الجمعة، 17 أكتوبر 2014

وطن يبحث عن سكن




أخيراً عشت حتى أرى مبارك يعود للأضواء مرة ثانية،ويظهر على صفحات الصحف اليومية،وهو يرتدي بدلة أخر شياكة،وكرافت مميز،وساعة من بتوع الماركة،وشعر مصبوغ ووجه متهلل مبتسم رائق كاللبن الحليب،ذكرني بصورته الدعائية ذات القميص الأبيض لإنتخابات الرئاسة في عام 2005،التي ظهر فيها كالملاك المحلق في سماء الثقة والإتزان،أخيراً والحمد لله استمتعت بقراءة صفحة كاملة لمبارك،نشرتها جريدة الوطن يوم الأربعاء 15 أكتوبر تحت عنوان،"انفراد .. الرئيس الأسبق في أول حوار صحفي بعيداً عن التسريبات منذ تخليه عن الحكم "،ألا تلاحظون معي تغير نبرة استخدام المصطلحات،فالآن مبارك أصبح متخلي عن الحكم،بعد أن ظل طيلة ثلاثة سنوات "مخلوع"،بالتأكيد قد يكون الكثير منكم طالع الحوار،ولمن لم يطالعه أوصف لكم،صفحة كاملة بملابس مدنية لمبارك،وهو كما يقولون "أخر ألاجه"،وكأنه عاد لحكم مصر،وفي الأسفل صور له بجانب الرئيس السادات يرتدي الزي العسكري،وصوراً أخرى لعمر سليمان والمشير طنطاوي .
جريدة الوطن في هذا العدد تفرد صفحة كاملة،ليستعرض مبارك مهاراته البهلاونية على الشعب،بعد تألقه في كلمته الأخيره أمام هيئة محاكمته،لقد أظهرت الجريدة مبارك زعيم وبرئ من قتل المتظاهرين ، تكاد دموعي تنهمر قهرة على هذا الرجل المظلوم،لم أتمالك نفسي وأنا اقرأ الحوار،أن أتمتم ببعض الكلمات القبيحة التي لم تستطع شفتاي أن تحبسهم من الخروج،ورغم أني أعلم أن الحديث الآن عن مبارك أصبح محظوراً في عصر السيسي،ورغم خوفي من أن يكون شخص ما يسجل لي هذه التمتمات،إلا أنني كان ولابد أن أنفس عن نفسي قليلاً،حتى استطيع أن أكمل القراءة،حتماً مبارك خرج من السجن طالما أراه على هذه الصورة الشيك،أو أنه لم يدخل السجن أصلاً،ونحن من انحبسنا داخل القفص مدى الحياه،معتقدين أننا مظلومين مقهورين،لا بأس،ارتفع ضغطي عشرات المرات،وأنا أكمل قراءة الحوار،خاصة حينما رفض مبارك التعليق على محاكمته،قال أيه،إحتراماً للقضاء،من المؤكد أن فريد الديب نصحه بعدم التعليق على القضاء،لأن ذلك يضعه في موضع مش ظريف،بغض النظر عن ذلك،مبارك جاءت كلماته كلها من وحي خياله،أو قد يكون الشعب هو من عاش في الخيال،الأمر سيان،لاحظت أنه يميل أكثر للحديث عن الجيش،وقدرته وتسليمه السلطة للجيش وقت تنحيه لثقته فيه،لأن الجيش هو الوحيد الذي يعرف حجم التضحيات التي بذلت لحماية الأرض والوطن،عندك حق يا سيادة الرئيس الأسبق المتنحي،أنتم والجيش تعلمون كل شئ أما الشعب فلا يعلم أي شئ،لأنه شارب حشيش وبانجو طول الوقت ومش فاهم أي حاجه .
حقيقةً،الحوار ألهب مشاعري جداً،ووصل بي الإلتهاب حتى أنني تمنيت أن ألقى مبارك لأسأله،عن ثمن الساعة التي يرتديها،أو من أين يحصل على بدله وجرافتاته الشيك،انتظرت اليوم الثاني،الذي نوهت جريدة الوطن في نهاية الجزء الأول من الحوار،على أنها ستنشر فيه الجزء الثاني،الذي سيتحدث فيه مبارك عن رأيه في السيسي،نمت جيداً واستقيظت في الصباح الباكر،أحضرت الجريدة وبجواري نعناع وينسون وحباية مسكن للآلام،وبذلك تكون كل عدتي لإستكمال الجزء الثاني من الحوار جاهزة،ولكن على نمط قصة علي السيد رئيس تحرير المصري اليوم،الذي أعلن أنه سينشر مستندات تؤكد تزوير الإنتخابات الرئاسية للعام 2012،ثم أتى اليوم الثاني،فلم ينشر شئ،بل تم القبض عليه،وإصدار قرار من النائب العام بحظر النشر في تلك القضية،على نفس النمط ولكن بدون إلقاء القبض،فوجئت بأن الوطن لم تنشر الجزء الثاني،لماذا لا أعرف،قد يكون التنويه عن أن الجزء الثاني سيتحدث عن السيسي كان السبب في المنع،باعتبار أن الرئيس لا يحب أن يمدحه أحد،فاستبدلت الجريدة الحوار بنشر ردود الأفعال عنه،ياخسارة،هذه المرة سأشرب النعناع بدون ضغط مرتفع أو منخفض،صراحة ردود الأفعال جاءت متباينة ومختلفة،أما شباب الثورة الذين لا أعلم منهم أحد،ولا أرى منهم أحد قالوا،أن ذلك إستعطافاً للشعب وتزوير للحقائق،وتسائلوا إن كان يبرأ بهذا الحوار ساحته من القتل،فمن قتل آلاف المتظاهرين في ثورة 25 يناير،صراحة هؤلاء الشباب لا يعنونا في أي شئ لأنهم لا وجود لهم أصلاً إلا في المنام،ولا يؤثرون بل يتأثرون بالإستقطاب أوالإعتقال،أيهما أقرب،الأهم هو رأي رجال القضاء المتقاعدين،الذين اثنوا كثيراً على حوار مبارك واحترامه للقضاء،وتأكيدهم أن مبارك ظل طيلة 30 عاماً يحترم القضاء ورجاله،وأن تلك الشهادة ليست جديدة من رجل عمل على استقلال القضاء،كلامكم صحيح وغاية في الصراحة،خاصة وأننا إن بحثنا عن قاضي قريب لقاضي أخر،أو من عيلته أو له قرابة لأحد القضاه فلن نجد،القضاء طيلة عمره مستقل ويعتمد على الأكفاء فقط وليس بالمحسوبية والواسطة،ولكن أكثر ما أزعجني هو تكالب رجال أصحاب المصلحة،من الناقمين على ثورة يناير،للتبرك بهذا الحوار وخاصة عبدالرحيم علي،الذي أعلن صراحة أن "من سيقول أن ثورة يناير كانت سلمية فسوف أعطيه على قفاه"، يقصد بالطبع  قفا المواطنين وليس المسئولين لا سمح الله.
تركت حوار مبارك وردود الأفعال لأهدأ قليلاً،فالعمر "مش بعزقه"،لو أصابني مكروه بسبب ضغطي فمن سيطعم أولادي، انتقلت اتصفح الجريدة،فوقعت عيني على عنوان يقول"إقبال ضعيف في أول أيام حجز المليون وحدة سكنية"،طبعاً أنا أتذكر ذلك الإعلان،الذي أعلن فيه وزير الإسكان وهو يذكر شروط التقدم،وأن من بينها أن ينطبق علي المتقدم حد دخل معين طبقاً للقانون،في الحقيقة عقلي قال لي لماذا لا تقدم،الشروط كلها تنطبق علي،بقى أن أعرف الحد الأقصى لدخل المتقدم،طالعت القانون فوجدت أن الشرط أن لا يتعدى الدخل 1200 جنيه شهرياً،فرجعت إلى الشروط فوجدت أن قيمة القسط الشهري للوحدة 480 جنيه، ضحكت وقلت كيف لمواطن مطحون لا يمتلك شقه ويجلس عن أبيه أو حماته أن يدفع 480 جنيه من إجمالي دخل 1200 جنيه، ماهو لو كان يقدر يدفعهم كان أجر بيهم شقه في حي شعبي سكن فيه بعيد عن العيلة من زمان،طبعاً الإقبال سيكون ضعيفاً لأن شروطكم عندها عقم تفكيري،ما رفع ضغطي مرة ثانية رغم أني تعمدت أن أبعد بسببه عن حوار مبارك هو تعليقات المواطنين داخل الخبر"نفسي يبقوا صادقين وأخذ شقه ومتبقاش زي الإعلانات اللي بنسمع عنها كل يوم والتاني في المحافظة"،"أنا سمعت عن المشروع بس مش ناوي أقدم فيه لأني عارف إن كل حاجه في البلد دي بالواسطة والمحسوبية"،التعليقات أعادتني مرة ثانية لمبارك فوجدت لساني يتمتم بكلمات قبيحة أخرى، فمبارك هو الذي جعل الشعب يعيش في الشارع،في عصره ظهرت الكومباوندات والشاليات الفاخرة والفيلات،وفي عصره أيضاً ظهروا أولاد الشوارع،في عصره ظهرت المحسوبية والواسطة والرشوة،وفي عصره مات آلاف الناس بسبب وقوع المنازل في العشوئيات التي تفحلت وتوحشت،في عصره ظهر الفساد الذي استولى به اصحاب المصالح على الأراضي بالملاليم وباعوها بالملايين،والمواطنين يعيشون في عشش صفيح بجوار النيل،في عصر مبارك محيت شخصية المواطن المصري،ومحيت ثقافته،ومحيت شجاعته،وتم القضاء على حريته ونزاهته داخل السجون والمعتقلات، والآن نجده يظهر لنا في ابهى حلة يرتديها مثلما فعل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، حين ظهر للشعب بعد طول غياب مدعياً أنه كان في السماء،اليوم مبارك يعود لنا والشعب بلامأوى،يعود لنا على صفحات جريدة الوطن والوطن بلا سكن.
وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق