السبت، 28 سبتمبر 2013

وكالة التزويغ للتوزيع الخارجي


"من يوم ما قامت الثورة وإحنا حالنا واقف ولا فيه شغل ولا يحزنون" ، هكذا يشكو مدير قسم التوزيع الخارجي بالوكالة حاله إلي أحد أصدقائه عبر التليفون المنزلي قبل أن يهم ليعقد العزم علي الذهاب إلي الوكالة ، يشد الحاج مرتضي أزيال همته واقفاً في تباطؤ شديد ليغادر المنزل إلي عمله وقد ضاقت به الدنيا وخصوصاً بعد أن يأس من سيارته المتهالكة التي لم يلتزم الميكانيكي كالعادة في موعده معه ليصلحها وكم هو مهموم لأنه سيضطر إلي الذهاب إلي العمل اليوم بالمواصلات ، يقف مرتضي بوسط الشارع ليفاجئ وكأن بلاعة من الناس قد ضربت أمام منزلة ينتظرون ميكروباصاً يقلهم إلي محطة المترو ، يتصبب عرقاً ويحاول أن يجمع شتات قوته من اجل أن يحصل علي مقعد يحشر نفسه بداخله ليلحق بعمله وأخيراً ينجح في ذلك ولكن الضجر يتملكه حين يري الركاب يشتبكون بالصياح والإعتراض مع السائق لأنه يستغل الموقف وحاجة الناس ويرفع من الأجرة وبعد محاولات يمتثل الجميع لأمر السائق ويدفعون الأجرة ولكن السائق يسارع في قول جملته الشهيرة بكل رخامة واستفزاز " أخرنا هنا ياجماعه " والناس يتهامسون في ضجر ولكنهم في النهاية وللمرة الثانية يمتثلون للواقع ويكملون الطريق سيراً علي الأقدام ، يجرجر مرتضي أقدامه بهمة وسرعة ليلحق بالمترو حتي لا يتأخر عن عمله ولكن الطريق يملؤه الباعة الجائلون ويستولون علي أكثر من نصفه والناس يتزاحمون علي السير وهذا يضرب في كتف هذا ثم يعتذر وهذا يحث تلك علي الإسراع وهناك تاكسي يسد الشارع وبينه وبين بعض الأشخاص معركة لفظية لأنه ضرب الممر الضيق للعبور في مقتل وتكدست الناس والجميع يصرون علي المرور من الجانبين وأخيراً ينجو مرتضي من الزحام ويلحق برصيف المترو فيأخذ نفساً عميقاً يوحي بالفرحة علي الوصول فالمترو مهما كانت الزحمة به له مواعيد تقاطر والمهم أنه ضمن وسيلة مواصلات سريعة ، ينظر مرتضي إلي الساعة الكبيرة المعلقة علي أحد السواري برصيف المحطة فيجدها وقد دقت الثامنة ولم يأتي المترو إلي الرصيف ، لابأس فلينتظر بعض الوقت ، هذا لسان حاله ، ثم تمر عشر دقائق اخري ولم يأتي المترو والناس يتكدسون علي الرصيف حتي كاد أن ينفجر من حمل الاقدام ، مرت ربع الساعة ولا ظهور لصوت المترو فبدأ الناس يتهامسون ويسألون وتأتي الإجابة عبر الإذاعة الداخلية  بوجود متظاهرون يمنعون سير القطار وأن الشرطة تحاول إقناعهم بفتح الطريق وهذا سبب التأخير ، يتمتم مرتضي في ضيق وهو يقول " وأيه بس اللي خلاني أنزل النهاردة ما كنت أخدته عارضة وخلاص طالما العربية عطلانه " ثم يهرش في رأسه وكأنه يفكر ماذا يفعل ثم يقرر أن ينتظر حتي يأتي المترو ، وبعد طول انتظار جاء المترو واستقبله مرتضي في سعادة بالغة وتنفس الصعداء ويسلم مرتضي جسده إلي أمواج الركاب المتدافعين نحو القطار ليجد نفسه ملصوقاً بجوار أحد الأبواب ولا يعرف حتي كيف يتنفس ويمتثل للواقع ويصبر حتي تأتي محطة نزوله ويحاول في جهد جهيد أن ينزع جسده من بين الكتل البشرية المتلاصقة بكل قوة ويكاد ييأس من الوصول إلي الباب ولكن القدر وحده ساقه إلي الرصيف أخيراً ولكن بدون إحدي فردات حذائه الجلدي ولكن والحمد لله يلقي به أحد الركاب له من الشباك ، ينزل مرتضي إلي الرصيف ولديه رغبة شديدة في أن ينزل إلي الأرض ويسجد لله شكراً علي سلامة الخروج من المقبرة الجماعية التي مات بداخلها لبضع دقائق ولكنه يخشي أن يضحك عليه المارة فيبعد الفكرة عن خاطرة ويقول في سره " سبحان الله ازاي الناس بتتحمل القرف ده كل يوم الحمد لله ان أنا عندي عربية " يخرج مرتضي من المحطة مسرعاً إلي الشارع وقد أصاب ملابسه بعض الأذي ولكن لا بأس المهم أنه وصل أخيراً إلي مقر عمله ، ربما يكون قد تأخر لمدة نصف ساعة ولكن ليس مهماً  المهم أن العمل ينتظره ولابد أن يؤدي عمله ولا يعطله فالعمل أولاً ، يدخل مرتضي إلي باب مكتبه المكتوب عليه " وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويسلم علي كل مرؤوسيه الذي سبقوه طبعاً للحضور مبكراً ويستعد الجميع للعمل ، يرفع المدير سماعة التليفون الداخلي ويطلب البوفية ليحضروا له إفطاره اليومي فهو لا يكثر من الطعام فقط يحب أن يتناول خمسة سندوتشات مشكلة من الفول والطعمية والبطاطس مع قليل من المخلل ثم يحبس بكوب ضخم من الحليب المزود بالشاي الساخن ويختم كل هذا ببعض الكابوتشه ليساعد علي الهضم حسب إعتقاده ، وبالطبع فإن كل مرؤوسية العشرة قد سبقوه إلي مثل ذلك ومنهم من مازال يتناول إفطاره ، يبدوا أنه يوم جديد مليئ بالنشاط والحيوية والحرص علي العمل فالحضور كامل واليوم مازال في بدايته ، وفجأة تبدأ طاحونة العمل ، يتقدم إليه اثنان من العاملين بالقسم يطلبون الإذن في الذهاب إلي أحد العمليات القريبة ليوقع لهم العميل علي أمر الإستلام للطلبية التي استلمها أمس من الوكالة وينظر إليهم المدير بنظرة ثاقبة ثم يقول " استنوا شوية إحنا لسه بدري ده يمكن حتي العميل ملحقش يصل لمقر عمله ، وبعدين انتوا الاتنين هتروحوا علشان تمضوا العميل ماكفاية واحد " فيردوا بأن أحدهم سيذهب لتصوير أمر الإستلام قبل تسليمه وبعد تسليمه والأخر سيتولي متابعة توقيع العميل فيبادرهم المدير العام بقوله " بس مفيش عربية لأن عربية الشغل عطلانه النهاردة ، بُصوا روحوا بمعرفتكم وروحوا من بره بره مع السلامة " ويوقع مرتضي علي الأذون ويمضون ، من بعيد هناك ثلاثة أخرين يستعدون للتوجة إلي مكتبه وقد حملوا بأيديهم اذون أخري للذهاب إلي مصالح مماثلة ومرتضي يوقع لهم ، ويسارع إليه سادس بمفردة ليطلب إذناً للعرض علي طبيب الوكالة فيوافق له ويذهب ، ويدخل السابع ليحصل علي إذن شخصي لوجود ظرف طارئ لديه ولابد أن يغادر فوراً ، ثم ينظر مرتضي إلي البقية فيجد متبقي ثلاثة موظفين وقد جهزوا أنفسهم للمغادرة ، فواحد منهم يرجو المدير أن يسمح له بالإنصراف فاليوم هو يوم الخميس وهو علي موعد مع سفر طويل إلي قريته البعيدة فيرد عليه المدير بأنه لابد أن نتقي الله في عملنا وهو يوقع له والأخر يقترح أن يشتري بعض الأدوات المكتبية إلي القسم لزوم انجاز الأعمال بالقسم فيلقي ذلك استحسانه والثالث يطلب أن يتوجه إلي المكتب الرئيسي للوكالة ليسلم بعض الملفات التي كان قد كلف بها أمس ولكن الظروف لم تسمح له بسبب حدوث طارئ اضطره العودة إلي بيته دون أن ينفذ الأمر ، ويتلفت مرتضي سيادة المدير حوله فيجد أن المكاتب أصبحت خاوية من الموظفين وينظر إلي ساعة الحائط فيري أن الساعة مازالت العاشرة صباحاً فيتمتم بكلمات لا يسمع منها إلا همس الإعتراض والضيق مما يحدث ، ثم يعاود الإرتفاع بصوته محدثاً نفسه " وهو ده شغل والله ما أنا شغال أنا كمان " ثم يرجع بظهره ليتكأ علي مسند كرسية قليلاً وقد ألقي القلم الذي وقع به للجميع وهو يفكر في هدوء ماذا يفعل ؟ ، نعم أخيراً تذكر مرتضي سيارته المعطلة أمام المنزل وتذكر المعاناه التي لحقت به أثناء القدوم إلي العمل فينتفض فجأة من علي مسند الكرسي ويلتقط سماعة التليفون ويتحدث إلي سائق سيارة القسم ويطلب منه أن يجهز نفسه لأنه سيتوجه الأن إلي المنزل ويغلق الخط وهو يقول " مفيش فرصة أحسن من كده ألحق الميكانيكي بقي علشان يعملي العربية بدري بدري " ويقف ليهم بالخروج من المكتب ولكنه يتوقف للحظة يبدوا أنه يفكر في أمر أخر " يمسك بالتليفون الداخلي مرة أخري ويسال عن أحد ميكانيكية الوكالة ويطلب منه أن يلحق به عند سيارة القسم لأنه يحتاجه في مصلحة كما قال له في التليفون ، ويجمع مرتضي البقية الباقية من كرومبة الكابوتشه ويغلق لمبات القسم ويخرج منه مغلقاً خلفه الباب وهو يصرخ علي الساعي الذي يأتي إليه في تباطؤ شديد وقد أشغله تليفونه المحمول الذي يستمع فيه إلي أغنية " تسلم الأيادي " ومرتضي ينفجر في وجه الساعي " ما تهم يابني أدم ، تعالي اقعد في المكتب ولو المدير العام سأل عليا ابقي قوله راح يوزع طلبية مهمة بالخارج ويمكن يتأخر ولو مرجعتش ابقي اقفل الباب بالمفتاح اللي عند الأمن " ويغادر مرتضي المبني مسرعاً ليلحق بسائقه فالوقت بالنسبة له الان من ذهب والطريق مازال طويلاً ، ويقابل مرتضي علي مدخل العمارة أحد العملاء ويطلب منه استلام ملف الطلبية القادمة فيلوح له بأن يأتي غداً لأن لدية موعد عاجل ولابد أن يتوجه إليه الأن ويقترح عليه إن كان مستعجلاً علي الطلبية فليصعد ويترك الملف مع الساعي بالقسم ، ويغادر مرتضي المبني وقد اصابه الإرهاق الشديد من معركة اليوم في العمل ويفكر في أن يأخذ يوم الأحد القادم اجازة من العمل لأنه يرغب في الراحة والإستجمام فالعمل لن يطير ولو أنه يعلم أن غيابه سيؤثر علي العمل ولكن لابأس فربما يطلب مرؤسية يوم الأحد ليحضروا له أذون الإنصراف التي برغبون في توقيعها للبيت حتي لا تتوقف مسيرة النجاح ويتم تسيير العمل .
وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق