الثلاثاء، 19 أبريل 2016

هلاوس امرأة مدمنة



على وسادتي وضعت رأسي لتستريح،الإرهاق بلغ مني مبلغ الخطر،جسدي الهزيل لا يتقبل منذ فترة خلاصة الطعام الذي تمتصه أمعائي،شحوب وجهي جعل بعض من المحيطين لي يتهامسون فيما بينهم عن السر،سمعت مرة إحداهن تقول في همهمة خبيثة داخل تجويف أذن خليلتها بلكنة متهكمة مخلوطة بشماتة أن سر هذا الشحوب يكمن في انحلال لحق بأخلاقي مؤخراً واقسمت بأيمان بناتها أنها سمعت بما لايدع مجالاً للشك أنني أتناول مخدرات أجلبها من أحدى صديقاتي،لم تكن تراني وأنا أسمع بالصدفة من وراء حجاب هذا الطعن المباشر في سمعتي،فحين سمعتها تهمس بذلك لم يجتاحني أي غضب بالعكس كنت مشفقة على حالها وما أصيبت به من مرض الخوض في أعراض الناس بلا أدلة أو براهين.
حين ألقيت برأسي على الوسادة تذكرت تلك النميمة في حقي فعاودت رسم نفس الإبتسامة التي ابتسمتها وأنا وراء الحجاب،وتعجبت من تلك المتعة التي يلقاها هؤلاء النسوة وهن يجلسن يتجاذبهن أطراف الحديث حول الناس ويجتهدن في تفسير أفعال دوائرهم المحيطة من الصديقات وحتى الرجال لم يسلموا من تأويلاتهم وفي النهاية يدعون أني مريضة بإدمان المخدرات ومنحلة الأخلاق رغم أنهم هن من أصبن بذلك ولكنهن لا يشعرن بهذا.
الضوء الخافت ذو اللون الأحمر الذي تخيم أجوائه الهادئة على أرجاء غرفتي لم يمنحني راحة البال ولا السكينة حتى أنام،تقلبت مرتين أو ربما خمسه وأنا بين الجنبين أنكوي بنار التفكير وهذا السهاد القاتل يصر على ملازمتي،كيف أنجو مما أنا فيه وقد فارقني النوم منذ أسابيع،كل يوم أضيف شيئاً جديداً داخل غرفتي حتى أوفر كل سبل الراحة لأنام ولا أنام،حين راجعت الطبيب بعد ضغوط من أسرتي التي يبدوا أنها سمعت بعض همهمات النسوه فخشيوا من أن تكون تلك هى الحقيقة وبمجرد أن جلست أمامه كان واضحاً عليه وهو يكتب في روشته بدون إجراء كشف طبي طلب إجراء تحاليل كاملة كان واضحاً للأعمى أن السر وراء ذلك هو اكتشاف مدى صدق النسوة من عدمة،لم ينشغل أهلي بشحوب وجهي وجفاف بشرتي وموتي البطئ ولم يقلقوا على صحتي لكنهم ارتعبوا حين واجههم شبح العار بأن يكون داخل جدران بيتهم مدمنة،هل الموت أخطر أم الفضيحة؟.
كانت تلك المرأة محقة في اتهامها فأنا بالفعل مدمنة منذ أسابيع ولكن السبب في ضعفي وهواني ليس الجرعة التي أتناولها بل العكس،السبب كان انقطاع الجرعة عن السير في وريدي وشرايني،اختفى من كان يحقني يومياً بالمنشط الذي كنت على إثره أطعم فمي بلا شبع،واضحك بلا انقطاع وامرح بلا توقف،اختفى المورد الوحيد لسر سعادتي وها أنا الآن أعاني من أعراض انسحاب المخدر من جسدي،حاولت كثيراً أن ابقي على آثاره داخل عروقي لكنه تبخر سريعاً،فالدماء التي تعودت أن تتلقى دفعة جديدة منه يومياً أصبح من الصعب بل ومن المحال أن تقوى على تخزين كمية احتياطية منه للطوارئ.
منذ أسابيع لم تعد تراودني تلك الأحلام التي كانت تنتج عن هلاوس الإدمان،فارقتني وهجرت وسادتي منذ ذلك الوقت الذي توقفت فيها عن تعاطي الجرعة اليومية وأخلفت وعدها لي بأن ترافقني كل ليلة حتى وإن كنت أنام في نفس تلك الغرفة وسط ظلام دامس،كانت هى التي تضئ هذا الظلام وتطوف بي في أرجاء الفضاء سراً بعد أن ينام كل من بالبيت وتحلق بي بين أطياف مبهرة في أعالي السحب وبالقرب من القمر،كنت أسهر معها طوال الليل في بهجة ومتعة لا نظير لها وقبل الفجر كنت أرجع معها لغرفتي أنال قسطاً من الغفوة القصيرة ومع ذلك كنت استيقظ في نشاط وحيوية كاملة.
الليلة وقبل أن استقبل باب الحجرة جاءت نتيجة التحاليل المعملية أخيراً واستراحت الأسرة بعد أن علموا أني نظيفة من كل الإتهامات إلا من مؤشرات النسب العالية من الأنيميا وزيادة نسب الأملاح وهذا الذي اعتبروه مقبولاً ولا خوف منه وللمرة الثانية أجرى الطبيب قلمه في حروف انجليزية مبعثرة ليوصي ببعض الأدوية التي ستؤتي تأثيرها مع الوقت.
استراحوا هم من الفضيحة ومضيت أنا أعاني من فقدان الجرعة التي اعتدت عليها وكاد قلبي بسببها أن يتوقف،وها أنا ذا ومثل كل ليلة تتوسط رأسي وسادتي وينقلب جسدي يميناً ويساراً متشوقة لليلة واحدة من ليالي الماضي وليتها ترجع،وبينما أنا أتقلب جائتني فكرة خطيرة لأول مرة افكر فيها،لماذا لا استعين بالوهم من أجل الراحة المزيفة،لماذا لا أتخيل أني اتعاطى جرعة بخيالي وأخدع جهازي العصبي بذلك،فأنا أريد أن أنام ولو ليلة واحدة بلا سهاد حتى وإن اضطررت للخدعة والحيلة؟.
كنت افكر وانا مثل شبح راقد على سرير وسط ضوء خافت أهمهم بكلمة لماذا وعيني تلمع وسط الظلام الخفيف حين سمعت على غير العادة صوت ضعيف يأتي من الخارج لأم كلثوم وهى تقول مقطعها الشهير "وعايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان وهاتلي قلب لا داب ولا حب ولا انجرح ولا شاف حرمان" حين سمعتها قلت نعم هو الحرمان وأيما حرمان ثم انقلبت للمرة الأخيرة عكس اتجاه قدوم مصدر الصوت واخرجت زفرة لم أشعر بعدها بنفسي إلا وهذا الهاتف المحمول يرن بجوار أذني معلناً عن بشارة الخير ولكني لا أعلم هل أنا في حلم الماضي أم أنها هلوسة الحنين أم تخاريف الواقع؟.

وفقي فكري