الجمعة، 9 ديسمبر 2011

بحر من الذكريات


دائماً ما أسير ولا أعلم أين أذهب ولماذا أسير؟ أحتاج في لحظات كثيره أن أسير وحدي وأطلق قدماي تسابق الأسفلت وترتطم بالأرض وتسعي في دأب نحو السير ، أشعر كثيراً بالراحه حينما تسرح عيني في الافكار وتأخذني قدماي دون وعي إلي مكان لا أشعر به إلا وأنا أمامه ، لا أعلم لماذا وكيف جئت إلي هذا المكان ولكني أفرح  كثيراً حين أنظر إليه وأجد أنني كنت أتمني أن أزوره منذ زمن بعيد وحاولت كثيراً فيما مضي ولكن منعني الإنشغال ودوامة الحياه ، ورغماً عن إرادتي قادني اللاوعي عندي إليه ووضعني أمامه وفرضه علي فرضاً لأتذكر فيه كل خطوات كنت قد خطوتها في هذا المكان من قبل ، أشعر وأنا أقف به أن أثار قدماي مازالت موجوده في المكان ، أنفاسي وحيويتي وخفتي ومرحي كلهم مازالوا ينطلقون الأن أمام عيني ، أشعر بكل هذا وعيني تلمع بشده من حبس دمعات الوفاء والحنين إلي الماضي ، تنزل دمعه دافئه تهرب من حدقة عيني وتقذف بنفسها إلي أرض المكان تقبله وتحتضنه وتترك نفسها تتلاشي في أرجاء تربته ، لقد استطاعت هذه الدمعه أن تفعل ما أردت أن أفعله وروت بقطرها ذرات تراب الماضي وأنبتت فيه ذكرياته وأخرجت نباته واحة خضراء من الصفاء والروعه .
هل يمكن أن تقود الأقدام الجسد دون وعي إلي مواطن الإشتياق وأرض الذكريات أم أننا أحياناً نتعمد ألا نفيق حتي لا نحن إلي الماضي ونتفاجأ في لحظه أن أقدامنا تجبرنا علي السير إلي الماضي لنهرب إليه من واقعنا الذي تصوره دائماً عقولنا أنه الأسوء.
إن أفضل ما يمكن أن يعيشه إنسان علي الإطلاق هو لحظه خصوصيه مع النفس ، لحظة إنطوائيه مع الروح تخلو فيها نفسه مع نفسه وتحلو فيها أحلامه وخيالاته مع أماله وطموحاته ويتحدث فيها مع جنون شطحاته التي لا يطلع عليها أحداً إلا هو نفسه ، سيشعر معها بمتعه ولذه لا تضاهيها لذه وسيهرب بها من أحزانه إلي أفراح اوهامه وتخيلاته ، وسيعتبرها كبسولة مسكن وفترة راحه لمعاناة حياته وقد تريحه ليبدأ معها نقطة نشاط من جديد في مضمار سباق المستقبل .
أنا لا أعلم لماذا أحب أن أسير مع نفسي كثيراً ولكن الذي أعرفه أني أعشق السير في إنشغال تام بأحلامي وأرجع معها إلي حالة الطفل الصغيرالذي يتصور خرافات وطموحات لا يمكن أن تتحقق في الواقع ولكنها تمتع عقله وتبهج قلبه ، أصبحت أنتظر بين اللحظه والأخري الفرصه حتي أنفرد بنفسي لأحكي لها أسراري وأحدثها دون قطع أو مجامله عن كل رغباتي .
كنت وأنا صغيراً انام علي ظهري بالليل وأنظر إلي السماء واتخيل الفضاء الذي أراه عالم خيالي به مخلوقات مختلفه عن التي تعيش عن الأرض وأنها يمكن أن تنزل الأن وأنا أراقب السماء تلك المخلوقات لتأخذني واذهب لأكون ملكاً عليها وارجع إلي الأرض بعد حين وقد اصبحت أملك قوه خرافيه تسيطر  علي بلدتي وأغيظ بهذه القوه اصدقائي الذين كنت أكره ظلمهم لي عندما ألعب معهم ثم بعد لحظات أقول لا بل هذا خيالي أكثر من اللازم ولكني سأتخيل أني أملك طائره خاصه تحلق في السماء اقطع بها المسافات والكل يقول أنني سوبر مان .
لقد ظللت أحلم في طفولتي وفي صباي واختلفت التخيلات والشطحات حسب مدي إدراكي للواقع وتدرجت خطوه خطوه في هذه الأحلام والتخيلات وتنازلت عنها واحده تلو الأخري حتي صرت الأن بدون أحلام وبدون كما يقولون أحلام يقظه ولا حتي أحلام نوم ، إنعدمت كلها وحل محلها أهات التعب في النوم وهموم الدنيا في الصحو وجفت ينابيع ابتكار الأحلام وأنسجة الخيال .
يبدوا أن قدماي هي الوحيده التي لم تكبر معي وظلت صغيره في شطحاتها ومازالت تحلم علي طريقتها الخاصه وتقودني إلي الأماكن التي تعشق السير فيهاولكن خطوات قدماي في أرض الماضي علي قدر إمتاعها لي تحزنني لأني كنت أتمني أن أظل هناك في هذا الماضي لتستمر الفرحه ولكن كيف نوقف الزمن وهو كالمترو لا يقف إلا في محطات بين كل واحده والأخري مسافه لا يمكن التراجع عنها ولكل محطه سمات وصفات النازل فيها يبدأ معها مرحله جديده من حياته لا يمكن التراجع عنها .
ألن تسأل نفسك لماذا كل مرحله تسبق حاضرنا نقول عليها أنها كانت أفضل من الحاضر وبالتأكيد سيكون هذا الحاضر أفضل بعد أن يمر من المستقبل ، ولماذا تنعكس عندنا الأمور فبدل أن نطمح في مستقبل أفضل نرجوا ماضي فات .
من يعشقون الوحده والإنطواء علي النفس ليسوا جمعهم مرضي نفسيون ولا يحتاجون لعلاج ولكن الكثير منهم يملك الحكمه في محادثة الذات ويعشق غالبيتهم التحدث إلي النفس ليروحوا عن نفسهم وينفسوا عن كاهلهم نمط التكرار وواقع الحاضر .
أنا عن نفسي مازلت أمتلك رصيد كبير من الذكريات التي أخلو بها مع نفسي وأسعد كثيراً وأنا معها ولكني لا أنفصل عن واقعي بها فالحاضر يحتاج الماضي كما يحتاج المستقبل للحاضر .
دعوه إلي الجميع راجع ذاكرتك وحاول أن تتذكر أجمل ما تحمل منها وابتسم حين تتذكرها وعش معها في عالمك الخاص ولا تعبأ بتهكم من حولك فماضيك لك أنت وحدك والإستمتاع به لك أيضاً وحدك فلماذا نضيع الفرصه ونلقي بذكرياتنا إلي قسم النفايات الغير قابله للتدوير مع أننا لو أعدنا إستخدامها ستكسبنا فرحه قد يعجز حاضرنا في أن يوفرها لنا ، عش مع ماضيك لحظات وواصل حاضرتك بوقود الماضي وأمل أن يأتي المستقبل وأن مبتسم ، فأبعاد زمنك ثلاث ؛ ماض نعيش علي ذكراه وحاضر نصنعه ليتحول بعد قليل إلي ذكريات ومستقبل نطمح أن نصل إليه وذاكرتنا تتذكر الماضي .
______________كتبها________________وفقي فكري______________________
 













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق