السبت، 5 نوفمبر 2011

العيد

لملمت شعرها وأوثقته برابطة من القماش المحلي باللون الفضي ولم تنم في تلك الليله وظلت مستيقظه تراقب الساعه وتعد معها الدقائق وتقضي وقتها بين لحظه من المرح وأخري من الإنشغال ببعض الأعمال لتجهيز البيت لإستقبال إشراق جديد ، إنه أشراقة صباح العيد ، تجري بين غرف البيت تملؤها الهمه والحماسه وبهجة العيد ، إن نظرت إلي وجهها لاقيت فيض من الأمل ومزيج من السعاده ولكن هناك مسحة من الحزن المختفي وراء وجه قوي ثابت واثق من ذاته ، غريب أن تجد متناقضات تجتمع في وجه واحد ، ثقه وإقبال بأمل كبير علي الحياه وفي نفس الوقت مسحه من حزن ولكنه أيضاً حزن رقيق لوجه ناعم بسيط غير متكلف ، وجه صاف شامخ مثل السماء الصافيه الزرقاء ، خدود متورده في بساتين الحياه تفيض علي من بجوارها برايحين الياسمين وتفوح بطاقات الحيويه والنشاط وتتدفق الدماء عليها كينابيع الفل وباقات العطر متتوجه بوشاح الخجل الجميل وملتفه بوثاق من التقي والورع.
إنطلقت متلهفه إلي النافذه تفتحها لتراقب بزوغ الفجر ، كم تود أن تراقب ظهور أول خيط ضوء في صباح يوم العيد ، إنها تعشق أن تستيقظ مبكراً في يوم العيد لتري روعة الصباح ومن فرط العشق لم تستطع أن تنم مطلقاً ، عيناها لا تستطيع أن تغمض ولو لثواني تخشي أن يفوتها دقيقه من مراقبة صباح العيد.
ولكنها عندما فتحت النافذه لم تجد ضوء الفجر قد ملئ الدنيا فشعرت بخيبة الأمل قليلاً ولكنها تراجعت وأغلقت النافذه وعادت تبتسم عندما إستنشقت ربيع ونسمات الليل الصيفي اللطيف وصبرت نفسها بالأمل بأن موعد الفجر قد إقترب ورويداً رويداً ستشهد لحظات الصباح المنعشه وتمتع عينها بحلاوة طلته البهيه ، وعادت تملئ جنبات البيت بالمرح والحيويه ، تجري من غرفه إلي أخري ومن ركن إلي أخر ترتب هذا وتنظم ذاك ، تنتظر أن ينطلق الأذان معلناً وقت صلاة الفجر لتوقظ أبيها وأخيها يصلوا الفجر ويستعدوا لصلاة العيد ، وفي حركة من حركات مرحها ولخفة خطواتها انفرط شعرها الذي تعبت في لملمته وسال علي جنبات وجهها في روعه وجمال كأنه فيض من الحسن ولكنها غضبت من بعثرته مره أخري وراحت تحاول أن تتغلب عليه قبل أن يتعقد ويضيع مجهودها وأمسكته بيدها ترتبه وتنظمه وهي تضع في فمها رابطة القماش الفضيه ولكنها فجأه تجمدت يداها ووقعت من فمها الرابطه وعلت ملامحها مسحة الحزن العميق لتظهر بشده علي كل تفصيله من وجهها وتوقفت ينابيع الحسن وجفت باقات العطر وبعد قليل نزلت دمعه ساخنه شقت صحراء وجهها وسقطت علي الأرض وتراجعت لتجلس وهي واضعة رأسها علي مسند الكرسي وتبدل حالها وزاد حزنها فجأه وتركت شعرها يتعثر ويتشابك وهي غير عابئه به علي الإطلاق وظلت هكذا لفتره ليست بالوجيزه حتي شعرت بأن النوم غلبها فنامت قليلاً وهي مستنده إلي جزء من مقعدها الصغير وتركت نفسها وعيناها إلي النوم في هدوء حتي شعرت بيد تحنو عليها وهي تقول "استيقظي ياقطتي لقد جاء العيد وملئت الشمس كبد السماء" " إستيقظي ياحبيبتي حتي لا يفوتك العيد " " إستيقظي العيد سيذهب ويفوتك ياصغيرتي" واستيقظت لتجد نفسها قد عادت إلي سن العاشره وهي تحتضن صندلها الجلدي الصغير وتضع الفستان الأبيض الجديد بجوارها ، فقامت في سرعه متلهفه تجري نحو النافذه لتري العيد وهو يمر من أمام بيتهم الصغير ولكنها وجدت أن النهار مازال في مهد بزوغه ففرحت جداً لأن العيد مازال لم يأتي بعد وأنها ستشاهده بعد قليل ونظرت إلي أمها التي ايقظتها وهي غايه في الفرح وقالت لها " مازال لم يأتي بعد سأنتظره حتي أراه يمر من هنا " وظلت واقفه بالنافذه حتي تجمع الناس بالمصلي أمام بيتهم بالساحه الكبري وبدأوا يكبرون ويهللون "الله أكبر ....الله أكبر....لا إله إلا الله........الله أكبر....الله أكبر.....ولله الحمد" شعرت بكم هائل من الفرح وعادت لتحتضن أمها في لهفه ووقفت بباب غرفة أبيها تنتظره ليخرج لها بالعيديه وهي مبتسمه وسعيده .
ومضي الوقت وارتجفت فجأه مره أخري واستيقظت لتجد كرسيها قد إبتل بقليل من الدمع وشعرت بأن هذا الحلم قد ملئها بالماضي الجميل فنظرت إلي النافذه التي مازالت مفتوحه تنتظر بزوغ الفجر فسمعت أذان الفجر قد إنطلق يعلن عن موعده ، فهبت تجري إلي النافذه تنظر إلي الناس وقد سارعوا إلي المسجد المجاور للبيت ثم عادت لتقف علي باب غرفة أبيها ولكن ليس لأخد العيديه وإنما لتوقظه لصلاة الفجر بطرقات خفيفه ثم إلي غرفة أخيها تفعل معه مثل مافعلت مع أبيها.
مازال عبير ذكري أمها يملئ المكان وخصوصاً تلك الأريكه التي كانت تجلس عليها مستقبلة شعر صغيرتها لتصففه لها وتوثقه بالرابطه القماشيه ذو اللون الفضي ، وقاطع ماضيها بعد قليل من الهيام فيه جمل التكبير والتهليل الذي إنطلق من الساحه الكبيره المواجهه لبيتهم فجرت تنظر من نافذتها لتجد الساحه وقد بدأت تمتلئ بالمصلين ونظرت إلي الجهه المقابله حيث المقابر وتمنت لو أن أمها كانت حاضرة معهم الأن ولكنها تنهدت ثم إبتسمت وقالت "لكي يا أمي مني التحيه والسلام ، وعلي روحك الرحمه وسكني الجنه.... اللهم أمين " وتراجعت مغلقة للنافذه وأسرعت إلي المطبخ لتجهز إفطار والدها وأخيها ولتفرح معهم بالإفطار الذي أعدته لهم ولتشعرهم بدفء الأسره السعيده ، فالماضي يدفعنا إلي دفع الحاضر إلي المستقبل لنصنع الإبتسامه بين شفاه أحبابنا فتلك هي السعاده وهذا هو السبيل حتي نلقي الله .
تعالت الاصوات مكبرة ومهلله تستشرق صباح من التفاؤل ولحظات من السعاده تملأ بيوت المسلمين وتنير بيوتهم بالألفه والحياه الجميله ومهما طال بينا الأمد سنسعد بأعيادنا وسنظل نتذكر أحبتنا .




___________كتبها___________وفقي فكري____________________


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق