السبت، 13 أغسطس 2016

الأغنياء لا يجوعون ولا يظمأون أبدا





إن كنت من الفقراء فعليك أن تتابع كل يوم أسعار السلع وعليك أيضاً أن تضع في كل لحظة تمر عليك في نهارك وليلك كف يدك على موضع قلبك خوفاً من توقفه وأنت ترى جنون الأسعار يشتعل مثل اشتعال النار في هشيم زرع فقد خضاره وسط لهيب صيف حار.
لا عليك إن لم تتابع أسعار زجاجات المياه المعدنية فالفقراء لا يشربونها ولا يهتمون سوى بعبواتها الفارغة التي في الأغلب يبحثون عنها وسط تلال القمامة كمصدر يدر بضع قروش يسدون بها جوع أطفال فاحت من أفواههم رائحة خلوف فم الصائمين عن الزاد طوال العام.
اجلس فوق كنبة تصدر أزيزاً ولا تحمل بجسدك عليها كثيراً خشية أن تضعف من تحتك وتسقط بك بسبب كسر في عمودها الفقري فلن تقوى على شراء بديل لها سوى حصيرة لن تغني عنك شيئاً من لهيب آلام العمود الفقري ثم اشغل نفسك بحساب ما صرفت وما أبقيت من قروش حتى نهاية الشعر واشعر بالخطر والحسرة من عدم قدرتك على إكمال الشهر وتوه في متاهة معتادة واحلم بأن تفقد وعيك ولا تستعيده إلا في أول يوم في الشهر الجديد إن كنت من أصحاب الوظائف الحكومية أو مد يدك لمن حولك تتسول منهم قرضاً معتاداً حتى يرزقك الله من عنده إن كنت من أهل اليوم بيومه.
المتابعون للأخبار كل يوم على صفحات الجرائد المطبوعة والمواقع الإلكترونية الذين يقرأون كل يوم خبر يقول اشتعال الأسعار وارتفاع سعر الدولار وانخفاض الجنيه أمام سطوته ويطلعون على تحقيقات تقول أن مصر ستبدأ مواسم العطش ابتداءً من 2017 وهؤلاء الذين يقرأون أخبار الحرامية الذين سرقوا مصر في عهود سابقة،كل هؤلاء يعلمون تمام العلم أن الأغنياء لا يجوعون ولا يشعرون أبداً بالعطش فلا خشية من سعر تضاعف عشرات المرات أو حتى مئات الأضعاف ولا يهمهم إن كانت مياه النيل سوف تتعرض لخطر النقصان اليقين، فهؤلاء يملكون المال الذي لو أكلوه ليل نهار لن ينتهي ولا يشربون كذلك من ماء النيل الملوث فشرابهم عصائر فاخرة وان اضطروا لشرب الماء بحكم طبيعتهم البشرية التي لا يستطيعون أن يغيروها فإنهم يشربونها من آبار جوفية يضاف لها المعادن والمواد المهمة لبناء الجسم ولو اضطروا سيشتروا تلك الآبار لتكون ملكية كاملة لهم وحين يفرغون من شراب الزجاجات المعدنية،حينها فقط سيأتي دور الفقراء في تلقف فوارغها ليبحثوا من خلالها على خرم إبرة للحياة.
لن يسجن غني يستطيع أن يتصالح مع الكسب غير المشروع طالما سالت أمواله مثل الأنهار وإن سجن فإن سجنه لن يطول وسيتحول لملهى ليلي بفضل شراء راحته بغناه.
من يسجنن هن الغارمات اللاتي لا يستطعن دفع مبلغ ألف جنيه اقترضته أم لإكمال تجهيز بنتها اليتيمة.
الذي يسجن فلاح بسيط حصل على بذور واسمدة من بنك الإئتمان الزراعي وما استطاع تسديده بسبب خيبة اصابت زرعته فمنح محصولاً شاحاً باعه بسعر بخث لتاجر مستغل حتى يصل لمواطن غلبان بأضعاف سعره.
من يبتلى بالسجن شاباً حصل على قرضاً ضاع في سبيل تحقيق حلمه بعد أن نصب عليه رجل أعمال حول له البحر طحينه وتركه فريسة لجزاء لم يقترف إثمه.
يا سادة الأغنياء لا يجوعون ولا يعطشون أبداً ولو ضافت بهم الدنيا وحوصرت مصالحهم هنا فعلى أول طائرة ستجدهم مغادرين مطارها الدولي متجهين لمكان أخر ينفقون فيه أموالهم ويتلذذون بها أيما تلذذ ولن يكون الوطن سوى كلمة تخرج حين الإحتياج ولا يخضعون لعقاب ولا قانون فأموالهم تضعهم فوق أي خط وأعلى من أي حد ولن يبقى سوى الفقراء الذين يمثلون 99% من قاعدة واقع المجتمع.
الفقراء هؤلاء الذين انصحهم كل يوم بمتابعة أخبار السلع والخدمات وعليهم أن ينتظروا الموت كل شهر مع فواتير الكهرباء والغاز والمياه وكأنهم من أهل النار يُقضى عليهم في كل لحظة ثم يعودون لما كانوا عليه ليموتوا مرات لا نهاية لها حتى يستمر العذاب إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
فلتقضي اللهم أمرك ولينفذ قضائك وقدرك فما لنا سوى الدعاء وعلى الله قصد السبيل والتدبير .

وفقي فكري