الاثنين، 10 سبتمبر 2012

الحاجة رقية معلمة حب الوطن

 كتبها وفقي فكري

هي سيدة فلاحة بسيطة مسنة قد يتجاوز عمرها الستون أو أكثر ، من محافظة كفر الشيخ ، حين إستمعت إلي صوتها عبر التليفون أحسست بلكنة أمي الفلاحة البسيطة التي تعشق الريف ولا يمكنها أن تعيش خارج حدود قريتها ، أنا لم أراها ولكني سمعتها تتكلم لموجة راديو البرنامج العام هذا الصباح ، رسمت لها صورة في عقلي من طريقة كلامها ولكنتها الفلاحية البسيطة بسيدة جسدها نحيل ووجهها تملؤه التجاعيد ، ترتدي ثياب فلاحي متواضع مثل طريقتها في الكلام .
لقد كنت في بداية حديثها لمذيعات البرنامج العام وهن يتكلمن عن موضوع محو أمية الكبار أتجاهل الحوار ولا أتابعة ، بل ربما تهكمت عليها وقلت كيف لهؤلاء أن يحاوروا سيدة فلاحة قد لا تفهم بعض مصطلحاتهم اللغوية وكدت أن أغير الموجة ولكني فوجئت بما دمعت له عيني وبما إستحقرت به نفسي.
لقد إكتشفت أن الحاجه رقية تمتلك عزم من حديد وعقيدة من فولاز ، هذه السيده بألف رجل بل وتفوق الكثير من الرجال ، ولكنها لاتفاخر بذلك ولا تدعي بطولة لنفسها لأنها كما قلنا سلفاً سيدة ريفية بسيطة تتعامل مع كافة الأمور ببساطة وتواضع ليس عن قصد منها ولكنها سجية خلقها الله فيها .
دعوني إذاً أذكر لكم ماذا تفعل الحاجه رقية ، إنها كرست كل حياتها من أجل هدف وحيد تعشقة وتعيش له بدون أي مقابل ، ألا وهو محو أمية الكبار ، وربما تقولون وما الجديد في ذلك ؟ هناك الكثير من السيدات اللاتي يقومن بمحو الأمية فما الفارق ؟
أنا اقول لكم ، الحاجه رقية تطوعت منذ عام 1969 وعلي نفقتها الخاصة بتعليم ومحو أمية الكبار فيما بين سن ال15 وال45 سنة وقامت بستأجار بيت عندها في قريتها مكون من حجرتين جعلتهم فصولاً لمحو الأمية ، وذلك بعد أن إضطهدها مدرسين القرية لأنها تفسد عليهم الدروس الخصوصية وطردوها من مدرسة القرية التي كانت تستغلها ليلاً للتدريس ، ليس هذا فقط وإنما قامت بتأليف مناهج تعليمية لتدرسها في فصولها وحين ذاع صيتها وزارها وكيل أول وزارة التربية والتعليم بمحافظة كفر الشيخ أعجب بتلك المناهج التي قامت بتأليفها وأخذها وطبعها وأصبحت أحد إصدارات الهيئة المصرية لمحو الأمية وتعليم الكبار التي يستعين بها المعلمون في التدريس، ليس هذا وفقط وإنما تناولتها مناهج طرق التدريس في بعض الجامعات مثل جامعة طنطا في بعض كتبها وأشادت بها ، كما أنها سافرت إلي الولايا ت المتحدة الأمريكية وكرمتها المؤسسات التعليمية هناك ، بل وتعدي الموقف حتي أن بعض إمتحانات الشهادة الإبتدائية وضعت فيها سؤالاً في التعبير .
كل ما سبق جزء من سيل من إنجازات تلك السيدة التي والله العظيم لو سمعتم صوتها لما تخيلتم أنها متعلمة أصلاً ، وإليكم مفاجأه أخري ، الحاجه رقية لم تكمل تعليمها وليس معها من شهادات إلا الإعدادية فقط فما رأيكم ؟.
كل ماسبق إستمعت إليه في دهشة وإستحقار لنفسي أمام تلك العزيمة الخارقة والحب الغير عادي لعمل الخير والسعي في مصلحة العمل العام ببساطة متناهية دون تعقيدات الجمل المزخرفة أو العبارات المنمقة التي نتابعها كل يوم عبر برامج التوك شو ، حين نري الكثير من الحناجر التي تصدح بعبارات حب مصر والحرص علي مستقبلها وكل ذلك بالألفاظ فقط والظهور المتكرر عبر الشاشات المرئية الذي يجنون من وراءة الشهرة والمال ، أما تلك السيده البسيطة فمتواريه وراء الجدران الطينية تمسك بالطباشير لتعلم مصري كيف يعرف حقوقة ويحافظ عليها عبر معرفة القراءة والكتابة ودون أدني مقابل أو أي شهرة .
ومع كل ذلك تأتي أحلامها بسيطة مثل لكنتها حين تسألها المذيعة هل تحتاجين أي مساعدة ونحن معنا الأن مديرة الإدارة المركزية للتخطيط في هيئة محو الأمية وتعليم الكبار فترد بكل بساطة بنفس اللكنة الريفية " أنا عندي ثلاثة أبناء إثنان خريجي كلية تجارة وواحد خريج دبلوم فني صناعي وعايزاهم يشتغلوا لأنهم قاعدين من غير شغل من كتير " ." وعايزة ربنا يديني الصحة وأفضل واقفة علي السبورة أعلم الناس لحد ما أموت " .
هل رأيتم عزيمة هذه السيدة التي ينبغي أن يتعلم منها الرجال ، أرأيتم الحاجه رقية التي تعمل في صمت من قبل أن تقوم الثورة بزمان وهي أحدثت بداخلها ثورة علمت علي يديها الألاف دون أدني مقابل .
إني والله الذي لا إله غيرة حين سمعت صوتها وسمعت حوارها المميز مع مذيعات البرنامج العام نزلت دموعي من شدة خجلي من نفسي لأني فوجئت أني لا أملك هدف يخدم وطني وأنا جالس ليل نهار أتكلم في السياسة ولكني فوجئت أني لا أملك هدف شخصي أسعي به نحو وطني ، والحاجة رقية تعلمني وتعلم الملايين حب الوطن وحب العطاء .
إنها فعلاً تستحق أن يتخذها كل من يقرأ تلك السطور له قدوة إن صدقت نواياه نحو حب الوطن ، ودعونا من الكلام وهيا نضع هدف للوطن إن كنا فعلاً نحبه ، ومهما كان هذا الهدف بسيطاً فإنه سيغير من وطننا إلي الأفضل لامحاله ، لأن الأهداف البسيطة حين تجتمع علي مستوي الجميع تصبح هدفاً ضخماً يرهب الحاقدين علي بلدنا وينقلنا إلي مالم نتوقعه من الخيرات .
نحن ياساده لانحتاج إلي ثورة خارجية بل نحتاج إلي ثورة داخلية نتغلب بها علي كسلنا وتكبرنا وإعتدادنا بأنفسنا لنفيق من وهم التفاخر والجدال إلي حقيقة العمل والعطاء ، نحن نحتاج إلي الحاجه رقية لتعلمنا معني وكيفية حب الوطن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق