الأربعاء، 16 مايو 2012

الدستور ورئيس مصر

كل مواطني مصر الأن ينتظرون ويراقبون من بعيد ومن قريب حلول الإنتخابات الرئاسية المصرية التي أصبحت قاب قوسين أو أدني من التحقق وزاد الإنقسام والإختلاف بين هذا وذاك من المرشحين الثلاثة عشر ولا يكاد الفرد منا يسير في أي طريق أو شارع إلا ويجد من يتكلم عن المرشحين وأيهم سينجح ومن سيخسر ، من له التأييد الشعبي ومن لا يملك أي اصوات ؟ من ينفق الملايين في حملته الإنتخابية ومن يتسائل عنه الناس في مصدر الأموال التي تصرف علي الدعاية له؟ بل لا تكاد تركب مواصلة عامه أو تاكسي بل وحتي في سيارتك إلا ويبادرك شخص ما ليسألك لمن ستعطي صوتك وندخل في جدال بين مؤيد لقوي إسلامية وأخر مؤيد لمرشح ليبرالي ، ومن يلمع بعضاً ممن يسمونهم الثوريين مرشحي الفلول ، المهم أن صخب الحديث عن تلك الإنتخابات الرئاسية الأولي في تاريخ مصر والتي تجري بمنافسين حقيقيين - بغض النظر عن إنتخابات 2005 الهزلية- كلها تجري حول من يؤيد هذا ومن يعارض ذاك ، من يتهم أحد المرشحين بالخيانة وأخر يناصر من يعتقد أنه سيغير من وجه مصر ، ونسي الأغلب أو تناسوا أن هذا الرئيس القادم سيأتي إلي كرسي القيادة دون دستور يحكم به أو قانون يرشده إلي العبور بمصر إلي مرحلة جديدة يفترض أنها ستكون ديموقراطيه ، ورئيس بلا دستور كقبطان بلا مركب ، ولكن الفرق هنا أن القبطان بلا مركب لن يستطيع أن يقود ركاب إلي بر الأمان لكن الرئيس بلا دستور سيجعل الرئيس الجديد يقود الشعب كله إلي الهلاك مرة أخري .
إن الدستور الصحيح هو الضمانة الوحيدة التي ستضمن لهذا الشعب حياة وتغيير نحو الأفضل وبدونه فنحن نصنع ديكتاتوراً جديداً بأيدينا وبرضانا أياً كان من القادم إلي الرئاسة لأنه سيجد الطريق أمامة ممهداً ليفصل دستوراً - إن إستطاع في الأساس أن ينشأه- علي هواه وعلي طريقته التي تحقق له وتضمن له المكوث في المنصب أطول وقت ممكن لأننا شعب بطبيعته يقدر حكامه ويضعهم في مكانه مغال فيها إلي حد سيجعل من لا يرغب في الإستبداد أن يستبد ، ليس صحيح أن نقول أن هذا المرشح هو العادل والمنصف وذاك هو الظالم الضعيف فالكل قد يكونون جيدون بنسب مختلفة وقد نختلف فيما بيننا علي رأينا فيمن سنعطي صوتنا ولكننا في النهاية سنعطي للذي يراه الشعب الأفضل ، ولكن المشكلة أنه مهما كان من سيأتي إلي المنصب يتصف بالصفات الحميدة فقد تغيره سلطان الرئاسة وغرور السطوة لأن الولاية في كل الأحوال والكراسي العليا للمنظمات الإنسانية بها الكثير من الفتنة ولا يضمن الفرد إلي أي وجه سيتغير حين يكون في السلطة ولذلك تم إنشاء الدساتير التي تحكم سلطات كل الهيئات سواء كانت رئاسية أو غيرها وتنظم الصلة الحاكم والمحكوم وبين مختلف الوظائف والسلطات داخل الدول ، فكيف إذاً نضع رئيس علي قمة الهرم الوظيفي بالدولة دون أن نحكمة بدستور؟!!!!
لقد طالعتنا الأخبار بأن المشير طنطاوي قد صرح في أحد تدريبات القوات المسلحة أن مصر ستشهد إنتخابات رئاسية ستكون نموذجاً للعالم في الديمقراطية ، وأنا معه بلا شك في أن الجميع يفخر بأننا سنقوم بتلك الإنتخابات وسنحرص جميعاً علي نزاهتها لتكون نموذجاً للديمقراطية ولكن أين الديمقراطية في إنتخابات بدون دستور ؟ كنا نتمني أن ينجح السياسون في دولتنا علي إنجاز دستوراً جديداً قبل الرئاسة ولكنهم لم يفلحوا حتي في تكوين جمعيته التأسيسية خلال مايقرب من عام ونصف من قيام الثورة.
إننا الأن في هذه الأيام نتهافت علي إنتخاب رئيس جديد ولا ندري أننا نصنع القنبلة بأيدينا لتنفجر في وجه كل مصري من الشمال إلي الجنوب ، من الشرق إلي الغرب ، فعندما سيأتي الرئيس سيواجه حتماً أمراً من الأمرين أري كل منهما أقوي من الأخر فالأول إما أننا نصنع قنبلة إستبداد جديدة لرئيس جديد أو أننا سنواجه قنبلة الإعتراض علي شخص الرئيس ممن خاب أملهم في صعود رئيس مهادن لفكرهم ، والخياران سيقودونا إلي صراعات لا يعلم مداها إلا الله .
وبالطبع كالعادة سنجد أن هناك مهونين لكلامي هذا ليقولوا لي أن هناك إعلان دستوري وهناك أيضاً دستور 71 فلماذا إذا التشائم ؟ وأرد علي هؤلاء بأن الثورة التي قامت لإسقاط  نظام إستبد وظلم عن طريق دستور 71 الذي خرب تقريباً بسبب التعديلات المتتالية التي خربته وجعلته يستحق السقوط ، فلماذا قامت الثورة إذاً ؟ هل قامت من أجل أن نعود ونستدعي دستور فزعنا جميعاً لإسقاطه ؟ كما أن الإعلان الدستوري المكون من بضع وستون مادة مأخوذ هو الأخر من دستور 71 مع بعض التعديلات التي لاقت وتلاقي هي الأخري إعتراضات كثيرة من الساحة السياسية المصرية علي مختلف المستويات في الوقت الحالي.
إذا نود في النهاية أن نسدي للقادة الحاليين للدولة نصيحة طالما أن الوقت قذف ولم يعد هناك أي فرصة للرجوع خطوات للخلف أو التأني قليلاً لحين إنجاز دستور جديد ،لذلك نود أن نقترح أن يعمد المجلس العسكري إلي إصدار شيئاً ما قد يكون قانوناً أو غيرة يضمن أن يستمر مجلس الشعب في تكوين اللجنة التأسيسية للدستور وإنجاز دستور جديد بشكل مستقل دون تدخل الرئيس القادم لأن الرئيس القادم إن كان له ميول إسلامية متحفظة فسيعمل علي إخراجه بشكل يرضي الإسلاميون وبالتالي سيجد معارضة من القوي الأخري ومعهم بكل تأكيد الأقباط ، وإن جاء رئيس ليبرالي علماني فسيعمد إلي إخراج الدستور بشكل سيغضب الإسلاميين ، مع وضع أليه تمنع إحتكار فئة الأغلبية بمجلس الشعب للجنة التأسيسية للدستور ، وبالتالي فنحن في كل الأحوال سنواجه مشكلة المواجهه ، لذلك لابد قبل أن يسلم المجلس العسكري السلطة لرئيس منتخب جديد أن يضع ما يضمن عدم تدخل الرئيس الجديد في وضع أو صياغة الدستور الجديد إن وضع أصلاً دستور جديد للثورة المصرية .
نتمني من الله تعالي أن تمر مصر الثورة من أي كبوة قد تواجهها في الأيام القادمة وأن يخلص الساسة والقائمين علي شئون مصر النية في خدمة الوطن وليس خدمة مصالحهم الشخصية فمصر تستحق أن تجد من أبناءئها من يخلص في خدمتها .
ــــــــــــــــــــ كتبها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وفقي فكري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخميس، 3 مايو 2012

ثورة الشباب ضاعت بين الشيوخ

عندما نراجع شريط الأحداث من قبل قيام ثورة 25 يناير وحتي اللحظة التي نعيشها الأن نلاحظ أمراً رغم أنه كان متوقعاً وحذر منه الكثير إلا أنه حدث بالفعل ألا وهو ضياع الثوار الحقيقيون الذين نهضوا بثورتهم من أول يوم وتكبدوا خطر مواجهة الموت ، بل وواجه الكثير منهم بالفعل الموت وراح مئات الضحايا من هؤلاء الشباب نظير نجاح الوقوف أمام الظلم وقولهم له لا بأعلي ما بحناجرهم من علو صوت .
أين ثورة شباب مصر وأين هم الأن من نتائج ومكتسبات ثورتهم ؟ ألم يلاحظ جميع من تابعوا أحداث الثورة بجميع مراحلها أن جميع القتلي كانوا من الشباب صغير السن ؟ ألم نشاهدهم عبر كافة شاشات وكالات الأنباء وهم يسحلون ويرمون بالرصاص الحي بصدور مفتوحة سعياً من أجل إنتزاع الحرية من غاصبيها ؟
ربما منكم الكثير من شاهد ذلك الشاب الذي وقف بمنتصف الشارع يفتح يديه أمام جنود الشرطة ليؤكد لهم بأنه من اليوم لا يوجد خوف وأنه ليس شرطاً للشجاعة أن تحمل سلاح ، لقد رفع يديه ليقول لهم إنما أنا أعزل من أي سلاح ولكن لساني ليس أعزل من سلاح الإحتجاج علي الظلم والطغيان فرموه بالرصاص فترنح علي الأرض لتسقي دماؤه الطاهرة طبقات الأسفلت التي أنت من عقود الظلم المتتاليه ، الم يكن هذا شاب مصري ؟ .
إن أيام الثورة الثمانية عشر والتي شهد فيها الميدان قمة التكافل والتعاون حتي أني وصفتها في مقال فيما قبل بأنه كان أشبه بالمدينة الفاضله التي ذكرها أفلاطون في مؤلفاته وجدنا فيها الميدان ممتلئ عن أخره وقبل أي أحد من الشباب المصري الحقيقي الذي تحدي الخوف ونزل إلي الميدان يوم 25 يناير ليصرخ بكل شجاعة " عيش ... حرية ... عدالة إجتماعية " في وقت كنا جميعاً نقبع في بيوتنا أو مكاتبنا نشفق علي هؤلاء من الجزاء الذي سيلاقونه في حال فشلت ثورتهم ، أين كان كل هؤلاء المشاهير الذين نجدهم الأن يملؤن زخم الحياه السياسية والإعلامية ؟ من منهم وجدانه يخرج علينا ليصرح بأنه مع الشباب الثوار ؟ من منهم شاهدناه بالميدان يؤازر إخواننا في موقفهم ويشد من أزرهم ؟ .
إن كل هؤلاء ياساده ممن هم الأن نراهم يطفون علي سطح الحياه المصرية كانوا يجلسون ليشاهدوا الثورة من بيوتهم وينتظرون إلي أي فريق سينتمون ، وحتي من كان منهم معارض كان يعارض في سره خوفاً علي نفسه ،ومن كان منهم يقف مع الثورة كان يقف بقلبة ودعائه ، وبعضهم من كان يقف بصمته العميق يراقب وينتظر النتائج .
لقد كانت الثورة في عز أحداثها موسماً لكل وسائل الإعلام الذي لم ينام لحظة ليتابع كل الصفقات التي تجري علي أرض الواقع وربما كان يلعب في كثير من الأحيان دور المحفز من أجل حدوث المزيد من الكوارث والمذابح لينقل ويكون له سبق النقل حتي يحقق المعدلات الأعلي في المشاهده وحتي يرفع سعر ثانية الإعلان الدعائي علي شاشاته من أجل جني الربح السريع ، فمثلما تعتبر الحروب سوقاً خصبة لتجار السلاح الذين يشجعون عليها من أجل رواج سوق السلاح فقد كان الإعلام يروج هو الأخر من أجل تسويق سلعته علي حساب دماء الشباب المصري.
الأن لم يختلف الأمر كثيراً لأننا نجد بديلاً عن الإعلام للعب دور المحفز من أجل إشعال الدمار والضحية دائماً ما تكون واحده ألا وهي الشاب المصري ، الأن المحفز علي هلاكهم اصحاب المصالح الذين يجنون مكاسب الثورة أو يحاولون أن يجنوا جل نتائجها ، فلن نجد فلول الحزب الوطني فقط هم المسئولون الأن عن إراقة دماء شباب مصر الذكي وإنما إنضم إليهم العديد من الجهات من أصحاب المصالح ، فحين إقتربت الإنتخابات البرلمانية إستعملهم أطياف مختلفة من التيارات السياسية للضغط بهم علي أولي الأمر لتلبية رغبات تصب في مصلحتهم فكانت مجازر محمد محمود وماسبيرو ومسرح البالون وأحداث بورسعيد وغيرها وحين أتت الأن إنتخابات الرئاسة إنتقلنا إلي مجزرة جديدة وهي مجزرة ميدان العباسية ، وفي كل المرات الضحية واحدة وجاني المكاسب واحد.
وربما يكون قد قدر لشباب مصر الثائرون أن يدفعوا الثمن دائماً ، فعليهم في كل مره أن ينفروا لإنقاذ مصر فيموتوا ثم يجني الشيوخ المكاسب ، عليهم في كل مره أن يستسلموا لإستعمالهم في مصالح الغير رغم أنه خروجوا في البداية ليستعملهم الوطن في إقرار اسس الحق والعدل .
لقد ضاغت الثورة وشاخت حينما فقدها شبابها واستولي عليها الشيوخ ممن كنا نراهم فيما قبل الثورة ، نفس الوجوه التي كانت ترضخ تحت وطأه النظام السابق وتتعاطي معه وتنتفع منه علي قدر قربها منه هي نفس الوجوه اللامعة الأن التي تصارع وتقاتل علي الريادة والرئاسة ، واصبحوا كلهم في لحظة هم الداعمون والمتبنون من البداية للثورة ، تحولوا جميعاً إلي ثوار يحكوا تضحيتهم من أجل مصر .
أين كنتم ياهؤلاء وشبابنا يواصل الليل بالنهار يدفع عن الميدان من هجوم البلطجية في موقعة الجمل ، أين كنتم حين دهس صفوة الشباب تحت عجلات عربات الأمن المركزي ، أين كنتم من صلاة كانت تؤدي بالميدان تحت أمطار مياة خراطيم الأمن المركزي .
إن العالم كله يعلم أن الثوار الحقيقون هم شباب هذا الوطن وليس أنتم يا اصحاب الأعمار المديدة التي شاخت تحت توالي الأنظمة الظالمة ولم تستطيعوا أن تحدثوا تغيير ولو حتي قيد أنملة في الأمر ، نحن لا نريد أن يحكمنا شيوخ هزمهم المرض واستولي عليهم الفكر التقليدي في الإدارة ، نحن نريد أن يحكم مصر اصحاب الثورة ، نريد شاب مصري في الأربعينات يقودها بفكر متحرر يكسر كل طرق التفكير العقيم الذي أخرنا مئات السنين عن ركب الدول التي يقال عليها الأن متقدمة .
ليتني أجد شاباً مصرياً يحمل في قلبة وفكرة عقل مبدع محب لمصر لأعطية صوتي في إنتخابات الرئاسة ، وإن أعطيت صوتي لأحد الشيوخ من الوجوة القديمة فإنما سأفعل ذلك لأقدم حق وطني في الإداء بصوتي الإنتخابي ولعدم وجود من يلبي أمنياتي من شباب الثورة ، وحتماً سأكون علي أمل أن تمر السنين سريعاً ويخلق من رحم الثورة شاب مصري يحقق ما كان يحلم به شهداء الثورة

ـــــــــــــــــــــــ كتبها ــــــــــــــــــــــــــــ وفقي فكري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ