الجمعة، 13 مايو 2011

عم عبده والصالون الذهبي

الحيطان مشققه والسقف مقشر والمساحه يادوبك مترو نص في اتنين متر، الأرضيه مسفلته بالأسمنت والزلط ،والأثاث بسيط علي أد كنبه من الحديد صنعت خصيصاً للمكان ده ومكسيه بمرتبه اسفنج مقطعه وكرسي وحيد بيسموه كرسي السلطان اللي يقعد عليه لازم ياخد باله لأنه ممكن يتقلب في أي وقت،أما الديكورات فلو بصيت هتلاقي مرايتين في ظهرك عليهم سواد وطبقة انعكاس الصوره متآكله ولو بصيت فيهم مش هتعرف تشوف نفسك هتشوف أدامك شبح، أما المرايتين اللي في وشك أحسن حال شويه وشكلهم كده بقالهم بس حوالي عشر سنين يعني لسه جداد لانج زي مابيقولوا.
ده كان وصف صالون الحلاقه بتاع عم عبده صاحب محل حلاقة المقص الذهبي اللي بيحب يقول علي نفسه دايماً أنه صاحب المقص الذهبي وأن مقصه مفيش زيه ،راجل وصفه ميفرقش عن وصف محله تحس كده انهم الاتنين اتولدوا في يوم واحد ،فلو لقيت الحيطان مشققه هتلاقي وش عم عبده برضه مشقق ولو لقيت السقف مقشر هتلاقي راسه مفيهاش ولا شعرايه يعني هو ومحله اتنين في واحد،فوله وانقسمت نصين جاكت دوبل فيس،قول عليهم زي ماتحب.
وحلاقة عم عبده متختلفش كتير عن عباقة وقدم محله فهو مازال متمسك بالقصات القديمه،الزبون اللي يدخل عنده يقعد يقنع فيه يقصله قصه انجليزي ولا كابوريا وعم عبده مصمم يقصه علي كيفه قصه ملوكي زي بتاعة زمان قصه بشواتي من أيام الملك،ماهو اصله قديم من أيام الملك وطول ماهو شغال يقعد يعيد ويزيد في ذكرياته وأيامه الحلوه والزبون يلعن اليوم اللي دخل فيه عند عم عبده وفي الأخر يقصله علي كيفه ويشتغل في الراس كأنه بيجز خروف مدبوح علشان كده صالون عم عبده مبيدخلوش إلا العواجيز اللي زيه اللي لسه عايشين معاه زمن الباشوات ووقف بيهم الزمن ولسه موصلش لمحطتنا الحاليه.
واللي بيدخلوا صالونه ناس قليله جداً زي الحاج مختار بياع غزل البنات وعم أبومحروس اللي بيصلح بواجير الجاز والأسطي حنفي العجلاتي وغيرهم من الناس اللي ممكن تعدهم علي ايديك الإتنين وكمان شغلهم قديم زيهم ولكن تلاقي فيهم اصرار غريب في مزاولة مهنتهم.
أما الشباب فلا يدخل عنده أي واحد من المنطقه لأنهم كلهم عارفينه كويس أما لو صادفت ودخل عنده شاب يبقي غريب مش من المنطقه وده في الغالب بتنتهي حلاقته بخناقه مع عم عبده علشان القصه ويخرج من غير مايدفع ولا مليم وهو عمال يسب ويلعن في المحل وصاحبه ويقول لنفسه أيه اللي دخلني عند الراجل الغريب ده.
في يوم من الأيام دخلت عنده أحلق شعري وكنت من السكان الجدد في المنطقه ومكنتش أعرف أي حلاق وبالصدفه لقيت محل عم عبده ولما بصيت لشكل المحل قلت في عقل بالي المحل ده شكله كده علي قده ومش هياخد فلوس كتير في الحلاقه أصلنا في أخر الشهر والحاله ضايعه علي الأخر وكمان أنا لسه جديد ومعرفش غيره ودخلت من باب المحل اللي مغطيه بستاره من القماش الخفيف وبمجرد ما أن دخلت وكأني دخلت عالم تاني خالص.
الراجل عم عبده واقف بيوسعلي الكرسي علشان اقعد وماسك في أيده منشه عاملها من فتائل شكاير الخوص ، وعنده راديو خشب قديم بيقول أنه غالي عليه أوي لأنه وارثه عن أبوه ، أما لو بصيت أمامك هتلاقي أشكال والوان من الزجاجات اللي معظمها فارغ ومفيش غير زجاجه واحده بس فيها حاجه شبه الشوربه مصفره وشكلها مفيش حد لمسها من قرن،ولا يوجد أمامك أي دليل لاستخدام التكنولوجيا فلا يوجد استشوار ولا ماكينة حلاقه بالكهرباء ولا غيره مفيش إلا المقص المصدي اللي ماسكه عم عبده وداخل عليا بيه، أنا لقيت كده وشوفته داخل عليه بالمقص وكأني داخل لأخرتي حسيت كده بقبضة في قلبي وكرشة نفس ولأول مره أحس أني دخلت مكان خطأ.
وسألني عم عبده بصوت مهزوز زي شكله عايز القصه عامله إزاي يا أفندي ،قلتله أفندي رد عليا وقالي أيوه افندي لسه بدري عليك علشان تاخد البهويه.
بدأت أعرق وأحس أني قاعد قدام محمد علي باشا أو الملك فاروق فقلتله ماشي ياعم الحج أنا عايز.....قاطعني عم عبده وقالي ولا تسبني أنا أحلقلك قصه علي كيفي ، فلقيتني بقوله انا عايز ادخل الحمام،رد عليا في عصبيه مفيش حمام هنا إلا دورة الميه اللي في الجامع اللي جنبنا والجامع لسه مفتحش،لسه بدري علي الأدان،يلا يا أفندي خلينا نخلص ورانا شغل كتير وبصيت حولي ملاقيتش ولا واحد قاعد طب فين الشغل الكتير اللي بيتكلم عليه.
طب أعمل أيه اخلص منه إزاي؟ كل اللي بفكر فيه دلوقتي إزاي أخرج من باب المحل وانفد بجلدي من المجزره اللي هتحصلي دلوقتي ،وفجأه جه صوت مهزوز من بره المحل بينادي علي عم عبده وكأنه طوق النجاه اللي هيلحقني وينجيني من أيده...
ياسي عبده... ياعبده افندي.... انت فين يا أفندينا.
ورد عليه تعالي ياحبيبي انا موجود ادخل برجلك اليمين ويدخل المنقذ،دخل عم ابومحروس اللي بيصلح بواجير الجاز علي ناصية الحاره اللي انا ساكن فيها.
تعالي ياراجل ياطيب... ويرد عليه عم ابومحروس وحشتني والله ياراجل ياأبو مقص دهب... بس أنا النهارده عايزك تحلقلي بسرعه اصل فيه زبون هيروح المحل دلوقتي علشان يستلم باجوره وانا سايب المحل لوحده وعايز أرجع بسرعه.
ويرد عليه عم عبده طب خلاص روح انت يا ابومحروس وانا هخلص الراس اللي معايا دي واندهلك.
وفي اللحظه دي لقيت نفسي فطيت من فوق الكرسي الملوكي ولقيتني بقول لا والله العظيم ولايمكن أبداً مينفعش تعالي ياعم ابو محروس احلق انت الأول وأنا بعديك....ويبصلي ابومحروس ويقولي لا والله ماينفعش يابني عيب خلص انت الأول.
اخلص ايه بس ياعم الحج قصدك يخلص عليا(ده كلام في سري) هو انا مستغني عن روحي(لسه الكلام في سري)دا أنا ماصدقت لقيتك دا انت نجده وجاتلي من السما(منك لله ياعم عبده خليت كل كلامي في سري زي المجانين).
ويادوبك قلت الكلمه دي ولقيت عم عبده وكأن الدمعه هتفر من عنيه زي اللي شاف مشهد مؤثر من مسلسل مهند ونور وقال خلاص بقي يابو محروس الولد ده محترم والحمد لله لسه فيه حد منهم بيحترم الكبير اقعد بقي وخليني احلقلك وهخلصك بسرعه.
ده ولا احترام ولا حاجه ده انا ماصدقت(برضه الكلام في سري).
ولسه عم ابومحروس بيقعد علي الكرسي وانا قلت لعم عبده لامؤاخذه ياعبده افندي هروح الحمام بس وارجع تاني علي ماتخلص علي الحج ولقيت ابومحروس فط من علي الكرسي وهو بيقول لا والله ولا يمكن أبداً احلق انت الأول طالما انت مستعجل فرديت عليه في لحظه وقلتله خلاص أنا مش مزنوق أوي هستني وخلاص لبعد ماحلق.
وعدت الثواني والدقايق وانا بقول يارب تقع قنبله علي عم عبده تشيله، أصل كل دقيقه بتعدي بتقربني من أخرتي،وحاسس كده إن مقصه سنجه هتنزل علي رقبتي تجزلها من جدورها.
ورغم إن عم عبده ايديه تقيله وقطع راس ابومحروس وخلاها شوارع وكل مللي من راسه بيشر منها نقطة دم وحجته إن دي كلها التهابات وهتخف ان شاء الله طالما الموس فتحها،وابو محروس مقتنع بكلامه ومبسوط.
وخلص علي ابومحروس وقالي تعالي ياولد علشان نكمل الحلاقه ولسه ابومحروس بيحط ايده في جيبه علشان يطلع فلوس الحلاقه وأنا قلتله لا والله ابداً ياعم ابومحروس لا يمكن الحساب عندي وابتسم الراجل وقالي بارك الله فيك يابني وخرج وطلعت بريزه فضه وقلتله اتفضل ياعم الحاج حساب الحلقه بتاعه عم ابومحروس ولقيت الراجل بيقول ايه ده بريزه،قلتله ايوه بريزه انت عارف البريزه دي بتجيب أيه عد معايا، رطل لحمه ووقيتين خضار وكيسين فاكهه والباقي خليه معاك للزنقه.
وش عم عبده جاب ستين لون وقالي يابني ده كان زمان فرديت عليه وقلتله ما انت برضه من زمان وعايش من زمان اشمعنا دلوقتي افتكرت اننا دلوقتي مش زمان ....
عم عبده اللي كان وشه مشقق تحول لوش وحش كاسر ولقيته بيقولي يعني لو حلقتلك هتديني بريزه زي دي قلتله لأ طبعاً هديلك شلن فضه ابيض من بتوع زمان .
ودي كانت أخر كلمه قلتها وانا جوه محل الصالون الذهبي ولقيتني في الشارع وورايا ايد عم عبده بتزقني وتقولي روح ياجدع شكلك كده مجنون إحنا ناقصين.
ورغم كده خرجت الشارع وانا استنشق هواء الحاضر الجميل وبقول لعم عبده سلام ياعبده أفندي..أخيراً الحمد لله لقد أنقذتني العناية الإلهية من الموت المحقق.

وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق