إندهشت كثيراً من تقرير صادر عن مرصد فتاوى التكفير التابع لدار الإفتاء
المصرية يطلب إصدار ميثاق شرف لأخلاقيات التعامل مع مواقع التواصل الإجتماعي على
الإنترنت وحدد موقعي فيس بوك وتويتر ، وشدد التقرير على ضرورة أن يحتوي الميثاق
على مجموعة ضوابط دينية ممثلة في الحفاظ على الضروريات أو الكليات الخمسة وهى
الدين والنفس والعرض والمال والعقل والنهي عن التفحش والحث على صون اللسان
والجوارح عن الفحش والبزاءة ونشر الشائعات
والفضائح والتنابز بالألقاب البذيئة والسباب بين الناس ، والغريب أن يصدر هذا
التقرير عن مرصد للفتاوي خاص بقسم التكفير بدار الإفتاء المصرية ، فما علاقة هذا
القسم بالفيس بوك وتويتر ، وما أهميه صدوره في مثل هذا الوقت بالذات ، فقد مر الفيس بوك
وتويتر فيما سبق بأوقات تفاعلية أكبر بكثير من الآن وخاصة قبل ثورة يناير 2011 ومابعدها
وماشهداه من زخم ومحتويات متباينة شملت على ما هو أوجب أن يصدر له بيان من
دار الإفتاء .
والقضية ليست في استغرابنا من ربط التكفير بما ينشر على فيس بوك وتويتر فقط
، فربما يكون ثمه مؤثر لا نعلمه دفع دار الإفتاء لإصدار هذا التقرير ولكن آلية
التفعيل نفسها لهذا الميثاق المقترح صعبة وشبه مستحيلة ، ولا يمكن أن نفعلها على
موقعين فقط على الإنترنت بدون أن نعممه على إستعمال الإنترنت بصفة عامة ، فالأولى
أن يكون هذا الميثاق لإستخدام شبكة المعلومات الدولية عامة وبالتالي يسري على أي موقع تواصل إجتماعي
فلا يمكن أن نستثني ما ينشر على أي موقع إلكتروني من إيحاءات جنسية واستغلال خاطئ للأخبار
من تحريف وبلبلة وفيديوهات يعلم الله بمحتواها ونركز فقط على جانب واحد منها لمجرد
شهرتها أو شيوعها بين العامة بسبب سهولة إستخدامها ومجانيتها .
والتقرير يميل أكثر إلى الخيال في التطبيق لصعوبة إلزام الفيس بوك وتويتر
بما يشمله من حدود وضوابط ، فلايمكن السيطرة على تلك المواقع وإجبار إدارتها على تنفيذ
تلك الآليات ، كما أنه لا يمكن أن نعتمد على ضمير الشخص المباشر لهما في أن يلتزم
أخلاقياً بهذا الميثاق ، فما كان لينتظر مواثيق وفعل ذلك
من تلقاء نفسه وماكنا بحاجه لذلك من البداية ، إذاً هذا الميثاق إن صدر فسيكون
مجرد ميثاق استرشادي يسعى لزيادة الوازع الديني وغير ملزم للمتعاملين مع تلك المواقع إلا إن
كانت الدولة تنوي أن تُدخله في دائرة ملاحقتها الأمنية لكل من يخالفه والتحقيق مع
المواطنين بتوجيه تهم مخالفة ميثاق الشرف الأخلاقي والمقاضاه على هذا الأساس وإن
كنت أعتقد أن ذلك سيخالف صريح نص الدستور في هذا الشأن في مادته 57 والخاصة بحماية
حق المواطنين في إستخدام وسائل الإتصال العامة بكل أشكالها ، والإنترنت من وسائل
الإتصال ، والمادة 65 والتي تكفل حرية الفكر والرأي وحق التعبير عن ذلك بالقول أو
بالكتابة أو بالتصوير بوسائل التعبير المختلفة والنشر ، والفيس بوك وتويتر من
وسائل التعبير عن الفكر والرأي .
إن مواثيق الشرف بصفة عامه أثبتت فشلها على مدار سنوات محاولة تفعيلها وإلا
لما وجدنا هذا الضجيج حول ميثاق الشرف الإعلامي وغيره من مشاريع المواثيق التي
تسعى لفرض معايير أخلاقية على المهن التي تتفاعل مع الرأي العام وتؤثر عليه ولم
تحدث أي تقدم إيجابي في هذا المجال والدليل أن وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات
المتلفزة خارجه عن السيطرة وتقول ما تريد وفق رؤيتها الخاصة ، والأولى الآن أن
تبحث دار الإفتاء بالتعاون مع مؤسسة الأزهر والأوقاف أسباب الخلل في المجتمع والسعى
بإرادة حقيقية لإعادة بناء أخلاق المجتمع وتقويمه لرفع الوعي الديني والإلتزام
الأخلاقي تجاه كل شئ من خلال رؤية شاملة وبرامج تخاطب واقعنا وتتوائم وعصر التكنولوجيا الذي نعيشه فينعكس ذلك بالإيجاب على كل تصرفاتنا ابتداءً من حُسن المعاملة وحتى حُسن
استخدام تلك الوسائل المتقدمة وتوجيهها نحو منفعة المجتمعات ، عندئذ سيكون
ميثاق الشرف نابع من داخل العقول والقلوب قبل أن يكون معيار رسمي تحاول مؤسسات
الدولة أن تفرضه على المواطنين وليته يُجدي .
وفقي فكري
#فيس_بوك
#تويتر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق