السبت، 1 ديسمبر 2012

المقاولون العرب بين الروتين الحكومي وروح التجديد

يكتبها : وفقي فكري 

من يتأمل حال شركة المقاولون العرب الأن بعد سنتين من مرور ثورة 25 يناير 2011 ربما يتعجب من وضع هذه الشركة وصلابتها في مواجهة الإنحدار الخطير الذي لحق بإقتصاد مصر بسبب الشلل التام الذي أعقب قيام الثورة نتيجة التوقف الكامل لكل المؤسسات والكيانات المنتجة بالدولة ورغم ذلك وقفت شركة المقاولون العرب شامخة متحدية تلك الأزمة الثورية وأوفت بما طلب منها تجاه العاملين بها ولم تشعرهم بأي نقص في الدخول أو أي ضغوط حياتية كان من الطبيعي أن يتعرض لها كل مصري في هذا الظرف الخطير من عمر الوطن .
ورغم النقد الكثيرالذي لاقي رئيس مجلس الإدارة السابق المهندس إبراهيم محلب وزاد بصفة خاصة في نهاية عهده في إدارة الشركة إلا أنه يحسب له وبإقتدار القيادة المالية الحكيمة التي إستطاع بها توفير التمويل الداخلي والسيولة المطلوبة لإستكمال مشروعات الشركة خصوصاً في داخل الجمهورية وتوفير السيولة المطلوبة أيضاً للوفاء بمرتبات الموظفين كل شهر دون إشعارهم بكم الضغط علي الشركة ولعزل العاملين بالشركة عن مخاطر سوق العمل بالداخل ، والمتأثر تأثراً كبيراً وبشدة نتيجة قيام الثورة ، واستطاع أن يخرج بالشركة إلي بر الأمان حتي تقدمة بإستقالته في بداية شهر سبتمبر من العام الحالي ، وبدأت معه مرحلة جديدة بتعيين رئيس مجلس إدارة جديد من خارج الشركة وبدعم كامل من الدكتور مرسي رئيس الجمهورية حتي أنه أصدر قراراً جمهورياً - علي غير العادة- لتعيينه ولم يتبع الأسلوب التقليدي في أن يعين رئيس مجلس الإدارة بقرار من وزير الإسكان أو رئيس الوزراء .
ومع بداية عهد جديد توسم الجميع داخل الشركة أن يأتي رئيس مجلس الإدارة الجديد بفكر مختلف في الإدارة والتنفيذ ، وبالطبع وكعادة المصريين في استباق الأحداث وقبل أن يضع الدكتور اسامة الحسيني قدمة بالشركة بدأت تنطلق الإشاعات والأقاويل ، فهناك من قال أنه دكتور أكاديمي ليست لدية الخبرة الكافية لإدارة شركة مقاولات كبيرة مثل شركة المقاولون العرب التي تحتاج إلي رجل محنك ومحتك بالسوق وأساليب عمل شركات المقاولات ، وأن ذلك سينحدر بالشركة إلي الإنخفاض ، ومنهم من قال أن الدكتور أسامة الحسيني ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين وأنه جاء لتطبيق أجندة للإخوان المسلمين للسيطرة علي مفاصل الإقتصاد المصري ومنها شركة المقاولون العرب بالطبع .
والحقيقة وبعد كل هذه المقدمة التي يعلمها الجميع فإن القضية ليست في حقيقة إنتماءات رئيس مجلس الإدارة الجديد وليست في نوايا الإخوان المسلمين في السيطرة علي شركة من كبريات الشركات في الشرق الأوسط والعالم بأسرة ، ولا في طبيعة الرجل الأكاديمية ، ولكن الذي ينبغي أن نفكر فيه هو البحث داخل عقل الدكتور أسامة الحسيني فيما يمكن أن ينتهجه من اساليب في قيادة شركة المقاولون العرب ، والأفضل أن نشعر بضخ دماء جديدة في هيكل إدارة الشركة في المرحلة القادمة كمواكبة لروح التغيير التي فرضتها روح الثورة ، فلا يعقل أن تظل الشركة تدار بنفس الفكر القديم في الإدارة -مع الإحترام الكامل لهم- ولكن لابد أن يبحث الدكتور أسامة الحسيني عن نهج جديد يعتمد علي تبني سياسات جديدة في الإدارة تسمح بإصلاح أمور هائلة معيوبة داخل هيكلة شركة المقاولون العرب .
وحتي لا يكون مقالي مجرد محض كلمات ترتب بجوار بعضها دون إعطاء فكر جديد أو ومضة من إبتكار أو طرح مقترح فلابد إذاً أن نقدم بعضاً من المشاكل التي تعاني منها الشركة ونضع لها بعضاً من الحلول المقترحة لنساعد بها الرجل في التطوير ، ومن أهم هذه المشاكل هو الفساد الإداري الذي قوض أي إنجاز قد يقدم داخل الشركة ، وهذا الفساد اساسه سنيناً طويلة من الروتين واللوائح الهزيلة التي لم تعد تصلح للوقت الحالي ولا تتناسب والتكنولوجيا التي غزت كل الأسواق وهذه اللوائح تترك مساحه كبيرة وثغرات للفساد فمثلاً لايعقل أن نضع أسلوباً متطوراً وجيداً للمرتبات والذي يسمي إصطلاحاً التسعير ولا نضع له آليه جيدة وصارمة لتطبيقه تمنع من تدخل الأهواء الشخصية والتي تفتح الباب للظلم والإحتجاح والهيجان بين جموع العاملين بالشركة ، إذاً الحل أن يدور حواراً راقياً بين المتخصصين في الشركة لوضع آلية جيدة تضمن التطبيق الصحيح والعادل لهذا النظام .
الأمر الثاني هو الشيخوخه التي أصابت الشركة في إدارتها وسببها هو إحتكار الوظائف القيادية لإشخاص بعينهم وتوريث تلك المناصب لأقاربهم ومعارفهم ، وترك شباب الموظفين بالشركة يحقدون وينقمون في قاع الوظائف ويصيبهم اليأس من إثبات كفائتهم وفقد الأمل في الوصول إلي منصب قيادي ، خصوصاً في ظل ظاهرة التجديد للقيادات بعد سن المعاش مما أشعر الباقين بالظلم ، والحل هو أن توقف الشركة أي تجديد لأي قيادة مهما كانت كفائتها لترك الفرصة لتصعيد من هم في المستوي الأدني في تلك الوظائف وإعطائهم الفرصة لإثبات كفائتهم ، كما أن مجالس قادة المستقبل التي أنشئها رئيس مجلس الإدارة السابق من أجل خلق صف ثاني وثالث من الشباب في الوظائف القيادية لم نحصد منها أي فائدة لأنها تحولت إلي مجالس محبطة وقعت تحت سيطرة مديري الأفرع والإدارات التي حجمتها وقضت علي أي صلاحية لتلك المجالس يمكن من شأنها أن نخرج بفكرة شابة جيده أو نري منها قيادة شابة فذه تصلح لأن تكون في منصب قيادي ، بالتالي فمطلوب الإيمان الكامل بتلك المجالس وإطلاق اليد لها ولشبابها من أجل أن نصنع صف من الشباب قادر علي الإبتكار وإتخاذ القرار لنقضي علي الشيخوخة التي اصابت الشركة ونطعم قيادة الشركة بفكر شاب يملك التكنولوجيا والوسائل الحديثة في التنفيذ والعمل ويملك اسلوب غير تقليدي ونمطي في الإدارة.
ثالث هذه المشاكل هو أسلوب العمل الروتيني الذي يتم داخل الشركة والذي يكمن في الإعتماد علي الأساليب التقليدية في الإدارة من حيث طرق إدارة الأقسام والمفاصل الأساسية بالشركة والمتمثلة في الموارد البشرية والمالية والمكاتب الفنية ؛ الموارد البشرية تعمل بلائحة تعتمد علي عدم الإفصاح عن قوائم التسعير والجزاءات والدرجات الوظيفية ، مما يدفع الكثير إلي اتهامها بالغموض والجور علي حقوق العاملين والمحاباه لاشخاص بعينهم ، والحل هو أن يتسم عمل الموارد البشرية بالحيادية والعلنية والشفافية التي تعتمد علي طرح النتائج لعملها والضوابط علي الجميع ، كما ينبغي أولاً وقبل اي شئ أن يتم التدريب لاي كادر يعمل في الموارد البشرية قبل مباشرة عملة علي الشئون الإدارية وطرق معاملة كافة أنواع العاملين والتعاطي مع مستوياتهم العقلية والوظيفية دون تحقير أو تمييز حتي ينصلح حال هذا القطاع المهم بالشركة ، الإدارة المالية حاولت تعمل في الفترة الأخيرة علي برامج معد لها هدفة الربط بين كل أرجاء الشركة في برنامج واحد ، ولكن الكارثة أن من يعملون عليه يفتقرون إلي كيفية التعامل مع البرامج الحديثة لقلة التدريب ، والحل هو أن ينشئ برامج تدريبية لتدريب العاملين بالشئون المالية في كيفية التعامل والإطلاع علي البرامج الحديثة في هذا المجال ، أخطر تلك المفاصل المكونة للشركة هي المكاتب الفنية ، وهذه المكاتب الفنية تفتقر بشدة إلي الأسلوب الحديث في التعاطي مع العملاء وفتح اسواق عمل جديدة ، ودراسة العطاءات ، وربما يرجع ذلك إلي إضمحلال الإدارة من قبل القيادات في تطوير العمل بهذا القسم ، حيث مازالوا يعملون بالأسلوب التقليدي في دراسة العقود والأسعار وعدم وجود مقياس حساس لسوق العمل ، وربما يرجع ذلك إلي تولي الأقسام الحساسة بالمكاتب الفنية إلي أشخاص لا يملكون المهارة ولا الملكة في العمل مثل اقسام العطاءات ودراسة العقود وتحيلي الأسعار ، بل إن الكثير من الأفرع والإدارات لا يملكون قسماً للتسويق لأعمال الشركة والإتصال بالعملاء ،مما يجعلنا نخسر الكثير مما نتقدم له من العطاءات المطروحة ، وبالتالي لابد من القضاء علي هذا الروتين الإداري في العمل في تلك المفاصل الأساسية وخصوصاً في المكاتب الفنية وإفساح المجال بصورة كبيرة إلي ضخ دماء جديدة من الشباب ذوي المهارات المتقدمة في التكنولوجيا والإدارة .
أما من أهم المشاكل في شركة المقاولون العرب فهي مشكلة تصعيد مديرين في مناصب كثيرة لقيادة مجموعات عمل من الموظفين دون أدني معرفة لهم بفنون الإدارة ، وخصوصاً أن الكثير من هؤلاء المديرين قد صعدوا لتلك المناصب إما بالواسطة لمعرفتهم أشخاص مرموقة بالشركة أو عانوا الذل والإحباط حتي وصلوا إلي مناصبهم ، وبالتالي فإنهم جميعاً -إلا من رحم ربي- وهم قلة يعانون من حب السلطة والتملق والشعور بالنقص وغالباً أعمارهم كبيرة تجعلهم يخافون علي مناصبهم ، وبالتالي فإنهم جميعاً يسعون في المقام الأول إلي المحافظة علي مناصبهم ولا يعملون من أجل تطوير منظومة العمل ، ويعانون من الحكم بالأهواء الشخصية والإنحياز التام إلي البعض ، ويفتقرون إلي الحيادية والحكم بالكفاءة والمهارة في تقييم الموظفين الذي هم أدني منهم وظيفياً .
وبالتالي فإن الحل هو أن يوضع معايير معينة تضمن عدم تصعيد اي مدير إلي قيادة مجموعة موظفين إلا بعد الحصول علي دورات تدريبية في فنون الإدارة والقيادة ، وتخطي الإختبارات الخاصة بقياس مدي وكيفية التعامل مع ضغوط العمل ومهارات التفاوض وإدارة الصراعات وغيرها من الدورات التي تؤهل أي مدير للتعامل بحيادية مع المرؤسين .
وفي المجمل لابد أن تقوم الشركة بإعداد خطة لتطوير منظومة التدريب بها لأنها تقوم علي الأساليب التقليدية القائمة علي أسلوب السرد والتلقين وبعيدة كل البعد عن تكنولوجيا العالم في التنفيذ والبرامج الحديثة في التدريب ، ويعتبر التدريب أحد أهم الأساليب التي تطور وتنمي العنصر البشري في تنفيذ الأعمال ، وهو الطريق الوحيد في تنمية مهارات العاملين وإكسابهم الخبرات الجديدة في طرق العمل وتضمن التطوير المستمر لكوارد العنصر البشري في اي مؤسسة مهنية .
كل ماسبق بعضاً من المشاكل التي تعاني منها شركة المقاولون العرب وتعتبر روتيناً ورثناه من الأنظمة النمطية السابقة في الإدارة وبالتأكيد فإن محاولة القضاء علي هذه المشاكل والبحث عن إيجاد اساليب متطورة وحديثة لها سيقلل من خسائر الشركة وسيزيد من مكاسبها ، وسيدفع بعجلة الإنتاج داخل الشركة إلي شكل أفضل بكثير وسينقل الشركة إلي مستوي متقدم جداً في الترتيب العالمي للشركات ، وكل هذا سيصب بالتأكيد في مصلحة الوطن ككل ، ولكن يلزمنا لتحقيق ذلك أن تكون هناك الإدارة لدي القيادة العليا بالشركة للتطوير والتحديث والإعتماد علي شباب الشركة وإلا فلن نحقق أي مما ذكر وستتحول إلي مجرد أحلام نحاول أن نكتبها علي ورق .
فهل لدي الدكتور أسامة الحسيني رؤية مختلفة جاء بها من أجل النهوض بالشركة وتطوير منظومة العمل بها ؟
            
.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق