الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

قبور العذارى



ظل ينبش في الأرض ككلب مسعور يبحث عن فريسة تحت التراب،مخالبه تهتك عرض الدنيا بكل شراسة وبلا هوادة،يلهث وهو ينبش ولعابه يسيل من فمه وخياله هائم يتوقع أن يجد إحداهن هنا أو هناك،يزيد في اللهث ومخالبه تزداد حدة وتحدث صوتاً مكتوماً يختلط مع ظلمة الليل الذي يعشق أن يبحث فيه عن قبور العذارى،لا يحب مطلقاً أن يواجه ضوء الشمس ولعابه يسيل،يخشى أن تكون مرآته فتفضحه أو توقظ ضميره الذي مات منذ أن بدأ الليل يسدل ستائره على المكان،ينام الناس ولا تنام شهواته واحتياجه لسد رمق جوع فم مسعور تعود أن يأكل لحم العذارى نيئاً بلا رحمة،المهم ألا يراه أحد ولا يرى حتى نفسه وهو ينفذ جريمته،يتوارى وراء ظلمة الليل ويظهر وجهه الوحشي البغيض.
في كل ليلة ينبش فلا يجد فريسه فيحول نبشه لحفر عميقة واحدة تلو الأخرى يملأ بها المكان فتصير الأرض الممتدة عراقيل وموانع أمامهن،هذا طريق العذارى يوماً ما كان مستقيماً سهلا بسيطاً مختصراً حتى الوصول لبر الأمان لكن هذا المستغل من يوم أن ترصده لم يعد الطريق كذلك،صار وحلاً خطراً،ظاهره الرحمة وباطنه الغدر والضياع.
بعد أن يأس من التقاط فريسة صريعة إحدى القبور خطط من جديد وآثر أن يتخذ تلك الحفر الكثيرة التي ملأ بها الطريق قلعة محصنة له يجذب لها الولائم على مائدة الشهوة في كل ليلة،بالتأكيد حين تمر إحداهن سترى أحد الوجهاء المتفلسفين المستترين ببردة العلم والإخلاص والصداقة يدعوها للنزول لإحدى حفره،ففيها الخير الوفير،ها هى إحداهن قد ظهرت ينادي عليها من بعيد انزلي لحفرتي فلدى ما لذ وطاب،هل لكي قضية؟ فأنا الناصح الأمين
هل لكي أحلام؟فأنا محقق الأحلام
هل تريدين المستقبل؟في حفرتي كل المستقبل
انزلي يا حلوتي ولا تخافي فأنا أدعوكي لتحقيق كل ما تحلمين به
لقد نجح الأمر،يلا سذاجتهن،ها هى تكشف عن ساقيها وتنزل في قاع الحفرة ثم تكتشف أنها مظلمة كئيبة لا زرع فيها ولا ماء
أين ما كنت أحلم به لا أراه
أين الوعود والأحلام ذهبت أدراج الرياح
كاد أن يقع بها ويرضي شهوته لكن الطمع زان له اصطياد المزيد،فتركها حائرة ونزل إلى حفرة أخرى واصطاد ثانية ثم حفرة تالية واصطاد عذراء ثالثة وهكذا هيأت له نفسه الأمارة بالسوء أن يستمر في ملأ حفره بما لذ وطاب من أجساد العذارى حتى إذا فرغ من أخرها قرر أن يرجع للأولى ويبدأ في الإفتراس لكنه وجدها فارغه،نزل وفتش عنها فلم يجدها،هرول كمجنون يبحث عن عقله في كل زاوية من حفرته المظلمة فلم يعثر على شئ،نظر لأعلى فوجد أحدهم يمسك بيدها ويجذبها خارج الهاوية،فصرخ وكشف عن أنياب ذئب قبيح ثم اسرع للثانية والثالثة ففوجئ بالمنقذين يهرولون نحو صراخ العذارى يخرجوهن من الظلام،حاول أن يخرج مسرعاً لينقذ ما يمكن إنقاذه لكن الشمس لحقته بإشراقها وجعلته فريستها،نظر لنفسه فوجد وحشاً قميئاً سيئ الطلعه،حاول أن يختبئ في ركن مظلم من أركان حفرته كمصاص دماء يخشى الإحتراق من الضوء لكن الشمس تصر على محاصرته أينما ذهب،صرخ مستنجداً بالمنقذين بالأعلى فلم يجد منهم إجابة غير التحسر على حاله ونظرات الشفقة،طلب المساعدة من العذاري الواقفين على شفا حفره فبصقوا عليه جميعاً دفعة واحدة وأداروا له ظهورهم وهموا بالإنصراف،حاول أن يتوب فلم يستطع أن ينطق لسانه بكلمة التوبة،كاد يصرخ لكن الصراخ هذه المرة لم يخرج من حنجرته التي تيبست كالفولاذ،كل شئ اصبح ضده حتى الشمس تحرق جسده في تشفي واضح ولهيب جارف،لا ملاذ إذا من الهجوم،تكور على نفسه في يأس وألتف بالطين وظل يعوي حتى قضت الشمس على أخر نقطة ماء كانت في جسده فتبخرت للسماء ثم لحقتها روحه تلعن جسد عاش على نبش قبور العذارى فلم ينل إلا الحسرة والندامة.

وفقي فكري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق