الجمعة، 7 فبراير 2014

ياجامع الناس ليوم لا ريب فيه




تصيح الطفلة منادية علي أبيها في لهفة قائلة "هيا يا أبي لقد مر من اليوم نصفه ونريد أن نذهب إلي منزل عمتي " يبتسم أحمد وينظر بوجه بشوش إلي ابنته قائلاً " ولما الإستعجال ياحبيبتي فلدينا سيارتنا ولن يستغرق الطريق سوي ساعة فقط ونصل إلي بيت عمتك " تجذب طفلته الأخري قميصه في براءة قائلة "قل إن شاء الله هكذا قالتلي أمي" فيحملها بين يديه مداعباً إياها في لطف وقد حثهما علي سرعة الصعود إلي الكرسي الخلفي من السيارة والإستعداد للمغادرة .
يبدو أن اليوم مشرقاً وجميلاً وسط كل تلك الحقول والهواء العليل هكذا يصف أحمد شعوره بجمال الطبيعة لزوجته الجالسة بجواره داخل السيارة وقد ودعوا قرية العائلة وانطلقوا يجتازون الأميال وسط الزراعات نحو بيت أخته الكبري بأحد المدن القريبة ، يمعن أحمد النظر نحو الطريق ويبدأ في إعداد قائمة الأعمال التي ينوي أن يقوم بها فور وصوله إلي المدينة ، ربما ليس لديه الوقت الكافي للقيام بها كلها ولكن سيبدأ في تحقيقها من لحظة الوصول ، يراجع أحمد القائمة ، هناك جولة سريعة لابد أن يقوم بها فور الوصول لزيارة الأماكن التي يحمل بداخله ذكريات لها في وقت صباه ، هناك زيارة لمنزل عمه بأحدي القري المجاورة للمدينة ، لديه أيضاً موعد مع أحد الأصدقاء وأشياء أخري، يكرر ويؤكد مراراً وتكراراً علي مواعيده ولكن يبدو الوقت ضيقاً لإجراء كل ذلك قبل موعد العودة إلي منزله ، يشعر أن الوقت يسرقه فيضغط علي دواسة البنزين ليسرع أكثر ولكن فجأة يري مؤشر حرارة السيارة يرتفع بسرعة شديدة ثم يقفز فجأة إلي الخط الأحمر وينزعج أحمد لذلك ويتوقف علي جانب الطريق مسرعاً نحو مقدمة السيارة يستكشف الأمر فيري قربة ماء التبريد وقد خلت من الماء ودرجة حرارة السيارة قد بلغت من الخطورة مايجعل السير مع ذلك مستحيلاً ، ينظر حوله ، عليه أن يجد مكاناً يحضر منه زجاجة ماء يملؤ بها قربة ماء التبريد ، فلا يجد إلا منزلاً ريفياً بعيداً محاطاً بالزراعات ، يتوجه إليه في طلب الماء ويرجع وقد بدأ يستعد لإرجاع الحال إلي سابق عهده وينطلق نحو تحقيق خطته ، تسأله زوجته من داخل السيارة عن المشكلة فيشير إليها مبتسماً "لاشئ لا تقلقي سننطلق حالاً ، فقط نقص بماء التبريد " تطل عليه ثانياً ابنته الكبري من شباك كرسيها الخلفي قائلة " إن شاء الله" فيلوح لها أحمد بضجر آمرها بالعودة إلي داخل السيارة ، ولكنه فكر في أن ينزع غطاء صمام دورة الماء ليفرغ الهواء المختلط بالماء أثناء ملئ القربة لضمان حسن السير وراحة البال من حدوث أي مشكلة أخري ، وبالفعل يقوم بذلك ولكن غطاء الصمام يقع اسفل السيارة ويضيع وسط الشوائب ويبحث عنه فلا يجده ، يعاود البحث عنه مرة أخري ولكن لا أثر له ، ظل علي هذا الحال طويلاً ، الليل بدأ يسدل خيوطه علي الطريق والوضع لم يتغير ، يعاود البحث وقد مر أكثر من ثلاثة ساعات وهو يقف يبحث عن حل وسط هذا الظلام ولكن مازال لايجد غطاء الصمام ، تنزل زوجة أحمد من السيارة للمرة الثالثة وقد حملها الملل علي أن تشارك زوجها المشكلة وتسأله "قل لي ما المشكلة عسي أن أساعدك " فيقول لها غطاء صمام دورة مياه تبريد السيارة ضاع مني ولا أجده ولايمكن أن نسير بدونه ، فتبادره زوجته قائلة " إذاً كرر ورائي هذا الدعاء لتجد الغطاء فيرد عليها أحمد في انفعال واضح " وهل هذا الدعاء هو ما سيرجع لي الغطاء ، أرجوكي عودي إلي مقعدك حتي أركز في ايجاد حل لما نحن فيه " فتبتسم الزوجة قائلة في هدوء " لن تخسر شيئاً ، فقط ردد خلفي هذا الدعاء ... اللهم يا جامع الناس ليوم لاريب فيه اجمعني و ضالتي " قالها أحمد خلف زوجته ثلاثاً ليتخلص من إلحاحها وعاود البحث عن الغطاء ولكن لم يجده ، ينتظر أن يقوم الدعاء بمفعوله ويجد الغطاء كما تدعي زوجته ولكن لا فائدة ، يقف أحمد أمام موتور سيارته وقد أرهقه التعب والبحث وارتسم علي وجهه اليأس فتداعبه زوجته محاولة التخفيف عنه قليلاً مستفسرة عن شكل هذا الغطاء ويرد عليها أحمد بضجر وعدم اهتمام واصفاً إياه لزوجته ويحاول أن يقرب شكله إلي شئ تعرفه فيقول لها هو غطاء بلاستيكي مثل غطاء بلف عجلة السيارة وفجأة يقف أحمد مذهولاً ويكرر قائلاً " غطاء بلف عجلة السيارة " ويهم مسرعاً نحو عجلات سيارته يبحث عن غطاء بلف إحداها فلا يجد وزوجته متعجبه من فعله وتسأله فلا تجد منه رداً سوي " غطاء بلف عجلة السيارة" يدعو الله أن يجد هذا الغطاء في العجلة الإحتياطي بالشنطة كأخر أمل له وبالفعل يجدها ويعود بها مسرعاً للصمام ويضعه ويجده نفس المقاس ونفس الشكل وقد أغلق بالفعل الصمام فتنطلق حنجرته صارخة " الله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر" كررها كثيراً بصوت عالي جداً كالمجنون من ذهوله من تأثير الدعاء ، لقد كان يعتقد أن الدعاء لن يجدي وكرره خلف زوجته بلا اهتمام فقط ليسكتها وكانت أقصي أحلامه أن يستجاب الدعاء ويجد الغطاء ولكن الله أبدله بشئ أخر كان أمام عينيه ولا يراه ، لقد استجاب الله للدعاء بعد ترديده بلحظات وأحمد يقف متجمداً من عظمة فعل الله في إيجاد البديل بشئ لم يكن يتوقعه مطلقاً ، يتلجم لسانه للحظات ثم يعاود الصراخ مرات أخري قائلاً " الله أكبر ... الله أكبر ... الحمد لله " وقلبه ممتلئ بالفرح والسرور ويصعد إلي سيارته وقد عادت تعمل مستعداً لإستكمال رحلته إلي منزل أخته مخاطباً زوجته " نحمد الله علي معجزته لنا وسنسرع للحاق بمواعيدنا قبل فوات الأوان " فتجذبه ابنته الصغري من الخلف قائلة له " يا أبتي قل إن شاء الله " فيرد عليها أحمد مبتسماً وكأن هماً قد ألقي من علي كتفيه " إن  شاء الله يابنتي فبدون مشيئته لن يتحقق شئ مهما كنا نعتقد أننا ملكنا الدنيا " وينطلق أحمد وأسرته نحو المدينة وقد أزاح الله عنهم أمراً كان مفعولا .
كتبها : وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق