السبت، 29 أكتوبر 2011

فإني قريب

مازال يقبع في ركن الغرفه المظلمه ، لا يري أي بصيص لنور ، لا يسمع إلا صوت أنفاسه ودقات قلبه ، دقات قلبه تحولت إلي ميكرفون كبير يعلو صوته ، لأول مره يسمع صوت دقات قلبه بوضوح تام ، بل يكاد ينزعج من إرتفاع صوتها ، ولكن علي الرغم من ذلك يعتبر هذا الصوت بالإضافه إلي صوت أنفاسه هما الأنيسان الوحيدان له في هذا العالم المظلم ، هو لايتذكر أخر مره رأي فيها النور ولا يعلم هل سيري ضوء الشمس مره أخري أم لا ، ولكن دقاته تبعث له الأمل ، وصوت أنفاسه ترسل له رساله علي وجوده علي قيد الحياه ، يبتسم ولكنه لايري كيف يبتسم ، يحاول أن ينظر ولكنه لايعرف هل مازالت عيناه مبصره أم أن الظلام حولهما إلي حجران ، يبكي فيشعر بدمعاته تجري علي وجه ، يشعر بها فقط ولا يراها ، يرفع يداه ليلمسها فتبتل أصابعه ، يبتهج قلبه مره أخري ويصرخ بداخله مازلت أحيا مازلت أشعر بدموعي ، إني أحرك يداي إني أعيش ، لم أمت لم أنتهي ، يضحك بعد البكاء ويشعر بفمه وعيناه ويرسل يده اليمني تتحس رأسه وشعره ، تلمس عيناه وخدوده تعبر علي أنحاء جسده ، كل شئ سليم ، والجسد مازال يعيش.
كم أن الصمت رهيب ، كم أن الظلام مخيف ، كم أن الحبس مؤلم ، هل يشعر به أحد ، هل يتذكره أحد ، هل سيبحث عنه أحد ، من سيسأل عنه ، ومن سيهتم بأمره ، لابد أن أحداً لم يشعر بغيابه ، وبعد قليل سينساه الجميع ، وسيموت هنا في وحدته وفي ظلامه.
النوم هنا يساوي الإستيقاظ كلاهما فيهما ظلام وسكون تام ، إنه يخاف أن ينام لعله لايستيقظ ، ويريد أن ينام ليستيقظ من هذا الكابوس ، ماذا يفعل ، يرفع رأسه في الظلام ويدعوا ويقول ياااااااااااارب ، يقولها ولأول مره من كل أعماقه وبكل صدق ، ينظر إلي أعلي ويرجو ربه ولا ينطق سوي بكلمة يااااااااااااارب ، ينطقها خافته ضعيفه لعلها تلاقي إجابه ، هي المره الأولي التي يشعر فيها بوجود أنيس بعد نطقه بالرجاء ، لأول مره يثق بنفسه ويستريح قلبه ، أين ذهب الخوف ؟ أين ذهب الصمت ؟ ، لقد ملئت الحجره بضوء يشعر به ولكن لايراه ، هل هذا ضوء حقيقي أم بياض عيناه التي لم تعد تري ؟ ، يضطرب مره أخري ويتحسس عيناه ثم يغمضها ويفتحها فيري نفس الضوء ، ولكنه ليس ضوء عادي ، ولكنه ضوء يشعر معه بالراحه ، لم تعد أذناه تصفر من السكون ، وكأنه يرقد في غرفته بالمنزل ، يسمع صوت جميل ولكنه ليس بصوت ، ماهذا؟ هل هذا صوت حقيقي وماهذه اللغه ؟ ، يعتقد أنه نام ويحلم ، ويري في أحلامه أشياء من نسج عقله الباطن ، يرسل يده مره أخري تلطم خديه في هدوء ليستيقظ ، يلمس الأرض ، لا لا لم أنام ، إني مستيقظ ، لست أحلم ، ينادي بخوف هل جاء أحد ؟ هل يوجد أحد هنا ؟ ولا مجيب ولا مردد لصوته إلا الصدي ، لقدعاد الصدي مره أخري وسكنت الغرفه مره أخري وذهب الضوء وتلاشي الصوت ، ماذا كان هذا؟ ولماذا ذهب ؟
يضع رأسه مره أخري بين رجليه ويحيطهما بيداه في يأس ويعود فيبكي ، يبكي هذه المره بشده ويكاد قلبه يقف من البكاء والحزن ، ويعود فيتذكر أنه في الغرفه المظلمه ، فيزيد بكاءه ويعود فترتفع دقات قلبه ، ويعود الصمت الرهيب يحوم حول أذنيه.
يقطع شوطاً أخر من السكون التام وهو مازال قابع برأسه بين رجليه ومازالت يداه تلتف حول رأسه وكأنه نعامه دست رأسها في الرمال وهي مذعوره ، ولا تريد أن تري الخطر وهو يقترب منها ، تنتظر أن يهاجمها مجهول ولا تريد أن تراه .
لقد جفت الدموع ولم تعد تنزل علي خديه ، لقد انخفضت دقات قلبه ، هل مات ، هل فارق الحياه ؟ لا لم يمت ولكنه يأس أن ينجو فلم تعد تفرق معه الدموع ، لم يعد يهتم بدقات قلبه ، إنه يتمني الموت الآن ، الآن وليس بعد قليل ، فلماذا ينتظر؟!! ، ومن ينتظر؟!! ، لأول مره يشعر بألفه مع الظلام ولأول مره يتغني بصفير الصمت.
يعود ثانية فيفكر فيما رآه من قليل ويسأل نفسه لماذا ذهب وتركني هنا وحدي ؟ ، لماذا لم يبقي معي ؟، هل تخلي عني الجميع ؟ ، ألا يوجد أحد يتذكرني ، يرفع رأسه ثانية إلي أعلي وينادي هل هناك من يسمعني ؟ هل يشعر الأن أحد بوجودي؟ ، يشعر أنه يريد أن يناجي ربه مرة أخري فينادي يااااااااااااااارب ‘ ياااااااااااااارب ، يااااااااااااااااااااااااارب أنت أعلم بحالي ولا أحد يعرف مكاني إلا أنت وحدك ، يارب لاتتركني لنفسي فأهلك ، يامنجي يونس من بطن الحوت ، يامنقذ أبراهيم من النار ، ياملهم نوح بركوب الفلك ، إنقذني من الضياع وألهمني الصبر علي البلاء ، ونجني من كل الكروب ، يااااااااااااااااااارب أنت أعلم بحالي ومطلع علي سجني ، صبرني علي محبسي مثلما صبرت يوسف في السجن ، إنك قادر علي كل شئ ولا يقدر عليك شئ ، ياخالق الظلام هب لي من لدنك ضوء من الأمل وأنر قلبي بحبك وقربك ، ياخالق الصوت والصمت ، أعلم أنك تسمعني وتطلع علي قلبي وعلي حالي ، وأنت يااااااااااارب أرحم الراحمين ومجير المتلهفين ، فأجرني يااااااااارب مما أنا فيه وأرضني وأرضي عني وكفر بهذا ذنوبي ، إن كان بي سخط منك فإن عفوك أقرب ، ورحمتك أوسع.
ماهذا ؟ ماهذا؟ ، ماذا أري أنا لا أري الظلام ، لا أري الصمت ، هل قبضني الله إليه ، هل فاضت روحي إلي جوار خالقها ، لكم أشعر الآن بالراحه الشديده ، راحه لا يشعر بها إلا من مات وفارق متاعب الحياه ، يااااااااه كم للذه التي أعيشها الأن ، لقد تحول السجن إلي جنه ، أنا لست أنا ، بل أنا هو أنا ولكني أنا الحقيقي ، أنا الذي تخلص من كل هموم الدنيا ، وألقي بها وسارع يهرول نحو ربه ، ياربي لا تخرجني من هنا فإني أشعر أني مستأنس بك ، ومطمئن إلي جوارك .
نظر إلي الحجره فوجد عامود من النور يتسلل من مكان قريب فرفع يده يلسمه وهو مبتهج ، سار نحوه وإذا به ضوء يأتي من باب الحجره ، أول مره يراه ، أول مره يشعر به ويلفت نظره ، هل كان موجودا من قبل ، أم أنه تسلل الأن؟ ،  ولماذا لم يراه من قبل ؟ ، عجباً هذا الخيط الرفيع من الضوء يكاد ينير كل الغرفه ، لقد إنقشع الظلام ، أين ذهب وأين تلاشي ؟ ، هب واقفاً وسار نحو باب الغرفه وطل بعينيه من خلال الثقب ، ولاقت عينه لأول مره الضوء ورأي طريق طويل مضئ بالخارج ، ياااااااااه لقد رأي الضوء مرة أخري وتنفس الهواء وملئ رئتيه ، ولكنه تراجع للخلف وعاد يرجع إلي ركنه ولكن عجباً هو لا يري الركن المظلم ولا يكاد يحدد في أي ركن كان يقبع ، ينظر إلي كل أركان الحجره فلا يستطيع أن يحدد أين كان يجلس ، لقد كان يجلس في ركن مظلم ولا يوجد الآن أي ركن مظلم ، ولكنه يشعر أنه يريد أن يعود إليه ليناجي ربه ثانية وحده ، يناجيه دون أن يشاركه فيه أحد ، أين الركن المظلم ؟ توقف قدماه وتوقفت عيناه عن البحث وعاد مرة أخري إلي مصدر الضوء ، وعاد ينظر من خلال الثقب وهو يقول الحمد لله الذي أبصرني بعد أن عميت ، الحمد لله الذي رزقني الأمل بعد أن يأست ، الحمد لله الذي أنقذني من وحدتي إلي جواره .
عاد ينظر من الثقب فرأي رجلاً يتجه نحو الثقب وهو يمسك بمفتاح ، ياربي ماهذا؟ هل هو مفتاح الفرج ؟، هل هو مفتاح الأمل؟ ، ولكني لا أريد أن أخرج ، أريد أن أبقي بجوار ربي ، أريد أن أعود إلي ركني ، إني مستأنس بمالا يعرفه السجان ، وسعيد بمالا يستطيع أن يمنعه عني المستبد ، مهلاً ياسجان فلا تخرجني فلست في سجن ، مهلاً ايها المفتاح لا تفتح فإن الباب ليس مغلق .
يقطع صوت المفتاح وهو يجبر الباب علي الفتح رجاءه وينهي أمله في البقاء ، وينفتح الباب فيري نهر من النور يغمر جنبات الغرفه ، ويشاهد في الأركان نفسه وقد كان يناجي ربه في الظلام ، فيبتسم في وجه السجان ويقول " إذا لاقتك الهموم وضاقت بك الأركان وزحف عليك الظلام فقل ياااااااااااارب فإنه موجود قبل كل الوجود " ويخرج يمشي في طريق النور الطويل.

______________كتبها_________وفقي فكري______________









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق