الاثنين، 19 ديسمبر 2011

من يسير نحو السراب لا يحصد إلا الأوهام


                                                 من يسير نحو السراب لا يحصد إلا الأوهام


مره حين كنت أسير بسيارتي في وقت مبكر من صباح أحد الأيام كان الضباب كثيفاً جداً ولم أستطع أن أميز الطريق وأنا أقود سيارتي وحاولت كثيراً أن أستوضح الطريق حتي لا أصطدم بأحد قد يكون سائراً وأنا لا أراه أو أصطدم بسياره أخري تتواري خلف هذا الضباب الذي ملئ كل الأجواء ، وأضطررت بسبب ذلك أن أسير ببطئ وكنت مجبراً علي هذا رغم تأخري علي عملي ولكن ما باليد حيله فقد كان علي الإختيار إما السير ببطئ وأضمن السلامه أو أتعجل وأخاطر للوصول إلي الندامه ، ويبدوا أن الإختيار الأول كان هو الأصوب ومن المؤكد أنه كان كذلك لأن الأقرب إلي السلوك الطبيعي حين نتعرض لخطر أن نتأني ونتوخي التؤدة في خطواتنا.
وفي موقف أخر وأنا قادم من قلب الصحراء الغربيه وقد كنت عائداً من ضيافة أحد أصدقائي بأحد الواحات الموجوده بقلب تلك الصحراء كنت أري من بعيد سراب وكأنه تجسيم لشكل مياه موجوده علي الطريق من بعيد وكلما إقتربنا بالسياره لم نجد أي أثر للمياه ورغم أني كنت أعرف هذه الظاهره التي تظهر في الصحراء إلا أنني حينما رأيتها إعتقدت إننا قادمون علي مياه تعبر الطريق من بعيد ويبدوا أن العطش أو تفكيري في شئ أشربه لأن جوفي كان جافاً هو ماشجعني علي أن اعتقد أو أتخيل هذه التهيأت حقيقه وفي النهايه توقفنا جميعاً في كافتيريا علي قارعة الطريق وتناولنا أكواب الشاي والمياه وصلينا ثم عاودنا السير نحو العمار .
ولقد تعلمت من الموقف الأول أن التأني والتركيز في الأوقات القاسيه في حياتنا يوصلنا إلي أهدافنا التي نريدها حتي وإن حصلنا عليها متأخراً قليلاً بسبب السير بحكمة ورويه من أجل تجنب الوقوع في خطأ قد يكلفنا منعنا من الوصول .
أما الموقف الثاني فعلمني أن ليس كل مانراه حقيقي حتي وإن ظهر لك خلاف ذلك لأن الحقيقي هو الذي تستطيع أن تلمسه أيدينا وتحسه مشاعرنا وتتجاوب معه أفكارنا ومن المهم جداً أن يدرك الإنسان الحقيقه من السراب وأن يواجه نفسه بالحقيقه في مواجهة السراب لأن السراب قد يقتلنا قبل أن نصل للحقيقه والدليل علي ذلك ما حدث لذلك الذي سار تائهاً في الصحراء هائماً علي وجهه يبحث عن جرعة ماء تقتل عطشه وفي قمة العطش يري من بعيد ماء فيجري عليه ليشرب وما أن يصل إليه حتي تقتله الحسره حين يعلم أن ما رأه سراب ويموت من اليأس في أن يجد ماء فلو صبر قليلاً فربما وجد نجده تنتشله من أزمته وتنقذه من ضياعه .
أحياناً كثيره قد يقتلنا اليأس من الوصول إلي منفذ نجاه وتضيق الحلقات حتي تستحكم كما يقولون ولو لم نصبر لمتنا قبل أن يتدخل القدر ويجد لنا مخرجاً لا يخطر لنا علي بال ورغم أننا قد نكون نري الحل والسبيل إلي النجاه وربما يكون سهلاً وبسيطاً إلا أن الله أعمي قلوبنا عن أن نكتشفه وفي لحظه قمة الإستحكام والضيق يأتي الفرج وتنقشع الغمه وتذهب السكره وتأتي الفكره التي تقودنا إلي خارج دائرة التلاشي .
إن من يظل يبكي علي اللبن المسكوب لن يستطيع أن يعوضه ومن وقف بجانبه ينحب ويصرخ فسيري التراب وهو يمتص البياض ويكتحل بالسواد ولن يستفيد المنتحب من ذلك شئ ولكن إن تحرك بمجرد أن سكب اللبن ليبحث عن غيره فبالتأكيد سيحصل عليه حتي وإن قلت الكميه أو غلا الثمن ولكن في النهايه حصل علي لبن لن يفرط ولن يهمل فيه مرة أخري ليسكب علي الأرض ، لقد ذكرني هذا بالشحاذ الذي يفتعل منظر البيض المتكسر علي الأرض ليستعطف الناس ليعطوه مالاً ولكن رغم ما يجمعه هذا الرجل من هذه العمليه الإحتياليه من مال إلا أنه فقد معه كرامته وحيائه ومع تكرار المشهد فقد مصداقيته رغم أنه كان يستطيع أن يجمع مالاً حتي وإن كان أقل ولكن من عمل صالح يكتسب معه إحترام الناس وتعاطفهم معه فقد توحد الهدف ولكن السبيل إلي الحصول عليه كان مختلفاً فأختلفت معه ردود الأفعال والنتائج .
إن الفارق في كثير من المواقف المتماثله شعره من حسن التصرف أو سوء التصرف فإما تميل يميناً أو يساراً ولكل إتجاه مكاسبه وخسائره وعليك أنت وحدك أن تختار بين ذلك وتلك .
إن أمهاتنا حين وضعونا تألموا كثيراً وعانوا لساعات وربما لأيام حتي خرجنا إلي الدنيا ليعلمنا الله أن الحياه ليست بالبسيطه وأن الصبر علي الألام يوصلنا إلي الإستمتاع بالأفراح ومن صبر نال كل الخير .
لقد خلق الله لكل شئ نقيض وجعل لكل سبيل مترادفات وطرق كثيره تؤدي نفس الهدف ، فمنا من سعي نحو السعاده وغيره سعي نحو التعاسه ومنا من ينشد الكفاح وأخر تواكل علي كفاح غيره ومنا من سلك طريقاً ومثله سلك طرقاً متوازيه له ليصلوا جميعاً في النهايه إلي هدف واحد يسع الجميع ، فمن سلك طريقاً ووجد به شوكاً أو عائقاً فما المانع أن يشق دربه في طريق غيره أما من يأس من دربه فلن يجني إلا الخساره .
لقد تعلمت أن الضباب والسراب نحن من نجعلهم حقيقه وسور من فلاذ لن نقدر علي إختراقه طالما أن عقولنا هيأت لنا ذلك فلو أمسكت بمعول وحاولت أن تكسرهم فستجدهم واهين إلي أبعد حد وستهدم لبنات هذا السور مهما إستغرقت من وقت في القضاء عليه .
من صبر علي الضباب حتي ينقشع وتشرق الشمس ليسير دون خوف لن يصل إلي عمله وسيكتب في الدفاتر غياب عن العمل ولكنه سينجو بالتأكيد من الخطر ومن سار وسط الضباب ببطئ وحرص وإنتباه شديد بالتأكيد سيصل إلي عمله ولكن سيكتب فقط في الدفاتر تأخير ولكنه سيحقق عملاً خلال يومه وفي مجمل الحالتين هو خيراً ممن سار بسرعه وسط الضباب يعتقد أنه أصوب رأياً وأقوي نظراً وقد يصل في ميعاد عمله وقد لا يصل إطلاقاً لتعرضه لخطر قد يقضي عليه ، فعليك الإختيار بين المجازفه أو السير بحرص ليوصلك إلي  هدفك.
الضباب والسراب أوهام تخدعنا بإمتلاكها ولكنها في النهايه سرب من أوهام وفيض من تخيلات فلا تحاول أن تمتلك أياً منهم وأعتمد علي واقعك وأخطو فيه خطوات من التأني والتروي حتي تحصل علي مرادك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كتبها ـــــــــــــــــــــــــ وفقي فكري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق