السبت، 21 سبتمبر 2013

ثورة تبحث عن زعيم


يكتبها : وفقي فكري
المتفحص للتاريخ لن يجد أن مشاهير التاريخ والذين تركوا بصمة علي صفحاته إلا رموزاً  للديكتاتورية والتسلط ، وفيما عدا هؤلاء الحكام من أصحاب الخلفية الدينية أمثال محمد (صلي الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين ومن تبعهم بحكم رشيد فإننا سنري أن هؤلاء البارزون كانوا يحكمون بلادهم بنظريات خاصة ، فمنذ فجر التاريخ لو أخذنا مثلاً للحكام فسنجد نعارمر موحد القطرين يضرب بيد من حديد علي من يخالف طموحاته في توحيد مملكته ، وفي التاريخ المعاصر نري نماذج كثيرة خلدها التاريخ تحت عناوين الزعامة لبلادهم أمثال نابليون بونابرت وهتلر وموسيليني وغيرهم وغيرهم ، وجميعهم كانت لهم نظرتهم الخاصة في طريقة الحكم حتي صار يطلق عليهم في التاريخ زعماء رغم ما قاموا به من تسلط وتجبر .
وفي مصر نجد الزعماء مختلفون ، فمن حفرت اسماؤهم بحروف من نور كان لهم اسلوبهم المختلف في وضع بصمتهم الخاصة والمؤثرة لخدمة وطنهم وشعبه ، فهذا أحمد عرابي الذي ذكر له التاريخ وقوفه أمام الخديوي توفيق ليقول له جملته الشهيرة " لقد خلقنا الله أحراراً ... "وهذا مصطفي كامل الذي قال "لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً" وسعد زغلول الذي كان من مقولاته الشهيرة "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة" وغيرهم وغيرهم الكثير ممن استحقوا أن يذكرهم التاريخ بلقب الزعماء لأنهم أحبوا وطنهم وصار دماً يجري في عروقهم فدافعوا عنه وظلوا يعملون من أجله حتي أخر نفس في أعمارهم .
واليوم وبعد ثورة تلاها موجة أخري منها أين نصيب مصر من زعماء الحاضر ، وأين من تمخضت عنهم تلك الثورة ليقودوا بنا دفة المسار إلي شواطئ الأمان .
إن ثورة 25 يناير لم تنجح أن تفرز لنا زعيم يستطيع أن تتفق عليه جموع الشعب المصري ويمتلك ملكة وموهبة توحيد القرار والبعد عن التخبط والضياع الذي نعاني منه الأن ، والسبب في ذلك يرجع إلي أمرين هامين ؛ أولهما أن الثورة المصرية عسكت نظرية الثورات في العالم ، فهي أول ثورة خرجت بحس شعبي جامح دون ترتيب أو تنظيم ، فلم يقودها فصيل أو جماعة ولم يحركها تيار بعينه مثل ثورات الجياع أو العمال أو حتي العسكر ، وإنما كانت عفويتها دليلاً علي عدم وجود تخطيط مسبق لها ، فالثورة المصرية الحديثة لم يتقدمها زعيم ولم تنتجه وإنما قامت وخفت قوتها دون وجود قائد يتولي استكمال المسيرة .
ورغم أنها أذهلت العالم فإنها تحولت إلي سوق من تجار السياسة ومبتدئيها علي حد سواء ، فتارة نجد شباب الثورة يحاولون تصدر المشهد فيفشلون بسبب استقطابهم من أصحاب النفوذ والقوة ، وتارة نجد جماعة تطفوا علي السطح تجرب فينا نظرياتها الفاشلة في القيادة فتلقي حتفها دون سابق انذار ، ثم نجد في النهاية الثورة تبحث عن زعيم فلا تجد إلا فلول من قامت ضدهم ليظهروا لنا مرة أخري بوجوه مستعارة لحماة الثورة ومطالبها .
متي كان السبب الرئيسي لقيام الثورة حماة لها ، ومتي ظن هؤلاء أننا سننخدع بمعسول الجمل وبريق الذكاء السياسي الذي اعتادوا وتمرسوا عليه ، هؤلاء دائماً مايحسبون المعادلة بالخطأ ، لأنهم يعتقدون أنهم يستطيعون الأن كسب الشعب باللعب بأوراق تمس الغلابه والفقراء سواء بالتلويح بإقرار العدالة الإجتماعية بتحديد الحد الأدني للأجور والإعفاء من مصاريف المدارس الحكومية والتصريح ببدء انطلاق مشروع المليون وحدة سكنية للفقراء وغيرها من التصريحات الرنانة التي تعطي الأمل والمؤشر علي التغيير ، ولكنه في الحقيقة فإن "ريما رجعت لعادتها القديمة كما يقولون" ومن خلف الستار يُعيدون بناء الدولة العميقة التي أزالت قشرتها الخارجية ثورة يناير وأثرت فيها بعض الشئ ولكنها لم تقتلعها من الجذور ، فالبنية التحتية للفساد مستمرة ومتعمقة أكثر من ذي قبل ، وطالما أن الاساس جيد فإعادة الوضع لأصله في منتهي السهولة بالنسبة لهؤلاء والسيطرة علي الأمور لن تستغرق إلا القدر اليسير من أجل العودة إلي فلك الماضي .
نحن نحتاج إلي زعيم حقيقي يخاف علي مصر ويحركه حبه نحو إنقاذ الوطن من اللصوص والمنتفعين الذي تجبروا أكثر من ذي قبل وعادوا للإنتقام ، والسبب وراء ضياعنا وتشتتنا حتي الأن هو صراع المصالح ، سواء كانت داخلية أو خارجية ، فمصر مخترقة من أبناءها أكثر من أعدائها ، وجميع من بالساحة الأن لا يعبرون إلا عن مصالحهم الشخصية ولو تفحصناهم جميعاً لن نجد منهم مخلصاً أو وفياً لوطنه .
اللهم ابعث لهذا البلد زعيماً وقائداً محباً له ومخلصاً لخدمته دون مقابل ، وقيد لنا من رجالك من ننتفع بقوته وقدرته ليوحد الصف الذي شق ويرأب صدعنا الذي زاد إنك علي كل شئ قدير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق