطة من عصر مبارك ، ومازالوا يتعاملون به مع المواطنين في كل
مؤسسة وهيئة تخدم المواطن المصري ، رغم أنكم تنشدون التطوير ، فقمتم بتطوير المبنى
دون تطوير العقول التي تعمل به ، ياسيادة رئيس مجلس الوزراء لقد اضطررت أن أخالف
القانون وأن اقدم اكثر من رشوة رغماً عني لأنهي مصلحتي الملحة مع أحد الجهات التي
من المفترض أنها تتبع وزارة الداخلية ، قلعة تطبيق القانون في مصر ، ولماذا نصر أن
نهدم كل تطوير وتحسين نقوم به ونحطمه ، أمام تلال الروتين ونظرية "دوخ
المواطن وخليه يلف كعب داير من أجل إنهاء مصلحته" ، في حين أن العالم كله بدأ
يستخدم نظام الشباك الواحد والوسائل الحديثة لإنهاء إجراءات تجديد رخص السيارات ،
حتى أصبحت تتم عن طريق ماكينات تشبه ماكينات الصراف الآلي وفي دقائق معدودة ، أي
مصري يرى التطوير الذي حدث في المجمع المروري الذي تم افتتاحه مؤخراً سيشعر بالفخر
، ولكن فخره هذا سرعان ما يتلاشى مع تلال النظام العقيم الرجعي والتكدس والزحام
الذي بدأ يأكل كل ما صرف على تطوير المبنى في مدة قصيرة لم تتجاوز الاسابيع .
لماذا نصر على أن يذهب المواطن كل مرة لمرور بعيد أخر
لإحضار شهادة بيانات ، رغم أن وحدته بها كمبيوتر به البيانات المطلوبة ، لماذا
نذهب لمكان آخر لإستصدار شهادة براءة ذمة من المخالفات رغم وجود نيابة مرور بنفس
المبنى ، لماذا نضظر لجمع عشرات الأوراق في ملف كبير ، رغم أن بياناتي كلها من
ترخيص وضريبة وتأمين وملكية ومخالفات كلها موجودة على جهاز الإدارة العامة للمرور
، لماذا نصر على تعذيب المواطن رغم أننا نطلق كل يوم تصريحات بالإستعانة
بالتكنولوجيا الحديثة في تجديد الرخص وغيرها ، لكنها في الحقيقة تصريحات لم ولن
تتحقق ، لأن الإرادة والنمط الوظيفي لدينا قديم ، ولا نرغب في تغييره ، أم أن
التطوير في المرور في الجدران فقط بدون تغيير في منظومة عقول الموظفين ، كلها
صرخات في صورة أسئلة عاجلة للمسئولين تحتاج إلى إجابات بحلول واقعية عاجلة رحمة
بالمصريين ونموذج المرور مجرد نقطة في بحر من نماذج كثيرة تؤخر مصر عن اللحاق
بالتقدم والرقي .
وفقي فكري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق