الأحد، 26 أكتوبر 2014

التعليم والإرهاب



حين طلبت مني ابنتي،التي تدرس في الصف الرابع الإبتدائي،أن أساعدها في عمل واجب التعبير،رحبت لأنها أول عام تدرس مثل ذلك النوع من الأدب الرفيع،وأقول على التعبير أدب رفيع لأنه النواه الأساسية لفنون الكتابة وإبداء الرأي ولذلك سموه تعبيراً،جاءت ابنتي وجلست بجواري وعرضت علي الموضوعات،فهذا موضوع عن وصف ماشاهدته في حديقة الحيوان وهذا موضوع أخر عن معالم مصر السياحية وهذا ثالث عن الأم وفضلها،رائعة تلك الموضوعات التي تنمي لدى التلاميذ روح الصياغة وإفراغ الأحاسيس.
قلت لها بماذا تريدين أن نبدأ قالت لي أي موضوع تحبه المهم أن نبدأ بالمقدمة والنهاية التي أعطتها لنا المس،ذهلت وقلت لها هل أعطتكم المدرسة بداية محددة ونهاية محددة لكل موضوعات التعبير،أجابتني وقالت نعم وبدونها لن نحصل على الدرجات النهائية في موضوعات التعبير.
اسمعوا معي ياسادة البداية"لقد نظرت من حولي لأبحث عن موضوع أكتب عنه ولم أجد أفضل من.... (اسم الموضوع).... ثم تكتب الموضوع وتنتهي بتلك الجملة كنهاية"وفي النهاية أرجو أن أكون قد وفقت في الكتابة عن هذا الموضوع الشيق"،أترون يعلمون أبنائنا حفظ صيغ معينة وتكرارها دون حتى أن يعلموا معناها،يجبرونهم على أن يصٌموا عن ظهر قلب جمل معينة كالروبوت ويرددونها بلا فهم أو مغزى،كيف يكون إذا هذا اسمه تعبيراً وهم حولوه إلى إجباراً وقهراً وقسراً،لماذا نصمم على أن نفعل في أبنائنا أبشع الجرائم ونضحك على أنفسنا ونقول نحن نعلمهم،أي علم هذا وأي تربية تلك.
أراهن إن كانت مدرستهم في الفصل تستطيع أن تكتب فقرة واحدة من وحي عقلها عن موضوع إجتماعي أو مشكلة تحدث في مصر،وأنا متأكد من فشلهم لأن هؤلاء المدرسين تربوا على مثل تلك العقول الخربة وشبوا على يد معلمين عجاف لا يعرفون من علمهم إلا ماحفظوه في ببغاوات مدارسهم وحصصهم العاقر المملة،كيف لكم أن تحولوا حصص الإبداع وفنون الكتابة إلى حصص مسخ وتدمير لعقول أطفالنا،نحن ننتظر من بين هؤلاء الأطفال شباب علماء وكتاب وأدباء فكيف لهم أن يخرجوا من بين براثن تخلفكم وفشلكم.
إن كنتم تريدون إقتلاع الإرهاب من جذوره فجذوره موجودة في المدارس قبل أن تكون مختبأة في الكهوف المظلمة والجبال،ربوا أجيالاً تتعلم كيف تستنبط وتحلل لتصل للنتائج،كيف تفكر وتتخيل،كيف تحاور وتقنع،كيف تتبع أسلوب التفكير الإستكشافي مروراً بالتجارب ووصولاً إلى الحقائق،علموا أولاد شعبنا على النقد والأخذ بالصواب المقنع والبعد عن الإجبار والقهر والإنسياق.
نحن نحتاج إلى مدرس بدرجة مربي كما كنا زمان وليس مدرس قشري يحتاج إلى من يربيه،نحتاج إلى أن نغرس في أولادنا الجرأة والشجاعة والإقدام على فعل الصواب،بدلاً من التلقين والحفظ بلا فهم.
أنا أخاف على ابنتي من تلوثها بالتعليم الجاهل في مصر،الذي يعتمد على الحشو من أجل حصد الدرجات الوهمية،وأشد ما أخشاه أن تحولها طريقة التعليم في بلدي إلى أعلى درجات الجهل فتنحرف إما إلى الإفراط والتشدد والمغالاة أو التفريط والرعونة والتفاهة.
مستقبل مصر الحقيقي في التعليم،وفرصة القضاء على التطرف والمغالاة تتحقق من خلال التعليم الجيد وسنظل هكذا دائماً نغوص في دوامة حرب الإرهاب إلى أن نبني أجيالاً ذات شخصية مستقلة تعرف كيف تفعل ومتى تفعل لتصل إلى ما تريد فيعم السلام وتنتفع الدنيا بعلمنا كما كنا في عصور مجدنا.
وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق