الاثنين، 25 أغسطس 2014

"اللاعوده" شعار الحكومة في وجه الباعه الجائلين





تعودنا طوال العقود الماضية أن نضع رؤسنا في التراب حين نصطدم بمشكلة مزمنة من مشاكل مجتمعنا ، واعتادت الحكومات المتلاحقة على أن تعطي ظهرها بغرض التجاهل لتلك المشاكل ، فلم نرى تقدماً في أي منها ، وتفاقمت مشاكل القمامة والمرور والباعة الجائلين والتلوث وتدني مستويات الصحة والتعليم والبحث العلمي وتدهور البنية الأساسية وغيرها الكثير والكثير ، وكانت كل حكومة تضع كل تلك القضايا في ملف أسود وتؤجله لمن بعدها بحجة أن الوقت غير مناسب وهاجس غضب الشارع.
لأول مرة نجد حكومة تواجه تلك المشاكل بل وتتحداها ، لأول مرة نجد إرادة ورغبة قوية للقضاء على السلبيات المستفحلة في الشارع المصري ونرى الجرأة والشجاعة في مواجهة تلال المستحيل التي توارثتها وتناقلتها الأجيال بدون أن تحاول حتى مواجهتها أو إقتحام أسوارها العالية .
مشكلة تنظيف شوارع وسط القاهرة من الباعة الجائلين بدأتها الحكومة الحالية بقوة وإصرار على المواجهة والقضاء عليها نهائياً ، لقد كنت أتجول في ثاني أيام بدء حملة التطهير بوسط القاهرة وشعرت وكأني أسير في عاصمة أخرى غير القاهرة ، الشوارع فارغة ونظيفة  من أي قمامة والأرصفة ممتدة على طول مرمى البصر بدون عوائق أو إشغالات وشعرت لأول مرة أن مصر بدأت تقضي على مشاكلها وتتحدى العادة وتكسر الظروف وتخطو أولى خطوات تنفيذ حلم السير على الطريق الصحيح .
بالتأكيد هؤلاء الباعة فيهم من له كل الحق في أن يسترزق لأنه لايجد مأوى ولا منفذ للمال الحال إلا ببيع بعض المنتجات على أرصفة الشوارع ، بالتأكيد فيهم الكثير من الشرفاء والغلابه الكادحين المسالمين الذين يرغبون في الحصول على لقمة عيش حلال يُطعمون بها أولادهم ونحن مع هؤلاء وطبعاً الحكومة تعلم ذلك ولهذا وفرت لهم سوق في منطقة الترجمان بوسط القاهرة وبجوار الميناء البري الهام هناك ليضمن لهم تردد المواطنين  والمسافرين الدائم ، وفي نفس الوقت لن يختلف معي أحد في أنه مثلما يوجد بين الباعة الجائلين الشرفاء الكادحين هناك أيضاً الكثير من البلطجية والمشبوهين والمطلوبين وهؤلاء يهددون أمن وأمان الشارع المصري وكلنا نعاني من بلطجة هؤلاء يومياً في الشوارع وقد تكون أنت أو غيرك شاهدت واحد من منهم وهو يتحرش بالنساء والبنات ، ولا يكاد يخلو شارع من ظاهرة المعاكسة وتهديد أمن نسائنا بسبب العناصر السيئة من هؤلاء الباعة ، كما أن إحتلال الشوارع والأرصفة بوسط القاهرة زاد بعد ثورة 25 يناير بصورة ملفته ومقززة قضت على المظهر الحضاري وشلت حركة المرور بوسط العاصمة ، وأيضاً أصحاب المحلات التجارية يعانون كل يوم من تعطيل حال محالهم وبوار سلعاتهم بسبب بيع تجار الأرصفة لمنتجات مقلدة بسعر أقل ، أما أصحاب المحال فيدفعون إيجار وكهرباء ومياه وعماله ولا يستطيعون أن ينافسوا الباعة الجائلين في عملية البيع ولا يملكون القوة لإبعادهم مما يكبدهم خسائر كبيرة.
إن جرأة الحكومة في اتخاذ قرار إخلاء وتحرير قلب العاصمة من إحتلال الباعة الجائلين بمثابة خطوة شجاعة تعبر عن إيجابية في إيجاد حلول على أرض الواقع في مواجهة أزماتنا المتراكمة وبداية طريق صحيح للسير نحو مصارحة أنفسنا بالواقع الأليم الذي أصبحنا نعيش فيه وإختبار لقدراتنا الحقيقية للسعى نحو التفكير بشكل مختلف ، والبدء بالباعة الجائلين إختيار موفق لأنها معضلة تمثل مفتاح لحل الكثير من المشاكل ، فمع حلها تختفي ظاهرة القمامة الناتجة من عمليات البيع والشراء لهؤلاء الباعة وإحداث سيولة مرورية واضحة للسيارات بوسط القاهرة وتقليل الإزدحام وفرض الأمن والأمان والطمأنينة بين المتجولين بغرض التسوق وعودة حق أصحاب المحال التجارية في مزاولة أعمالهم .
من الواضح أن الخطة التي وضعتها الحكومة لإخلاء وسط القاهرة من الباعة الجائلين مدروسة وتم تنفيذها بإحترافية عالية خاصة في نقطة التعامل معهم أثناء عملية الإخلاء ، فلم نرى الهمجية التي عهدناها أيام مبارك من قبل شرطة المرافق وما كان يترتب عليها من خسائر جمه لأموالهم وبضائعهم وإنما راعوا الجانب الإنساني والتعامل الآدمي وقوة الإقناع وإيجاد البديل فسارت الخطة طبقاً لما رتب له وظهرت النتائج جلية على شوارعنا في كل مكان وإنني لأدعو كل مصري أن يتجول الآن في شوارع وسط القاهرة ويشاهد هذا الإنجاز الذي حدث ويرى بعينه حلاوة الشعور بالسير على أرصفة نظيفة خالية من أي عوائق وأنت تسمع في الخلفية أصوات القوافل الأمنية التي تجوب الشوارع كل لحظة تمشط المنطقة من أي تعد محتمل ، بالتأكيد ستشعر بالفخر أن وطنك استطاع أن يتغلب على أولى مشكلاته بأداه واحدة تبلورت في الشجاعة والإصرار وستكون تلك التجربة هى الرائدة والمرشدة لاستكمال الطريق وننتظر أن نرى تكرارها مع القمامة والمرور والتعليم والصحة وغيرها من تحديات بتنا نحلم بالتغلب عليها وبإذن الله سنستطيع .
وفقي فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق