الخميس، 29 نوفمبر 2012

قضاء مصر الشايخ


يكتبها : وفقي فكري

كيف تصبح السلطه القضائية طرفاً في صراع سياسي ؟
هل يجوز للقاضي الإنخراط في الحياة السياسية والتحزب ؟
في الحقيقة أن السلطة القضائية هي سلطة رفيعة الشأن ولها خصوصية وإحترام بين أي تجمع إنساني ، ذلك كونها مهنة مختصة للفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في أي دولة ويلوذ إليها كل صاحب مظلمة ، وهي الجهة المعنية بضمان عدم جور أحد السلطتين علي الأخري ، ومن هنا تأتي هيبة القاضي الذي يجلس فوق منصة الحكم يرجع الحقوق ويقضي الحاجات .
ولكل ما سبق فإن القضاء لايصح أن يكون طرفاً في أي صراع سياسي مهما كانت الظروف وإلا فما السلطة التي يمكن أن نختصم ونلجأ إليها في حالات الإختلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والقضاء متحيز إلي أحدهما ؟
وثانيهما فإن القاضي بالتبعية لا يمكنه أن يكون له قبلة حزبية ينتمي إليها حتي لا تكون أحكامه وأراءه متأثرة بتيار معين وبالتالي يترتب علي ذلك صدور أحكام معيبة غير حيادية .
السؤال التالي بناءاً علي ماسبق فما هي معايير تصرفات وأراء وأحكام القضاه؟
بالتأكيد المرجعية والمعيار الوحيد لأي قاض هو شيئان ؛ أولهما الدستور وثانيهما القوانين المفسرة لذلك الدستور ، وبالتالي فإن أي حديث يخرج من فم أي قاض لابد أن يذكره طبقاً إما للدستور أو للقوانين .
نتطرق الأن إلي شئ أخر ألا وهو كيف يتم إختيار القضاه أو بمعني أشمل ماهي الصفات الأخلاقية لأي قاض يعمل في سلك القضاء ؟
بالتأكيد لما عرضناه من قيمة وهامة لعمل القضاء الرفيع فلابد أن يلتزم القاضي بصفات الحياد التام ودسامة الأخلاق والتريث والعدل وعدم الإسراع في الحكم إلا بعد التحقق والتيقن من دلائل وإثباتات الإدانه أو البراءه ، كما ينبغي أن يقول القاضي كلمة الحق في كل الأحوال وفي كل الأزمان مهما كلفته وغيرها وغيرها الكثير من الصفات الحميدة.
تعالوا الأن نطبق ماسبق علي قضاء مصر وأداؤه خلال فترة حكم مبارك ، أول تطبيق لسلوك القضاه في عصر مبارك حينما تم تعديل دستور 1971 للتمهيد لعملية توريث الحكم من مبارك إلي إبنه جمال وفي ظل المعارضة الشديدة والتي كان يكبتها النظام الأمني لحكم مبارك ظل القضاء المصري صامتاً وحين استجار الناس بالقضاء صمت القضاء صمتاً رهيباً بحجة أنه لايصح أن يتدخل في الشئون السياسية لحساسية وضعه وكلنا إحترمناه حينئذ وظل المكافحون يعترضون وحدهم دون سند ليلاقوا ويلات الإعتقال والتنكيل ، وأيضاً حينما لجئنا مرة أخري للمحكمة الدستورية للبت في التعديلات ردت بكل قوة وثقة بأنها غير معنية بالبت في أي تعديلات دستورية لأن ذلك ليس من صلاحياتها وإنما وظيفتها هي البت في توافق القوانين طبقاً للدستور فقط دون إصدار أحكام ، ثم نفاجئ فيما بعد أن شيوخ المحكمة الدستورية العليا المصرية بقيادة المستشار فاروق سلطان هي التي فصلت تعديلات مواد دستور 71 للتوريث .
هذا هو الأمر الأول ، أما الأمر الثاني جاء في فضيحة إنتخابات مجلس الشعب عام 2010 حين أراد نظام مبارك أن ينتقم من الإخوان المسلمين الذين استطاعوا أن يحصدوا مايقرب من أكثر من ربع مقاعد مجلس الشعب في إنتخابات 2005 وعزم النظام ألا ينال الإخوان أي مقاعد من انتخابات 2010 فتم تنظيم الإنتخابات بتنفيذ وإخراج وزارة الداخلية التي كانت هي المشرفة الحقيقية لتلك الإنتخابات وبحماية البلطجية ثم جاء إشراف القضاء عليها صورياً لحفظ ماء الوجه أمام منظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية ليسهل عملية التزوير التام لتلك الإنتخابات ، وبالفعل تم ماأراد النظام وظهر القضاء بالصورة الهزيلة لمشاهدته التزوير يتم أمام عينية وهو إما ساكت صامت أو خائف من بطش الأمن ، أما عن إهانة القضاء والقضاه في هذه الإنتخابات فحدث ولا حرج ، ولعل أكبر تلك المهازل هي وافعة المستشار وليد الشافعي الذي تم إحتجازة من قبل أحد الضباط لمدة عدة ساعات داخل غرفة لأنه حاول منع تزوير يتم أمام عينية ، وحينما توجه المستشار وليد الشافعي إلي مكتب النائب العام للإبلاغ لم يقابلة أحد وبعد مجهود وبعد أن تم عمل البلاغ للنائب العام بتلك الواقعة لم يتم إتخاذ أي إجراء ضد ذلك ، بل إختفي الموضوع نهائياً بعد أن خرج مجلس القضاء الأعلي وهو أعلي هيئة قضائية في مصر تنفي ذلك وتكذب الموضوع رغم أن القضية تم نشرها علي الكثير من صفحات الجرائد يومها وبالصور وبشهادة المستشار وليد الشافعي نفسه ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، وعينة المستشار وليد الشافعي واحده من عينات لقضاه كثر تم إهانتهم والتعدي عليهم ولا نادي القضاه ولا المجلس الأعلي للقضاء يحرك ساكناً ، بل كانوا يخرجون التصاريح بالتكذيب .
نأتي الأن إلي مثال للقضاء المصري بعد ثورة يناير المجيدة ، وكان من أهم نماذجها هو إنتخابات مجلس الشعب في 2012 حيث تم الطعن علي إنتخابات مجلس الشعب بسبب القانون الذي أصدرة المجلس العسكري نفسه قبل الإنتخابات بعد التوافق بين القوي السياسية علي نسب القائمة والفردي وبحضور ممثلين من المحكمة الدستورية العليا ممثلة في المستشار بجاتو والذي كان نفسة أمين اللجنة العليا المشرفة علي الإنتخابات وتم إستشارته في ذلك القانون ثم يتم بعد ذلك الطعن علي القانون والذي أحالته لجنة إدارية وهي اللجنة العليا للإشراف علي الإنتخابات المكونه من المحكمة الدستورية أصلاً إلي المحكمة الدستورية العليا ، أي من قضاه الدستورية إلي أنفسهم ، ومن لجنة إدارية إلي محكمة دستورية مخالفة لما ينص عليه القانون ، ورغم ذلك وبدلاً من أن يتم إبداء الرأي فيه دستورياً من حيث توافقة مع الدستور من عدمة يصدر الحكم بتاريخ 14 يونيو 2012 بقرار إداري ليس بعدم دستورية القانون وإنما بحل مجلس الشعب - تذكروا أننا ذكرنا في الأعلي أن هذه التصرف ينافي ما عللت به المحكمة الدستورية عدم تدخلها في تعديلات النظام السابق لدستور 71- .
المثال الثاني لسلوك القضاء بعد ثورة يناير وفي ظل حكم العسكر كما يقولون ، حيث أصدر المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي في 17 يونيو 2012 إعلاناً دستورياً مكملاً للإعلان الدستوري الذي تم إستفتاء الشعب عليه في مارس 2011 ، وهذا الإعلان الدستوري أعطي صلاحيات واسعة للمجلس العسكري وتقريباً يعتبر مماثلاً إلي حد كبير للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي مؤخراً ، حيث ضم المجلس العسكري إليه سلطة التشريع مرة أخري وإختصاص المجلس العسكرى بتقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة ويكون لرئيسه، لحين إقرار الدستور الجديد، جميع السلطات المقررة فى القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع. وغيرها من المواد المشابهه لدستور مرسي ، أي أنه أعطي لنفسه تقريباً نفس تحصينات مرسي الأن بصورة مؤقتة ولم يلفظ القضاء كلمة واحده ضد ذلك الإجراء رغم أن هذا الإعلان الدستوري المكمل جاء معيوباً لعدم إستفتاء الشعب عليه ولكن مازال القضاء لا ينطق أمام ذلك أيضاً .
نأتي الأن إلي موقف القضاء المصري بعد الثورة وبعد عزل المجلس العسكري وإنتخاب الرئيس مرسي رئيساً للبلاد ، فمنذ أن تولي الرئيس مرسي منصبه والقضاء فجأه إستيقظ من سباته العميق وتنبني سياسات مغايرة لكل ما قد ذكرناه آنفاً وهدم بيده كل ثوابته التي نادي بها علي مدار عقود ودمر كل معتقداته سابقة الذكر وتحول فجأة من قضاء مستقل لا دخل له في السياسة -علي حد قولهم ايام النظام السابق- إلي قضاء يشارك في الحياة السياسية وأنتشر مستشارية علي القنوات الفضائية وفي المنتديات والندوات وعلي الأثير يدلون بدلوهم في الأراء السياسية المختلفة ، بل وليس كذلك وفقط وإنما تعدي الأمر إلي تهديد الرئيس علي لسان بعضهم أمثال أحمد الزند ، وفجأه تحول القضاء المصري الشامخ إلي أشمخ وأشمخ وأنضم إلي ساحة المعارضة ضد مؤسسة الرئاسة - أو كما يدعون - ضد حكم الإخوان المسلمون متمثلاً في المرشد ، وظهر فجأة ايضاً نادي القضاء -رغم عدم تمثيلة رسمياً عن القضاه- وكأنه حزب مستقل ، كل يوم يعقد المؤتمرات والجمعيات العمومية المناوئة لقرارات رئيس الجمهورية ، وأصبح لدي القضاء هامات سياسية أشهر من اقدم المعارضين منذ زمن ، أمثال المستشار أحمد الزند الذي أصبح أشهر من حمدي قنديل ، وتهاني الجبالي التي أصبحت أشهر من ابراهيم عيسي .
فجأة تحول القضاء المصري إلي جبهة معارضة سياسية ضد قرارات سيادية وتخلي عن كل ما تشدق به مسبقاً في ظل النظام السابق ، والسؤال الأن الذي نتمني أن يجيب عليه أحد هؤلاء المستشارين ، ألا وهو لماذا تخليتم عن مبادئكم السابقة ، هل لأنها لم تكن أصلاً ثوابت وإنما خوف من قمع نظام جعلكم تستندون إلي مثل تلك المبررات ، أم أنها صحيحة ولكنكم الأن لفريق منكم مصالح سياسية معينة ؟
لن أجيب علي هذا التساؤل وأرجوا أن يجيبني عليه أحدهم ، ولكن الواضح أن القضاء في كل الأحوال خرج عن مساره القديم وبالتأكيد هذا الخروج مجروح يثير الشكوك نحوه حتي يأتينا تفسير ، ولكن أيضا في النهاية لنا رأي ألا وهو أن القضاء المصري الشامخ منذ فجر التاريخ تعرض إلي تجريف كفاءاته ، وتم الجور عليه وتعريضه إلي الإرهاب ، كما تم دس عناصر لها ولاء واضح للنظام السابق ومازالت تلك العناصر تجرف القضاء المصري خوفاً علي مصالحها أو رعباً من كشف فسادها ، كما أن هذا التجريف حول قضاء مصر في فترة مبارك إلي قضاء شايخ ، شاخ قبل الأوان بعد أن إمتلئ بالفاسدين ، والأن هؤلاء يعاقبون الشرفاء من القضاه بتشوية صورتهم أمام المجتمع . 
وأود في النهاية أن أوجه كلمة أخيرة إلي المتشدقين بالقضاء والنزاهة والحرية ، أين كنتم سابقاً ، هل نقلتكم فجأة ألة الزمن إلينا من عالم شريف ، أم أن مصر الثورة تهدد مصالح بعضكم فتقاتلون بكل إستماتة من أجل ذلك ؟
أيها القضاء المصري عد إلي شموخك وتنحي عن ممارسة الحياة السياسية لإستشعار الحرج ، وعد إلي منصة حكمك لتنصف المظلوم وترجع الحقوق .
    


       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق